قارب التوحيد
 تاريخ النشر : الجمعة ١٣ أبريل ٢٠١٢
عبدالرحمن علي البنفلاح
الذين ركبوا السفينة مع نبي الله نوح (عليه الصلاة والسلام) هم الذين نجوا لأنهم اختاروا قارب التوحيد للنجاة من الكفر والإلحاد، واستجابوا لله وللرسول حين دعاهم لما يحييهم من موت الشرك، وضنك الإعراض عن ذكر الله تعالى.
وإذا كانت سفينة نوح (عليه السلام) قد نجت بمن فيها من الغرق في الدنيا من أمواج كالجبال، فإنها سوف تنقذهم وتنجيهم يوم القيامة من الخلود في النار، ومن العذاب الأليم والهوان المقيم.
والذين فاتهم الركوب في سفينة نوح (عليه السلام) لاختلاف الزمان والمكان، فعليهم ألا يحزنوا وألا ييأسوا من روح الله تعالى وقد بعث فيهم رسولاً منهم يهديهم إلى سبل السلام، ويحملهم في سفينة الإسلام التي فيها متسع للجميع، ورسول الإسلام (صلى الله عليه وسلم) بعث للناس كافة، لأحمرهم وأبيضهم واصفرهم، وأسودهم لا فرق في الإسلام بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، فالجميع لآدم وآدم من تراب.
هذه السفينة العظيمة الجليلة لا تطلب من ركابها غير شيء واحد هو: هوياتهم الإسلامية عند الركوب،وهم مرحب بهم وميسر لهم كل وسائل الرعاية والحماية، وسوف تقودهم هذه السفينة الجليلة إلى بر الأمان في الدنيا والآخرة.
وتحتاج هذه السفينة إلى قوارب نجاة تحمل الركاب إليها لتنقلهم إلى بر الآمان، ومن هذه القوارب: قارب التوحيد، فكل من آمن بالله تعالى رباً لا شريك له، وإلهاً لا ند له، فهو من أهل هذا القارب وركابه ولن يعترض سبيله أحد أياً كانت جنسيته ولونه ولسانه، لأن ركاب هذه السفينة العظيمة يجمعهم جامع واحد هو: شهادة التوحيد، قال تعالى: «إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون» (الأنبياء/٢٩).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة) رواه أبوسعيد الخدري وجابر بن عبدالله وأنس بن مالك/ صحيح الجامع/ رقم الصفحة أو الحديث ٦٤٣٣/ صححه الألباني.
وقد يظن ظان أن قارب التوحيد صغير لا يتسع إلا لعدد محدود من الركاب الذين يبحثون عن النجاة من الغرق في أوحال الشرك والإلحاد، وهذا ظن خاطئ، لأن القارب يتسع لكل موحد، وأياً كان عدد الركاب شريطة أن يحملوا الهوية الإسلامية ذلك لأنهم يسافرون في معية الله تعالى، وهو سبحانه يقود قاربهم بين الأمواج المتلاطمة من الشرك والإلحاد من دون آن تمسهم هذه الأمواج أو تدنس ملابسهم بقطرة واحدة من هذه المياه المدنسة بأوحال الشهوات المحرمة، فهم في حماية ورعاية مولاهم سبحانه وتعالى الذي بيده مقاليد الأمور كلها، وأمره بين الكاف والنون «إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون» (يس/٨٢).
ويعجب الإنسان من أحوال هؤلاء الركاب ، فعليهم السكينة والهدوء، وهم يتضاحكون وكأنما ليس هناك خطر يتهددهم، وأمواج تكاد تبتلعهم ، فإذا سألتهم عن أحوالهم هذه؟ يقولون لك: إننا في رعاية مولانا سبحانه وتعالى، وفي حصنه الحصين، فهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، بل إن يقينهم في النجاة واطمئنانهم على حسن العاقبة يجعلان ما هم فيه رحلة هادئة جميلة رغم أن من حولهم من الناس تضج أصواتهم بالاستغاثة والصراخ من الفزع لأنهم غارقون في أوحال الضلال والكفر من الذين قالوا لأنبيائهم (سمعنا وعصينا) أو كما قال ابن نبي الله نوح (عليه السلام) سآوي إلى جبل يعصمني من الماء، وظنوا أنهم ناجون بقدرتهم وبما زودوا به سفنهم من وسائل الإنقاذ البشرية ولكن خاب ظنهم، وبطل تخطيطهم، وآل أمرهم إلى البوار، والخسران المبين، وها هم يصارعون الموت، ويتلمسون أسباب النجاة من دون فائدة، لأنهم كفروا بالله تعالى، واتخذوا سبيل غير المؤمنين، الذين شاقوا الله والرسول، فكان مصيرهم الشقاء الدائم، والضنك المستمر.
.