الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٢٣ - الأربعاء ٢٨ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ٥ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

عالم يتغير


قصة الطفل «عمر» تختزل القصة الكبرى





{ تحولت قصة الطفل «عمر» الذي كانت معلمته بمدرسة (النور) تجبره على أن يقبل قاع قدميها كل يوم ولمدة خمسة أشهر لمجرد أن اسمه (عمر)، تحولت هذه القصة إلى قضية رأي عام، ببساطة لأن مدلولات هذا الحدث لا تقتصر على كونها اساءة إلى التربية أو إلى التعليم، أي انها ليست مجرد قصة تربوية أو تعليمية بحتة، وانما لأنها تختزل القصة الكبرى، التي لاتزال البحرين كلها تعاني تبعاتها قياسا لخلفيات ما حدث في أزمة ما قبل فبراير الماضي، التي جرت معها الاساءات والجنايات المتعمدة في حق مكونات تم مسبقا شحن العقول فيها بأنها من فرقة (الحسين) مقابل فرقة (اليزيديين)، وبالتالي وجبت معاداتهم على ذلك الأساس.

الخلفية هنا هي ـ إلى جانب انها تربوية وتعليمية تمت الاساءة إلى رسالتيهما في عقر دار التربية والتعليم ـ فإنها تاريخية وثقافية ودينية مطأفنة، تحولت إلى عقد نفسية أو سيكولوجية، نتيجة الشحن الطائفي سواء ضد من هم ليسوا من الطائفة نفسها، أو ضد الصحابة رضي الله عنهم وعلى رأسهم الفاروق «عمر بن الخطاب»، وهم الصحابة الذين يتم الشحن الطائفي الشرس ضدهم على منابر كثيرة حتى يتحول مجرد أسمائهم أو اسم أحدهم، إلى حالة تستدعي الاستنفار السيكولوجي لالحاق الاهانة بمن تسمى باسمه، واتضحت في حالة المعلمة مع الطفل (عمر).

{ المعلمة وما تصرفت به طوال خمسة أشهر مجرد اختزال إذًا لمدلولات أكبر وقع ضحيتها ليس فقط أبناء «أمة محمد» التي يتصرف بعض الطائفيين في البحرين أو سواها ضد أولوياتها الدينية وانما الضحية هم ايضا أبناء الطائفة نفسها، حين تتحول المرويات والقصص الملفقة والأساطير المشبعة بالأحقاد والضغائن في عقولهم إلى واقع نفسي معاش في الوقت الراهن، ولذلك لا أرى في هذه المعلمة سوى «مريضة نفسية» معتقديا كغيرها من الذين يختزنون الحياة والإنسانية والدين في إطار رؤية متطرفة مريضة تختزل بدورها كل تلك المنطلقات على أساس جاهز ومسبق الصنع وتدور كل مرتكزاته في التقسيم الجائر للناس وللأمة والطائفة إلى معسكرين (اليزيديين والحسينيين) وأدبيات العداء المطلق واللعن الدائم لبعض زوجات الرسول وصحابته (رضي الله تعالى عنهم وعنهن)، وهو العداء القادم من أدبيات الحركة الشيعية ـ الصفوية تحديدا، التي عممت كراهيتها لبعض زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام ولصحابته وخاصة الخليفة «عمر بن الخطاب» والخليفة «أبابكر الصديق»، رضي الله عنهما، على كل الشيعة ومنهم الشيعة العرب الأتباع أو الموالون لأدبيات ومرويات هذا التيار الغريب جملة وتفصيلا عن مرويات الأمة الاسلامية، وعن الإسلام الصحيح، وخاصة مع تسييسه جملة وتفصيلا.

{ وبقدر ما كانت مسألة المعلمة والطفل عمر في حد ذاتها مؤثرة ومستهجنة، لما تمثله من انتهاك لكل القيم الإنسانية وخاصة تلك المتعلقة بالطفولة وبراءتها، وبما تستدعيه من حالة الرثاء لمن وضعه الوعي الشعبي في حالة أداء الرسالة (كاد المعلم أن يكون رسولا) فإذا بها تنتهك حتى طفولة الطفل وبراءته بخبث غرائبي بحاجة إلى تحليل نفسي أكثر مما عداه.

ولأن هذه القصة تختزل ما هو أخطر اجتماعيا، فهي كقمة الجليد الطافح فوق سطح الماء، فيما البحر يخبئ الجسد الجليدي كله، فانها القصة التي تحتاج إلى مكاشفة حقيقية من المؤسسات المجتمعية كلها، لندرك معها المصاب الجلل الذي أصاب مجتمعنا الصغير، ليس فقط سياسيا، أي بما يتعلق بالأزمة السياسية التي لاتزال تجتر ذيولها، وانما أيضا اجتماعيا وثقافيا، وحيث ما لم نضع اليد على الداء بشكل صحيح لن نستطيع معالجته، وستتكرر غدا قصص أخرى شبيهة، كما اتضحت معالم قصص سابقة منذ فبراير قبل الماضي، حملت في طياتها تصرفات عنصرية وطائفية نابعة من ثقافة الكراهية وتقسيم المجتمع إلى معسكرين وشحنات مليئة بضغائن تاريخية لا ذنب لشعبنا فيها، مثلما لا ذنب للطفل «عمر» بأن اسمه عمر.

نحن أمام مرويات تحول المؤمنين بها إلى مرضى نفسيين.

{ القضية هي لماذا الاساءة إلى رموز الأمة الإسلامية التي يستثني أصحاب ثقافة الكراهية والأحقاد أنفسهم منها كأمة قامت بفرز مقدساتها ورموزها من خلال حياة وأحاديث الرسول الأعظم، ومن خلال القرآن الكريم، أي من خلال الإسلام نفسه ورسالته للبشرية كلها؟ لماذا الاستفزاز الديني في هذا ناهيك عن شحن النفوس والتحريض من المنابر والحسينيات؟ إذا كان لدى طائفة معينة معتقدها فمن حقها ان تعتقد بما تشاء، ولكن أن تجعل من معتقدها حالة استنفار وشحن وعداء متواصل، تتعدى به على مقدسات ورموز الامة بأكملها، فذلك ليس فقط انتهاكا للإسلام وتعاليمه الإلهية، وانما انتهاك لحقوق الإنسان وصون دينه، بما لا ينفع معه أي تبرير أو أي تفسير أو أي تأويل، لان هذا المنطلق العدائي في المعتقد، يتنافى مع كل المبادئ والقيم سواء الإسلامية او الإنسانية وبما يفسر حقيقة موقع المظلومية، ولذلك فمن المهم لمجتمعنا الصغير، وخاصة بعد احداث «الحراك الانقلابي الطائفي» ان يفتح صفحة (الجذور المعتقدية والطائفية والتاريخية) فلم يعد ينطلي على احد بعد اليوم، ان المسألة بالنسبة إلى اتباع هذا الحراك هي مجرد مطالب سياسية أو إصلاحية، لان باختصار المظلومية المدعاة في تلك المطالب لها جذور تاريخية وثقافية وطائفية قائمة على الضغائن والكراهية، تحولت بعد الازمة إلى اشكاليات اجتماعية ومجتمعية ونفسية، لن تنتهي، ولن ينفع معها الحلول السياسية وحدها، أيا كانت، طالما ان المنطلق الأساسي في ذلك الادعاء بالمظلومية هو منطلق تاريخي وثقافي وطائفي تتم معاقبة الأجيال من خلاله.

{ أما ما يخص المعلمة والطفل عمر، فإن وزير التربية والتعليم مطالب بألا يتصرف تجاه هذه القضية باعتبارها حالة عابرة، لا تستدعي إجراءات قوية، فالمسألة متشابكة وتحمل من المدلولات الخطرة الشيء الكثير، ونوع العقاب ونوع الإجراءات ورد الاعتبار للطفل وأهله، يجب ان يكون بمثابة الردع القوي لأي نفوس مريضة اخرى، وخاصة ان ليس الطفل وأهله هما المهانان هنا، وانما أهين كل مسلم وإنسان وان كان غير مسلم، يكن للفاروق «عمر بن الخطاب» وغيره من الصحابة الشيء الكثير من الاعتزاز والاحترام باعتبارهم رموزا إسلامية وصحابية جليلة، لا يمكن تجاوز مضامينها بأي شكل.

بعدها نقترح ان يفتح مجتمعنا صفحات عديدة لتدارس لماذا حدث ما حدث؟ ولماذا يحدث ما يحدث؟ وأي حلول مجتمعية واجتماعية وثقافية يجب وضع أسسها، لكي يتعافى مجتمعنا ان أردنا من أمراض الطائفية وخاصة حين تدخل أطوار المرض النفسي، التي حتما لا يمكن معالجتها بحلول سياسية بحتة مهما كانت؟ فالقصة أكبر والقضية أوسع حتى بعد ان بان رأس جليدها في قصة الطفل (عمر) وما قبلها من قصص منذ الأزمة الماضية، ومن لا يعتقد ذلك فهو لا يعرف الأساس والجذر لما ينتاب مجتمعنا الصغير هذا.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة