قوارب النجاة
 تاريخ النشر : الجمعة ٦ أبريل ٢٠١٢
عبدالرحمن علي البنفلاح
قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون» (التحريم/٦) هذا البيان المروع المحذر يكشف لنا حجم المسؤولية المعلقة في أعناق المؤمنين، فكلنا راع، وكلنا مسئول عن رعيته كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتفق عليه، فعن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: «كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته،الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسئول عن رعيته، فكلكم راعٍ ومسئول عن رعيته» أخرجه البخاري برقم (٨٩٣) ومسلم برقم (١٨٢٩).
وكل واحد من هؤلاء الذين جعلهم الرسول(صلى الله عليه وسلم) مسئولين عن رعاياهم بمثابة قائد لسفينة فيها ركاب، فهو مسئول عن سلامة هؤلاء الركاب بأن يحمل معه كل وسائل الإنقاذ حتى يستطيع إذا تعرضت السفينة لأي خطر عليه أن ينقذ الركاب من الغرق، وهذا ما فعله نبي الله نوح (عليه الصلاة والسلام) عندما أمره ربه تعالى أن يصنع السفينة ويجهزها بكل ما تحتاج إليه في سفرها، وبما تنجو به من الغرق إذا اشتدت الريح، وتقاذفتها الأمواج من كل مكان، وكانت بحق سفينة النجاة التي أبى ولد نبي الله نوح أن يركبها، فحال بينهما الموج فكان من المغرقين «... ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين (٤٢) قال سآوي الى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين (٤٣)» هود.
اعتادت شركات النقل البحري أن يجهزوا سفنهم بقوارب للنجاة تكون جاهزة عندما يحتاج قائد السفينة إليها لإنقاذ الركاب من الغرق، وذلك حين تتعرض السفينة للغرق، وتشتد بها الريح في يوم عاصف، وتتقاذفها الأمواج من كل مكان، فيلجأ قائد السفينة إلى قوارب النجاة لينقذ بها الركاب، وإذا كانت قوارب النجاة في السفن العادية هي قوارب عادية مثلها تحمل عدداً من الركاب لتنجو بهم من الغرق، فإن السفينة التي ركبها نوح (عليه الصلاة والسلام) والفئة المؤمنة التي آمنت به وصدقته واتبعت النور الذي انزل معه، هي سفينة التوحيد والإيمان الصادق، فكان نصيب المؤمنين النجاة من الغرق بإيمانهم، ونصيب الذين كفروا وأعرضوا بجانبهم عن هدايات الله تعالى الغرق في أمواج كالجبال سلطها الله تعالى عليهم فلم تذر أحداً منهم على قيد الحياة، وإذا كنا لم ندرك سفينة نبي الله نوح (عليه الصلاة والسلام) ، ولم يتيسر لنا الركوب معه لاختلاف الزمان والمكان، فإن سفينة الإسلام التي يقودها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) موجودة ولن ينتهي زمانها ولا مكانها، فهي لكل الزمان ولكل المكان، ولكل الناس، فهي تسع الزمان وتسع المكان وتسع الناس جميعاً، وهي لاتزال تستقبل كل يوم، بل كل لحظة وفوداً جديدة ليأخذوا مكانهم بين الركاب الذين هم من كل الأعمار ومن كل الجنسيات ومن كل الألوان، تجمعهم كلمة التوحيد، ويقودهم قائد واحد هو: رسول الإسلام (صلى الله عليه وسلم) ويهتفون جميعاً بنداء واحد هو قولهم: (لا إله إلا الله محمد رسول الله).ئ
قائد السفينة هو رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي بعث رحمة للعالمين، وللناس كافة، بل بعث للثقلين (الجن والإنس).
رسول الإسلام جاء مبشراً ونذيرا وهادياً إلى الله تعالى بإذنه وصراطاً مستقيما، وشريعته وحدها من دون الشرائع كلها التي وصفت بالكمال، فقال الله تعلى عنها: «...اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا...» (المائدة/٣).
سفينة الإسلام، سفينة فيها متسع للجميع، وهي سفينة السلامة والإسلام، والأمن والإيمان ليس في الآخرة فقط، بل في الدنيا والآخرة.
في الدنيا فيها النجاة من معيشة ضنكا، وفي الآخرة من عذاب النار وبئس القرار.
في الدنيا «ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا» وفي الآخرة «... ونحشره يوم القيامة أعمى» (طه/١٢٤).
وقوارب النجاة في سفينة الإسلام لا حصر لها، فمنها: قارب التوحيد، وقارب الهداية، وقارب البر بالوالدين، وقارب الإحسان إلى الجار، وقارب الإنفاق في سبيل الله تعالى، وقارب الصدقة الجارية، وقارب العلم النافع، وقارب حسن الخلق، وقارب تفريج الكربات، وقارب عيادة المرضى، وقوارب كثيرة لا يتسع المقام لذكرها، وسوف نحاول الحديث عن كل واحد منها بشيء من الاستفاضة لندل ركاب السفينة عليها ليتعرف كل راكب قارب نجاته، ليسعد في الدنيا وينجو يوم القيامة.
.