هل مازالت فلسطين«القضية المركزية»؟
 تاريخ النشر : السبت ١٧ مارس ٢٠١٢
بقلم: جوزيف دوف
في السياسة النظرية الرديئة لا تموت أبدا، ففي الشرق الأوسط نجد واحدة من أقدم النظريات: القضية الفلسطينية هي القضية المركزية في المنطقة. لقد جاء «الربيع العربي» لينشئ أبعادا أخرى في المنطقة مثل معركة الديمقراطية وحقوق الإنسان وهو ما أدى إلى تهميش القضية الفلسطينية بشكل ملحوظ.
قال الرئيس التركي عبدالله غول في حوار مع صحيفة نيويورك تايمز: «تشكل القضية الفلسطينية واحدة من أهم أسباب انعدام الاستقرار والصراعات في منطقة الشرق الأوسط.. سواء نجحت هذه الانتفاضات في تحقيق الديمقراطية والسلام أو عادت بالمنطقة إلى الدكتاتورية والصراعات فإن ذلك كله سيتوقف على إرساء السلام الدائم بين إسرائيل والفلسطينيين».
مضى الرئيس التركي عبدالله غول يقول: «بطبيعة الحال تتحمل الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية كبيرة لتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط».
أما المستشار السابق للأمن القومي الأمريكي برنت سكوكرفت فقد كتب يقول في مقال منشور في صحيفة الفاينانشيال تايمز:
«لا يمكن معرفة الطبيعة الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط ما لم تتم معالجة الأوضاع المتردية في الأراضي المحتلة. بعبارة أخرى يتوقف مصير الديمقراطية في الشرق الأوسط والعالم العربي على فلسطين».
يجب أن نضيف أيضا إلى ذلك طموحات الهيمنة الإيرانية التي تجعل اليوم نظام طهران يسعى لامتلاك القنبلة، كما أن سوريا ستظل تشكل خطرا ما لم يتم التوصل إلى اتفاق للسلام الإقليمي. لكن هل نظام الأسد يذبح شعبه اليوم من أجل عيون فلسطين؟
إن النظريات والأيديولوجيات الرديئة لا تموت أبدا لأنها تملك مناعة تحميها من الحقائق. من بين هذه النظريات تلك التي يقول أصحابها إن هذه الثورات والانتفاضات العربية اندلعت من دون أن يكون فيها ما يوحي بالعداء للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. لم يكن يصعب على المتظاهرين الحصول على أعلام أمريكية ليدوسوا عليها أو دمى لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كي يحرقوها. لقد كان كل تركيزهم منصبا على حسني مبارك وزين العابدين بن علي ومعمر القذافي والآخرين. لكن ماذا عن البقية؟ في بنغازي رفع المتظاهرون شعار «أمريكا صديقتنا».
لابد أن نعترف مع ذلك بأن القضية الفلسطينية باتت تعاني تراجع الاهتمام سواء على المستوى العربي أو المستوى الدولي، فالتقارير الإخبارية باتت تدفن في الصفحات الداخلية للصحف العربية أو تذكر في خضم سيل التقارير والتعليقات السياسية المتنوعة المشارب التي تسهب في الحديث عن «الربيع العربي»، وتتحدث عن آفاق التغيير الشامل الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط.
لعل ما يثبت مدى تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية ما تتعرض له مدينة القدس من تهويد غير مسبوق. تدرس إسرائيل الآن عدة خيارات للتخلص من الأحياء العربية المحيطة بالمسجد الأقصى. ونتيجة لذلك، تعمل الجرافات الإسرائيلية الآن على مدى الساعة من أجل «تطهير» المنطقة المحيطة بالمسجد الأقصى من هويتها العربية وتحويلها إلى «وجهة أثرية سياحية»، أي مدينة بلا قيم دينية ولا حتى شعب يدافع عن هويتها العربية.
إن رجال ونساء «الربيع العربي» لم يجازفوا بحياتهم من أجل «القضية المركزية» بل إنهم جازفوا بحياتهم ولايزالون من أجل حرية مصر وتونس وليبيا وسوريا، كما أن الحركة الخضراء المناهضة لنظام الملالي في طهران التي شهدتها إيران سنة ٢٠٠٩ لم تكن من أجل «القضية المركزية» في منطقة الشرق الأوسط، وهل تظنون أن النظام الثيوقراطي الحالي في طهران حريص فعلا على القضية الفلسطينية بقدر ما يوظف هذه القضية للدعاية والمزايدة على الدول العربية؟
هكذا صمدت هذه الأنظمة الصديقة لنا وحافظت على بقائها في السلطة حيث إنها فعلت كل ما في وسعها كي تلفت الأنظار عن القمع الذي تمارسه وحال البؤس التي تتخبط فيها شعوبها من خلال تجييش الشارع ضد العدو الخارجي، فكيف يمكن لنا أن نجري انتخابات ديمقراطية نزيهة طالما أن العدو يحتل أراضينا ويدنس مقدساتنا؟ هذا هو الكلام الذي طالما سمعناه يتردد في أكثر من دولة عربية حيث إن كل شيء بات مؤجلا باسم «القضية المركزية».
إن الشعب الفلسطيني جدير بإقامة دولته المستقلة مثل سائر الشعوب الأخرى في العالم غير أن استراتيجية فلسطين أولا ومقولة «القضية المركزية» كانت تداعياتهما وخيمة وعطلت التطور السياسي للدول العربية وبررت استمرار الأنظمة الدكتاتورية. ليس الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين هو الذي يغذي الاستبداد بقدر ما أن الحكام المستبدين هم الذين ظلوا طويلا يغذون الصراع حتى يستمر أطول فترة ممكنة. هذا ما قاله لنا المتظاهرون في ميدان التحرير وثوار بنغازي حيث إنهم لم يرددوا مقولة «القضية المركزية» وصبوا جام غضبهم على حكامهم بالدرجة الأولى.
هل يعني ذلك أن فلسطين لا علاقة لها بكل هذا؟
بلى، فلسطين لها علاقة بما يحدث لكن ليس بالكيفية التي عبر عنها الرئيس التركي عبدالله غول ولا بما عبر عنه مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق سكوكرفت. إن هذا الصمت يحمل في طياته رسالة عربية مختلفة: «إنها الديمقراطية يا غبي». إن الحرية لا تحتاج إلى عدو يقف على عتبة الدار. أما الحكام المستبدون من العرب فقد تعمدوا إطالة أمد الصرع لأجيال كاملة.
لكن ماذا عن إسرائيل؟
لقد اشتد ذعر إسرائيل وارتبكت مواقفها وخاصة مع سقوط الرئيس المصري السابق حسني مبارك. ربما يتعين اليوم على الدولة العبرية أن تسمع أيضا إلى ما يدور حولها، فالدول المجاورة التي انخرطت في الإصلاح قد تكون أكثر استعدادا للسلام الحقيقي، وليس مجرد السلام البارد.
لم يكن حسني مبارك كذلك ولا أسد سوريا الذي رفض كل العروض الإسرائيلية لإعادة مرتفعات الجولان.
لماذا يرفض أسد سوريا استعادة مرتفعات الجولان؟
إذا كنت تحكم بلدا مثل سوريا وتنحدر من الأقلية العلوية الصغيرة فإن مصلحتها القريبة والبعيدة تحتم عليك عدم استعادة مرتفعات الجولان حتى يظل الصراع مستمرا وتظل سوريا «دولة الممانعة» بكل امتياز ويظل الأسد في السلطة.
إن السلام في الداخل ؟ أي العدالة والوظائف للعاطلين وغيرهما ؟ يؤسس للسلام الخارجي.
الديمقراطية، ذلك هو الهدف الذي يتجه إليه العالم غير أن طريق الديمقراطية تظل وعرة ومفروشة بالأشواك: من تونس إلى طرابلس وصولا إلى طهران.
* كبير الباحثين في معهد فريمان للدراسات الدولية ومعهد هوفر - ستانفورد.
.
مقالات أخرى...
- مــــــن هــمش القضيـــــــة الفلــســطينية؟ - (17 مارس 2012)
- خيارات أوباما بين إسرائيل وإيران - (14 مارس 2012)
- أخطار التدخل في سوريا - (13 مارس 2012)
- هل تنجح العقوبات في شل الاقتصاد الإيراني؟ - (12 مارس 2012)
- هكذا يمكن التخلص من الرئيس السوري بشار الأسد - (11 مارس 2012)
- الأمــــــــــــم المتحدة والأزمة السورية - (10 مارس 2012)
- ما جدوى العقوبات المفروضة على إيران؟ - (8 مارس 2012)
- «الربيع العربي».. من «الثورة» إلى «الثورة المضادة» - (5 مارس 2012)
- سنوات الجمر في سوريا - (5 مارس 2012)