الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤١٩ - السبت ٢٤ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ١ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

زاوية غائمة


نحن المتآمر؟ (١)





كان راديو السيارة يلقلق كالعادة، وبحكم «العادة»، من دون أن تلتقط أذنيّ جملة مفيدة، وفجأة سمعت شخصا يتكلم عن مؤامرة تتعرض لها اللغة العربية، وفهمت أن المتحدث عضو مجمع اللغة العربية في القاهرة، فوضعت حواسي في حالة تأهب قصوى، لأعرف نوع المؤامرة وتحديد الطرف المتآمر حتى أشارك في عملية التصدي له، فإذا به يقول كلاما معمما: أعداء اللغة العربية يريدون القضاء عليها.. ضربت الراديو بباطن الكف حتى صار من ذوي الاحتياجات الخاصة، أي عاجزا عن الكلام.. وفكرت: من يكون أعداء لغتنا يا ترى؟ الأمريكان أم الشيشان أم طالبان أم جماعة ١٤ آذار في لبنان؟ ثم ما مصلحة أي جهة في القضاء على اللغة العربية؟.. قضيت أكثر من ربع قرن وصنعتي هي «الأخبار والأحوال الدولية» ولم أسمع طوال تلك الفترة جهة ما تزعم ان اللغة العربية ملغومة او مفخخة أو أنها تشكل خطرا على السلام الإقليمي او الدولي وبالتالي لابد من قصفها بالقنابل الذكية أو فرض حصار اقتصادي عليها! بالعكس سمعت عربا كثراً يطالبون بمحو لغات الأقليات غير العربية المقيمة في بلدان توصف بالعربية!! طيب، من أين أتى جماعة المجمع اللغوي بهذا اللغو عن تعرض لساننا لمؤامرة وعدوان؟ طبعا كلما ألمت بنا مصيبة من صنع أيدينا، جعلنا من أمريكا وإسرائيل حائطا قصيرا، ونحملهما مسؤولية المصيبة.. تتداخل أنابيب المجاري مع أنابيب المياه في غزة لانشغال ولاة الأمر الفلسطينيين بنهش ما تبقى من لحم فلسطين، ويشرب الناس نتاج مثاناتهم وكل هذا من تحت رأس اسرائيل، «فلولا أن حكومتكم الرشيدة تعد العدة للقضاء على العدو الصهيوني وتحرير كامل التراب الفلسطيني لتوفرت لديها الموارد لحل مشكلة مياه الشرب والصرف الصحي».. وتتحول فضلات المجاري إلى تسونامي يقتل ويشرد الآلاف في فلسطين كما حدث قبل سنوات، «ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة»! كل شيء مؤجل إلى حين القضاء على اسرائيل: التنمية والحريات والبطيخ الأزرق، و«عيش يا حمار على بال ما الجماعة يعثروا على البيف باف المناسب!».

هل ارغمتنا واشنطن أو تل أبيب على ان نحيي ونودع بعضنا البعض بـ«باي وهاي»؟ نخرب بيوتنا بأيدينا ثم نسعى لـ«تلبيس» التهمة لعدو مزعوم نشتمه جهرا ونبوس رجليه سرا.. واسرائيل اللي فيها يكفيها، فكاهلها مثقل بجرائم ارتكبتها بعرق جبينها، وليس من الإنصاف أن نحملها تبعات قصورنا وقعودنا وخيبتنا، ومسؤولية جرائم ارتكبناها في حق أنفسنا ولغتنا وثقافتنا، وأجد نفسي مضطرا إلى تبرئتها من شبهة تدهور مستوى التعليم عندنا، وتسابقنا على التباهي بحصيلتنا من اللغات الأجنبية.. والله العظيم قرأت في مكتبة لافتة تقول: هؤلاء الكتب عليها خصومات.. دعك من «هؤلاء»، فقد يزعم صاحب المكتبة ان الكتب «كائنات حية»، ولكن قل لي بربك من هم الذين «تخاصموا» على الكتب! وهناك عبارة تناولتها في مقالاتي اكثر من عشرين مرة عن محل في مدينة الخرطوم اسمه «ثلاجة البشرية»، وعلى صندوق ضخم كتبت عبارة «هوناء يباع الثلج البارد».. دعنا من «هوناء» التي هي «هنا»، أفلا يوحي لك وجود «ثلاجة البشرية» بأن المحل «مشرحة» يديرها سفاح بترخيص من الحكومة، كما أن كون الثلج الذي فيها بارد إشارة إلى أن هناك ثلج ساخن يغلي.. أليس المتآمر على العربية هو صاحب المحل؟ وهو بالمناسبة ليس إسرائيليا أو مسؤولا أمريكيا.. هل الأمريكان والصهاينة الملاعين هم الذين وضعوا لمدارسنا مناهج منفرة وسخيفة؟ هل هم الذين طلبوا من المدرسين عندنا استخدام اللغة العامية في التدريس؟.. حتى اللغة العربية المحكية الدارجة تفرنجت، بعد ان صار جيل كامل يقول إنه كول قضاء الوقت في المول ولعب الباسكت بول في الويك إند بحضور القيرل فريند.





jafabbas١٩@gmail.com



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة