الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٣٣ - السبت ٧ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ١٥ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

أخبار البحرين


خطـيب جــامع الخـير يشجــب التحشيد ضـــد الفعــــاليات النقابية





قال الشيخ صلاح الجودر خطيب جامع الخير بقلالي في خطبة الجمعة أمس:

تأملوا معي في حوادث الدهر فإنها صوادق الخبر، وفيها المزدجر، فالفتن منبهات وموقظات (لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)، بسببها تعود المجتمعات الحية إلى نفسها، والقيام بواجب المراجعة والتقييم، بصدق وأمانة وحب للخير، مراجعة تتفحص فيها مواقفها، وتتأمل عملها وعلاقاتها، في محاولة جادة لتحديد أسباب الاخفاق، ومواطن القصور والتقصير، فالأزمات توقظ المجتمعات، وتشكل منعطفاً جديداً لمسيرتها الإنسانية، فإما إلى الأمام وإما إلى الفشل والانحدار.

عنوان المجتمعات المتحضرة مرهون بسلامة عقول أبنائها، فإذا تربوا على العلم والمعرفة ملكوا العالم وسادوا المجتمعات، وإذا سلكوا طريق الغواية والفوضى احتوتهم قوى التطرف والتشدد والغلو، فمن محاسن شريعتنا الإسلامية الغراء أنها جاءت لتحفظ العقول والأفهام.

لا يمكن تحقيق الأمن بأنواعه، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من دون تعزيز الأمن الفكري لدى الناس، فهو بمثابة الرأس من الجسد، إذ لا يستقيم الحال لأي مجتمع من دون أن يكون هناك وعي بأهمية الأمن والأمان، فإذا اطمأن الناس على ما عندهم من قيم ومبادئ ومثل تحقق لهم الأمن في أجلى معانيه، وإذا انحرفت عقولهم وتلوثت أفهامهم بأفكار ومبادئ ظاهرها الإيمان وباطنها الانحراف حينها يحل بالمجتمع الخراب والدمار، فقد صح عن رسول الله(ص)أنه قال:«من أصبح آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».

يجب التذكير بالأمن الفكري ولا سيما ان الأمة اليوم تشهد رياحاً من الفتن والمحن، وانحرافاً كبيراً عن منهج الوسطية والاعتدال، مما يحتم على الجميع مواجهتها والتصدي لها، فإنها أدواء تسري في جسد الأمة لتغير هويتها، فالمتأمل في واقعنا اليوم يصاب بالدهشة والحيرة لكثرة الأسباب والعوامل التي تسعى لتغيير الهوية، فهناك برامج ومراكز وجماعات تسعى لتغيير الهوية الوسطية المعتدلة، فما يتعرض له أبناؤنا من غزو فكري لا يمكن التصدي له إلا بوسطية الإسلام ودعاة الاعتدال.

في الأسبوع الماضي تعرضت المحرق لحالة غريبة من التحشيد والتأجيج بسبب فعالية ثقافية درج العرف على اقامتها منذ عشر سنين، لن نتحدث عن الإشاعة التي انطلقت لمنع الأذان وإيقاف الصلاة فهذا لا يمكن أن يصدقه عاقل، ومن لديه دليل فليتقدم إلى مراكز الشرطة فهذا الأمر - إن حصل - لا يمكن السكوت عنه، ولن نتحدث عن الإشكالية السياسية بين وزيرة الثقافة والسادة النواب فهذه قضية يتم معالجتها بينهم في مجلس النواب، ولكن الأمر الذي يجب التنبيه عليه هو حالة التحريض الممنهج للشباب والناشئة، وهو أمر في غاية الخطورة، ولا يمكن السكوت عنه، فإن استغلال الشباب والناشئة في مثل هذه الأعمال هو دمار وخراب للمجتمع، ويجب التنبيه عليه والتحذير منه.

المجتمع المتنوع مذهبياً وفكرياً وثقافيا تحدث فيه مثل هذه الإشكاليات، ومن أجل تعزيز الأمن والاستقرار يجب التفريق بين مسألتين أساسيتين تندرجان تحت مفهوم المواطنة الصالحة، فهناك مفهوم الحق الدستوري ومفهوم الحق الديني.

فالحق الديني يكفل للفرد ممارسة شعائره الدينية بكل حرية من دون التعدي على الآخرين، والحق الدستوري يجعل المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، مهما اختلف المعتقد أو المذهب أو الثقافة، وإذا تعارض المفهومان في المجتمع المتنوع فإن الحق الديني يخضع للحق الدستوري، فلا يحق لفرد أو جماعة أن تفرض أجندتها على الناس بدعوى الحق الالهي والواجب المقدس، فهذا الوطن للجميع، يجب أن يخضع الجميع للحق الدستوري واحترام القانون، وهو ما يعرف بالمواطنة الصالحة، بمثل هذا الفهم تستقيم الحياة، وينمو المجتمع، ولمن شاء فليتأمل الكثير من شعوب العالم التي عززت الأمن والاستقرار لديها حينما فهمت العلاقة بين الحق الدستوري والحق الديني رغم اختلاف المعتقد والمذهب والثقافة.

جاء عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: أنه قال: «إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق»، من هذا الحديث النبوي الشريف ينطلق المسلمون في تعاملهم مع الناس، فالمسلم له حق على أخيه المسلم «احب لأخيك ما تحب لنفسك»، وللجار حق «لا يؤمن أحدكم حتى يأمن جاره بوائقه»، وللضيف حق «لا يؤمن أحدكم حتى يكرم ضيفه»، ولكن ما جرى بالمحرق هو خارج تلك القيم الإسلامية، ولا تمت لأبناء المحرق ورجالاتها بصلة، ولكنها دخيلة ومستوردة.

لقد تعرضت فتاة بعد سد الطريق عليها لمضايقات وكلمات نابية تخدش الحياء أمام الحشد المتجمهر بالمحرق، ونشرت الصحف اليومية قصتها، والله إنه لعار،، فأين نخوة الرجال؟ وأين أبناء المحرق الشرفاء، وفتاة وحيدة تستنجد فتقول: «من العيب أن تغلقوا الطريق أمامي وأنا فتاة أسير لوحدي بينكم»، فإذا بأحدهم يرد عليها: «هذا إذا كنت تعرفين العيب»، ولولا لطف الله ثم رجال حفظ الأمن في المنطقة لحدث ما لا يحمد عقباه، بالله عليكم: أهذه هي أخلاق الإسلام، أهذه أخلاق أبناء المحرق؟

إننا اليوم نتقدم إلى تلك الفتاة بالاعتذار والتأسف، ونتمنى من المسئولين في الدولة الاعتذار اليها عما بدر في تلك الليلة من سلوكيات غريبة.



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة