العاطفة لا تحمي الوحدة الوطنية
 تاريخ النشر : السبت ٢٥ فبراير ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
هناك قناعة من مختلف الفعاليات المجتمعية والأفراد مفادها أن استمرار الأوضاع في البحرين على ما هي عليه الآن سيجلب المزيد من الخسائر المادية والاجتماعية وبأن تطور الأوضاع لا يسير في الاتجاه الصحيح، فقد مضى على تفجر الأحداث المؤسفة في بلادنا أكثر من عام ولا تلوح في الأفق رؤى حقيقية لإحداث انفراج يخرجنا من الجمود الذي وصلنا إليه، فالمبادرات التي يقودها عديد من الفعاليات الوطنية لا تعدو أن تكون صرخة غير مسموعة وسط ضجيج صاخب، ليس لأن القائمين عليها مقصرون أو متقاعسون عن مواصلة حملها من أجل تحقيق الأهداف التي يبتغونها، وإنما لأن هناك حزما من العصي يضعها البعض في عجلاتها، الأمر الذي يجعل من تحركها إلى الأمام غاية في الصعوبة، إن لم يكن في عداد المهام المستحيلة.
وعندما نتحدث عن أرقام الخسائر المادية فإن سقفها مرتفع، ولكن مهما بلغت أرقامها من علو، فإن تعويضها ليس بالأمر العسر، فالخسائر الاقتصادية يمكن أن تحدث في أي بلد ولأسباب عدة، ولكن الخسائر الجسيمة التي لا يمكن تعويضها إلا بأثمان باهظة جدا، هي تلك التي تمس النسيج الوطني للشعب، فأي خلل في المنظومة المجتمعية وأي تهتك يصيب العلاقات بين مكونات الشعب، يمثل ضربة خطرة تبقى آلامها ملازمة للجسد الوطني على مدى عدة عقود، مثل هذه الخسائر تقلق المخلصين من أبناء هذا الوطن أكثر من غيرهم.
يتحدث الكثير من الأصوات ومن مختلف المواقع الرسمية والأهلية عن ضرورة العمل على صيانة الوحدة الوطنية وحماية النسيج الوطني من أي هتك باعتباره صمام الأمان الذي يضمن لبلادنا الاستقرار ومواصلة برامج التطوير السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي دعوات، في ظاهرها على الأقل، تنم عن إحساس بالمسئولية الوطنية وعن إدراك عميق بحجم الضرر الواقع على بلادنا وشعبنا بسبب استمرار تداعيات أحداث الرابع عشر من فبراير من العام الماضي، واتساع هوة عدم الثقة بين مختلف الأطراف ذات العلاقة بما يجري على الساحة الوطنية البحرينية.
ما تطلقه الأصوات المخلصة من دعوات صادقة هدفها وقف التدهور الخطر الذي يضرب نسيجنا الوطني لم تأت ثمارا طيبة حتى الآن، ولا غرابة في ذلك، فحجم الممارسات التخريبية التي تعرض لها هذا النسيج واستهداف مكوناته الطائفية والعرقية، كانت كبيرة جدا بحيث من الصعب على دعوات مخلصة كهذه أن تعالج ما تركته تلك الأعمال من أضرار، بين ليلة وضحاها، إلى جانب ذلك فإن أعمال التخريب المجتمعي مستمرة، وأخطرها تلك تستخدم الخطاب الطائفي الذي يعتبر أفتك سلاح يواجهه نسيجنا الوطني خلال الأحداث الأخيرة.
فالوحدة الوطنية التي تتحدث عنها أصوات رسمية وأهلية، لا تصان ولا تحمى بحسن النيات، خاصة في مناخ مليء بالتوتر، كالمناخ الذي نعيشه في الوقت الحاضر، فنحن بحاجة إلى خطوات وإجراءات عملية ملموسة تستهدف تنظيف هذا المناخ وتهيئته لاستقبال مثل هذه الأصوات، وأول هذه الخطوات والإجراءات التصدي لخطاب التفريق والتجزيء واستمرار إطلاق النعوت القبيحة، لأن هذه هي أخطر أدوات التخريب التي تهدم الوحدة الوطنية وتحطم نسيج الألفة التي تغنى بها أجدادنا وآباؤنا منذ مئات السنين.
فلا يكفي أن نقتنع بتضرر بلادنا جراء استمرار الأوضاع غير الصحية منذ الرابع عشر من فبراير من العام الماضي وحتى الآن، ولا يكفي أيضا أن نتحدث عن تضرر نسيجنا الوطني وتهتك اللحمة الوطنية جراء مشارط التمزيق الطائفية التي لعبت دورا قبيحا في ذلك، وإنما نحن بحاجة إلى تحويل هذه القناعة إلى ممارسة عملية على ارض الواقع للحيلولة دون تفاقم الأوضاع إلى أسوأ مما هي عليه الآن الأمر الذي من شأنه أن يزيد من حالة التمزق ويصعب من مهمة المعالجة.
فالتحركات التي تستهدف توفير فرص تساعدنا على الابتعاد عن مخرجات أحداث العام الماضي بقيت تراوح مكانها إذ لم نلمس بعد أي نتائج عملية تدل على تحقيق أي نجاح يذكر فيما يتعلق بحماية النسيج الوطني، فمعاول الهدم مستمرة في تنفيذ أجندات التخريب المجتمعي والدعوات الرسمية والأهلية المنادية بحماية هذا النسيج والحفاظ على اللحمة الوطنية ليست، هي دعوات مخملية تفتقر إلى عامل القوة الذي يمكنه من تكسير تلك المعاول قبل أن تتمكن من الإجهاز على ما تبقى من خيوط ذلك النسيج.
.
مقالات أخرى...
- لماذا الطأفنة تصبغ أجواءنا الوطنية؟ - (22 فبراير 2012)
- لماذا لا يحق للفلسطينيين ما يحق لغيرهم؟ - (20 فبراير 2012)
- محاولة إجهاض «تحسين الزمن المدرسي» - (18 فبراير 2012)
- «الشئون الإسلامية» يقرع جرس الخطر - (15 فبراير 2012)
- الجميع مسئول عن الحل - (13 فبراير 2012)
- بعد «الربيع» يأتي دور «عاصمة الثقافة» - (11 فبراير 2012)
- امتحان وطني أمام القادة الفلسطينيين - (8 فبراير 2012)
- ما يصح إلا الصحيح - (6 فبراير 2012)
- المصلحة الوطنية تفرض المصالحة - (4 فبراير 2012)