الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٤٥ - الخميس ١٩ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ٢٦ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية


«الصياعة أدب» .. والمعارضة أيضا أدب





« الصياعة أدب مش هزّ اكتاف». هذا تعبير شعبي مصري شائع. وهو يعني انه حتى «الصياعة» لها آداب واخلاقيات وقيم . أي انه حتى الخارجين على القانون مثلا، هناك آداب يجب ان يحترموها. اللص مثلا ليس من الادب ان يسرق انسانا فقيرا.. وهكذا.

وفي هذا السياق مثلا، كان لـ «الفتوة» في الحارة المصرية في الماضي قيم واخلاقيات وآداب يجب ان يحترمها ويلتزم بها. «الفتوة»، كما نقرأ عنه في روايات نجيب محفوظ مثلا، المفروض انه كان شخصا خارجا عن القانون يفرض سيطرته على حارة أو في منطقة معينة بالقوة، ويجمع «اتاوات مثلا» من بعض الناس. لكن الفتوة كان مطالبا بحماية الضعيف والدفاع عنه وفرض الامن في حارته. وهذا من ادب «الفتونة»؟.

مفهوم «الصياعة ادب» بهذا المعنى ينطبق على مجالات كثيرة جدا. والحقيقة ان كل القوانين والقواعد الدولية التي تحمي حقوق الأسرى مثلا أو تنظم معاملة المعتقلين أو تحدد مسئوليات قوى الاحتلال، هي في جوهرها تنظيم لمفهوم «الصياعة ادب» بمعنى من المعاني.

وبالمثل، يسري هذا المفهوم على المعارضة في كل دول العالم ايا كانت طبيعتها أو فكرها أو انتماءاتها.

المعارضة تعني بداهة رفض سياسات معينة والتطلع الى اصلاحات او اوضاع جديدة معينة. وتعني الحق في السعي الى تحقيق هذه الغاية باساليب مختلفة.

لكن المعارضة في الفكر السياسي وفي الواقع العملي في كل دول العالم هي في المقام الاول «ادب». بمعنى ان هناك آداب وقيم واخلاقيات محددة يجب ان تلتزم بها في فكرها وفي ممارساتها العملية.

من ادب المعارضة، ان تكون بداية «معارضة وطنية» بمعنى الكلمة، أي ان يكون ولاؤها أولا وأخيرا لوطنها ايا كانت رؤيتها لهذا الوطن وما يجب ان يكون عليه. وان تكون معارضة وطنية معناه ان تكون اهدافها وغاياتها ومطالبها وطنية هدفها خدمة المصالح الوطنية العامة، لا خدمة مشروع لدولة او قوة اجنبية ، أو تنفيذ اجندة اجنبية ايا كانت.

هذا من ادب المعارضة، لأنها ببساطة ان لم تكن كذلك، فلن تكون حيينئذ معارضة بالمعنى المفهوم . ستكون قوة تابعة أو عميلة أو أيا كانت التسمية الشبيهة.

ومن ادب المعارضة، ان تلتزم بأسس وقواعد العمل السياسي السلمي. ليس من ادب المعارضة ان تلجأ الى العنف أو التخريب أو الارهاب، او ترويع الناس في بيوتهم وفي عملهم أو تعرض حياتهم للخطر في الشوارع والطرقات.

هذا من ادب المعارضة لأنه ان لم تلتزم بهذا لن تكون ايضا معارضة بالمعنى المتعارف عليه. ستكون حينئذ قوة انقلابية أو ارهابية.

ومن ادب المعارضة الا تثير الفتنة في المجتمع او تقسم صفوف ابناء الوطن او تثير الاحقاد والكراهية بينهم.

هذا من ادب المعارضة لأن المعارضة الوطنية توحد الناس وتنشد الصالح العام للكل، وان لم تفعل ذلك، فلن تكون معارضة وطنية بالمعنى الجامع لكن ستكون قوة طائفية.

ومن ادب المعارضة الا تقدم على أي عمل يضر بمصلحة وطنية عامة، والا تقدم مثلا على أي شيء يمكن ان يضر الاقتصاد الوطني او مصالح العباد. بالعكس، من ادب المعارضة وخصوصا في اوقات الازمات ان تحمي الاقتصاد الوطني وان تسهم في أي جهد يعين البلاد على تجاوز الازمة.

هذا من ادب المعارضة لأن المعارضة الوطنية تبني ولا تهدم .. تحمي ولا تدمر.

ومن ادب المعارضة ان تحفظ سيادة وكرامة واستقلال بلدها ، وان تنتفض في مواجهة أي تهديد تتعرض له.

لهذا، ليس من ادب المعارضة ان تستنجد بأجنبي ، أو تستقوي بقوة خارجية، او تستعدي قوى اجنبية على بلادها أو تحرض على انتهاك سيادتها والتدخل في شئونها.

ومن ادب المعارضة ان تحترم ارادة الشعب كما يعبرعنها ابناء الشعب في مجموعهم . ليس من ادب المعارضة في شيء ان تضع المعارضة نفسها في مواجهة ارادة قطاع كبير من الشعب او تخرج عنها او تتحداها.

هذا من ادب المعارضة لأنها ببساطة ان لم تفعل ذلك ، فلن تكون جديرة بان تكون معارضة اصلا في ظل نظام ديمقراطي.

هذه بعض من آداب المعارضة.

وبالمناسبة، مثل هذه الآداب متعارف عليها في كل دول العالم التي تسمح بالمعارضة اساسا وتسمح لها بممارسة عملها بشكل منظم.

ومن المتعارف عليه ايضا في كل دول العالم ان أي معارضة تتجاوز حدود الأدب بهذه المعاني وتتصور ان المعارضة ما هي الا «هز اكتاف»، يجب تعليمها الادب ووقفها عند حدها. وفي كل الدول العالم، هناك من القوانين والتشريعات ما يضمن للمجتمع الحماية من هؤلاء «الصيع» الذين يتجاوزون حدود الأدب.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة