الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٤٤ - الأربعاء ١٨ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ٢٦ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

بعد إعلان برقة إقليما فيدراليا مستقلا

تحذيرات من تداعيات تقسيم ليبيا على الأمن القومي المصري





في الوقت الذي قام فيه زعماء قبائل وسياسيون ليبيون مؤخرًا بإعلان شرق ليبيا إقليما فيدراليا اتحاديا مستقلا، تفجرت موجة من المخاوف الدولية والمصرية من أن يكون الإعلان الأخير بادرة لتقسيم ليبيا، والدخول في بوابة عنف وصراعات داخلية جديدة تؤثر في دول الجوار، ومنها مصر التي يقع الجانب الشرقي من ليبيا على تخوم حدودها الغربية.

وفي غضـون ذلك هدد رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي مصطفى عبدالجليل عشية إعلان برقة إقليمًا مستقلاً باستخدام القوة لمنع تقسيم ليبيا، داعيًا إلى الحوار، مؤكدًا أن حكومة طرابلس لن تقبل بتقسيم ليبيا وقادرة علـى ردع أي محاولـة للانفصـال ولو بالقوة، وهو الأمر الذي اعتبره بعض المحللين بمثابة نذر للحرب الأهلية في ليبيا.

من جانبه أكد محمد كامل عمرو، وزير الخارجية المصري، خلال تصريحات تليفزيونية أن قوة ليبيا في وحدتها، وأن القاهرة حريصة كل الحرص على دعم وحدة ليبيا، معربًا عن مخاوفه من التداعيات السلبية على مصر في حال دخول ليبيا في مستنقع الحرب الأهلية.

هذه التطورات أبرزت مخاوف أخرى تتعلق بانتشار حمى الانقسام في دول الربيع العربي، التي مازالت في طور إقامة أنظمة حكم مستقرة بعد انهيار أنظمتها السابقة.

ويرى أحمد أبوالخير، مساعد وزير الخارجية الأسبق لشئون إفريقيا، ان إعلان شرق ليبيا إقليما فيدراليا مستقلا هو أمر خطر ويحمل دلالات كارثية، ليس فقط في ليبيا بل أيضًا كل دول الجوار التي لها حدود مشتركة مع ليبيا، ومنها مصر.

لافتًا إلى أنه سبق أن قام أكثر من خبير ومحلل استراتيجي بالتحذير من أن انفصال جنوب السودان العام الماضي سيفتح شهية حركات انفصالية أخرى بالمنطقة، وكانت الدول المرشحة لانتقال هذه العدوى هي ليبيا والآن تبرز هذه المخاوف مجددًا.

ولفت أبوالخير إلى أن مصر على الرغم من مشكلاتها الداخلية، فإنها يجب أن تضطلع بدور لمحاولة احتواء الأزمة الليبية قبل تفاقمها، لأنه في حال اندلاع حرب أهلية في ليبيا ستكون مصر أكثر الدول تضررًا، لأن وقتها ستكون حدودها الغربية منطقة عمليات عسكرية، ومن المتوقع تدفق آلاف اللاجئين الليبيين إلى مصر، بالإضافة إلى عدم استقرار الحدود، وهو ما ستكون له تبعات سلبية على المستوى الإنساني أو الأمني.

وحذر أبوالخير أيضًا من أن شبح الانقسام الذي بات مخيمًا على المشهد الليبي قد يعزز دعاوى الانقسام في دول أخرى للربيع العربي مثل اليمن، الذي يعاني هو الآخر صعودا لنجم بعض الحركات الانفصالية.

أما فازي جبريل، الناشط السياسي الليبي المقيم بالقاهرة، فأشار إلى أن مساحة ليبيا المترامية الأطراف والمركزية الشديدة لنظام القذافي البائد، جعلتا سكان الأقاليم المختلفة سواء في شرق ليبيا أو جنوبها أو غربها يعانون الكثير من التهميش وعدم حصولهم على عوائد عادلة من توزيع الثروة وعوائد النفط.

ولفت جبريل إلى أن أغلب الليبيين يتطلعـون الآن إلى نظـام حكم لا مركزي يحقق طموحهم من دون تقسيم ليبيا، لافتًا إلى أن إعلان إقليم شرق ليبيا إقليما فيدراليا مستقـلا هـو تعبير عـن الفيدرالية الإدارية وليست السياسية، لافتًا إلى أن المؤتمر العام لزعماء القبائـل في شرق ليبيـا توافـق على أحمد السنوسي، رئيسًا لمجلس إدارة الاقليم.

وهذه بادرة تؤكد أيضًا أن مخاوف الانفصال مازالت بعيدة لأن السنوسي هو شخصية معروفة بالوطنية والحرص على وحدة التراب الليبي، وهو شخصية نضالية عانت الأمرين من حكم القذافي وسبق حبسه والتنكيل به هو وأسرته عقودا طويلة، لذلك فمن المستبعد أن يضحي السنوسي بتاريخه ويحاول تقسيم ليبيا.

ولفت جبريل إلى أن الاكتشافات النفطية الهائلة في كل ربوع ليبيا، وتلك التي من المتوقع اكتشافها في كل الأقاليم الليبية ستقضي على فكرة حدوث أي صراعات بسبب النفط، مؤكدًا أن ثراء إقليم برقة بآبار النفط ليس هو السبب الرئيسي في إعلان الإقليم فيدراليا مستقلا.

أما د.إجلاء رأفت، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ورئيس قسم الدراسات الإفريقية، فأشارت إلى ضـرورة عدم الاستهانة بإعلان برقية إقليما فيدراليا مستقلا، فكل الانقسامات عن الدولة بدأت بطرق مشابهة.

مشيرة إلى أن مشكلة ليبيا في كبر مساحتها، وهذا يجعل من قبضة الحكومة المركزية على الأطراف أمرا غير مضمون، فضلاً عن أن مساحتها الشاسعة تغري أطرافًا عديدة سواء داخل ليبيا أو خارجها بمحاولة تقسميها، لذلك فإن الأمر جد خطر ولابد من التعامل معه وفق هذا الإطار.

أما د.محمد نصير، أمين لجنة العلاقات الخارجية بحزب الجبهة الديمقراطية فيرى أن خطـورة إعلان برقـة تكمن في أنه يفتح الباب على مصراعيه أمام إعلانات أخرى سواء داخل ليبيا أو خارجهـا في دول الربيع العربي.

مشيرًا إلى أن التجربة التاريخية للأنظمة القمعية التي كانت تحكم بعض تلك البلاد جعلت سكان بعض الأقاليم لا يثقون بأي حكومة مركزية، ومن ثم فإن رفع لواء الحكم الذاتي يبدو خيارا أساسيا للبعض لكن خطورته أنه سيفكك مقومات دول المنطقة.

ومن الممكن أن تنتشر حمى الحكم الذاتي كالنار في الهشيم، نتيجة وجود العديد من الأسباب التي تدعو إلى مثل هذين التهميش والقمع على مدار عقود سابقة، لهذا يجب المضي قدمًا في إرساء دعائم دول حديثة تقوم على أساس المساواة الكاملة والمواطنة مع التوسع في اللامركزية لضمان الحفاظ على الدول الحالية.

الجدير بالذكر ان ما يقرب من ثلاثة آلاف شخص من الشخصيات العامة ببرقة شاركوا في مؤتمر تأسيس مجلس إقليم برقة الانتقالي واختاروا الشيخ أحمد الزبير أحمد الشريف السنوسي لإدارة شئون الإقليم والدفاع عن حقوق سكانه.

وبرقة التي تشمل الشطر الشرقي من ليبيا هي أول منطقة تعلن نفسها إقليما فيدراليا اتحاديا، يتمتع بحكم ذاتي، منذ مقتل معمر القذافي الذي حكم ليبيا أكثر من أربعين عامًا، ويعتبر إقليم برقة من المناطق الغنية بالنفط في ليبيا.

وكالة الصحافة العربية











.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة