أوباما وإيران.. أكروبات سياسية
 تاريخ النشر : الأربعاء ٧ مارس ٢٠١٢
السيد زهره
الذي يتابع المواقف التي عبر عنها الرئيس الامريكي اوباما في الايام القليلة الماضية فيما يتعلق بالأزمة الايرانية والتعامل معها، سوف يجد انها محيرة ومربكة الى اقصى حد.
محيرة ومربكة بمعنى ان المرء اذا حاول ان يخلص من تصريحات اوباما وخطبه الى موقف واضح حاسم يتبناه، فسوف يعجز عجزا تاما.
ولنا ان نتأمل هذه المواقف التي عبر عنها اوباما في هذا الخصوص في الايام الخمسة الماضية.
في الاول من مارس ، اعلن البيت الابيض ان أي ضربة عسكرية ضد ايران سوف تزيد من عدم الاستقرار في المنطقة، وسوف تهدد حياة الامريكيين في افغانستان والعراق.
الموقف هنا واضح. أي هجوم عسكري على ايران مرفوض حفاظا على الاستقرار في المنطقة وعلى حياة الامريكيين والمصلحة الامريكية.
في الثاني من مارس، حذر اوباما من أي عمل عسكري ضد ايران، وقال انه سوف يسمح لها بان تبدو كضحية.
أي انه يرفض العمل العسكري.
لكنه في نفس اليوم قال ان كل الخيارات مفتوحة في التعامل مع ايران، بما في ذلك العمل العسكري، وانه حين يقول ذلك لا يخادع وانه جاد تماما.
في الرابع من مارس، حذر اوباما مما اسماه «الكلام غير المحسوب» عن الحرب على ايران، لأن مثل هذا الكلام يفيد طهران ، ويؤدي الى ارتفاع اسعار النفط الايراني.
أي ان اوباما لايريد حتى مجرد الحديث عن الحرب.
لكنه قال انه مستعد لاستخدام القوة ضد ايران كان ذلك ضروريا، ولو انه يفضل الحل الدبلوماسي.
وفي الخامس من مارس قال ان الدبلوماسية ما زالت امامها فرصة في ايران.
طبعا، هذه المواقف التي عبر عنها أوباما جاءت في خضم الجدل الدائر مؤخرا حول احتمال قيام الكيان الاسرائيلي بشن هجوم عسكري على ايران، والزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو الى امريكا ولقاؤه باوباما، والتي تصدرها موضوع ايران.
السؤال الآن، اذا تأملنا هذه المواقف التي عبر عنها اوباما في الايام القليلة الماضية على هذا النحو، هل نستطيع ان نستخلص موقفا واضحا حاسما يتبناه؟
هل يؤيد اوباما توجيه ضربة عسكرية ضد ايران؟
ام انه لا يحبذ هذا الخيار ويؤيد الحل الدبلوماسي وحده؟
هل من الممكن على ضوء مواقفه هذه لأي محلل سياسي ان يتوقع احتمالات شن هجوم عسكري على ايران من عدمه في الفترة القادمة؟
من الواضح من مواقفه المعلنة هذه انه لا يمكن ابدا التوصل الى أي اجابة حاسمة لمثل هذه التساؤلات.
من الواضح انها مواقف غامضة وتبدو متناقضة، وتتراوح ما بين رفض الحرب، وعدم استبعادها في نفس الوقت ، وما بين تفضيل الحل الدبلوماسي، وعدم الاقتناع بجدواه في نفس الوقت.. وهكذا.
كيف نفهم اذن هذه المواقف التي عبر عنها اوباما؟
حقيقة الامر ان هذه المواقف التي تبدو متناقضة هي مقصودة بحد ذاتها، ومقصود منها بالضبط ان تعطي هذه الرسائل والاشارات المتضاربة.
الحادث ان كل ما يهم اوباما الآن هو عدم السماح بشن أي هجوم عسكري على ايران حتى انتهاء انتخابات الرئاسة الامريكية في نهاية هذا العام، وذلك للأسباب التي سبق ان شرحناها في مقالات سابقة والتي تتلخص في انه لا يمكن ان يجازف بشن مثل هذه الحرب وهو لا يعرف أي نتائج يمكن ان تترتب عليها، وهي نتائج يمكن ان تطيح باي فرصة له لاعادة انتخابه.
لكن اوباما يواجه ضغوطا من قوى شتى في الداخل ، ومن جانب الكيان الاسرائيلي تتبنى مواقف متناقضة ازاء كيفية التعامل مع الخطر الايراني. ففي الداخل، هناك قوى كثيرة تدفع في اتجاه العمل العسكري، وقوى اخرى ترفض ذلك وتحذر من مخاطره. والكيان الاسرائيلي من جانبه يمارس ضغوطه في اتجاه الحل العسكري.
واوباما لا يستطيع ان يتجاهل أي من هذه القوى. ولهذا، حرص في تصريحاته كما رأينا ان يرضي كل الاطراف.
كل طرف يجد في تصريحات أوباما شيئا يرضيه. الذين يريدون الحل العسكري ، يجدون في التصريحات ما يرضيهم او على الاقل يقنعهم بان هذا الحل غير مستبعد فعلا. والذين يرفضون الحرب يجدون ما يرضيهم ايضا. وحتى المترددين الذين لا يعرفون أي موقف يتخذون بالضبط ، يجدون ايضا ما يرضيهم.
احد الكتاب وصف خطاب أوباما فيما يتعلق بالتعامل مع ايران على هذا النحو بانه خطاب «اكروبات سياسية».
وهذا توصيف دقيق بالفعل. اوباما يناور ، ويتقلب من موقف الى موقف، ويتعمد ان يعطي اشارات ورسائل متضاربة كي يرضي كل الاطراف، حتى تمر هذه الاشهر. ولسان حاله هو، لتجري انتخابات الرئاسة في سلام، ثم بعد ذلك لنرى ماذا سنفعل مع ايران؟
.
مقالات أخرى...
- ثروت عكاشة والعصر الذهبي للثقافة - (6 مارس 2012)
- ثروت عكاشة فارس الثقافة - (5 مارس 2012)
- لا هم أساتذة ولا نحن تلامذة - (4 مارس 2012)
- البارونة جيني تونج التي «لا مكان لها»!! - (3 مارس 2012)
- لا قيم.. ولا أخلاق - (1 مارس 2012)
- باسم «القيم الأمريكية»!! - (29 فبراير 2012)
- احذروا «أحصنة طروادة»واطردوا المنظمات الأمريكية - (28 فبراير 2012)
- أمريكا والسوابق الإجرامية لمنظماتها - (27 يناير 2012)
- شهادة إدانة أخرى لأمريكا ومنظماتها المتآمرة - (26 فبراير 2012)