إيران والإمارات: عدوان وجهل وصفاقة
 تاريخ النشر : الاثنين ١٦ أبريل ٢٠١٢
السيد زهره
كما كتبت قبل يومين, تمثل زيارة الرئيس الإيراني نجاد لجزيرة ابوموسى الإماراتية المحتلة خطوة عدوانية سافرة على سيادة الإمارات, وبمثابة إعلان للعداء لكل الدول العربية.
وفي الأيام القليلة الماضية, بعد هذه الزيارة العدوانية لم تتردد كل الدول العربية في إدانتها.
دول مجلس التعاون قدمت مجتمعة رسالة احتجاج إلى الأمم المتحدة أدانت فيها الزيارة, واعتبرتها «خرقا فاضحا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأحكام القانون الدولي, وانتهاكا صارخا لسيادة دولة الإمارات واستخفافا بكل المبادرات السلمية والجهود والمساعي الأخرى التي بذلت حتى الآن من دولة الإمارات أو دول مجلس التعاون من أجل إيجاد تسوية عادلة دائمة تنهي حالة الاحتلال الإيراني لهذه الجزر الثلاث بالطرق السلمية».
المجموعة العربية في الأمم المتحدة أصدرت بدورها بيانا جماعيا يعبر عن كل الدول العربية بلا استثناء تبنت فيه الموقف نفسه الذي عبرت عنه رسالة مجلس التعاون.
أي ان إيران تعلم الآن تماما أنها لا تواجه إدانة إماراتية أو خليجية عربية فقط, وإنما تواجه موقفا عربيا شاملا غاضبا يدين هذه الزيارة ويؤكد الوقوف بحزم بجانب الإمارات.
وبدلا من أن تفهم إيران هذا, وتتصرف على هذا الأساس مراعاة على الأقل لهذا الغضب العربي العام وهذه الإدانة العربية الجماعية, فإن رد فعل المسئولين الإيرانيين جاء مستفزا إلى أقصى حد. رد فعلهم جاء خليطا من العدوانية والإصرار عليها, ومن الجهل, ومن الصفاقة أيضا.
تجسد هذا الخليط الغريب بصفة خاصة في التصريحات التي أدلى بها حسين نقوي عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني. زعم ان الجزر الثلاث «هي جزء من إيران وفقا للوثائق التاريخية والمواثيق الدولية», واعتبر ان رد فعل الإمارات على الزيارة «مثير للاستغراب». وقال: «إننا نزاول النشاطات التجارية في هذه الجزر ولدينا زيارات عديدة إليها, ولذلك فإن موقف المسئولين الإماراتيين مثير للسخرية». وطالب الحكومة الإيرانية بأن تحتج لدى الإمارات». وقال إن «القسم الأعظم من الاقتصاد الإماراتي مرتبط بالاقتصاد الإيراني, وإذا أعدنا النظر في حجم التبادل الاقتصادي فلا شك ستواجه هذه الدولة أزمة اقتصادية».
هذا الذي قاله المسئول الإيراني ليس له من توصيف - كما قلت - سوى أنه عدوانية, وجهل, وصفاقة بلا حدود.
ولنا أن نتأمل الجوانب التالية:
١– يتجاهل هذا المسئول الإيراني, ومعه كل المسئولين الإيرانيين حقيقة أن إيران لا تواجه احتجاجا إماراتيا فقط, ولا غضبا إماراتيا فقط, وإنما احتجاجا ورفضا وغضبا عربيا عاما.
أي أن الإيرانيين, وعن عمد تام, يتعمدون كما قلت إعلان راية العداء لكل الدول العربية بلا استثناء.
٢– من قبيل الجهل التام وتعمد التضليل والتزوير القول إن الوثائق التاريخية والقانون الدولي تؤكد أن الجزر تابعة لإيران. بالعكس, هناك آلاف الوثائق التاريخية والقانونية التي تؤكد أن هذه الجزر إماراتية. والوقائع والأحداث التاريخية حول احتلال الجزر معروفة للجميع.
٣– ويجهل هذا المسئول أن زعم إيران أن الجزر تابعة لها ليس له في حد ذاته أي معنى سياسي أو قانوني.
هذا الزعم يساوي بالضبط زعم العدو الإسرائيلي مثلا أن القدس «إسرائيلية», أو أن له «حقوقا تاريخية» في الضفة.
القانون الدولي لا يعتد من قريب أو بعيد بمزاعم ترددها أو تتمسك بها قوى الاحتلال.
٤– انه لأن الجزر أراض إماراتية محتلة, فإن كل ما أقدمت عليه إيران من إجراءات لتغيير طبيعتها بإقامة أي منشآت, أو أنشطة, أو القيام بزيارت, لا شرعية له ولا قيمة له بحسب القانون الدولي.
القانون الدولي يحرم على قوة الاحتلال اتخاذ أي إجراء يغير من طبيعة الأراضي المحتلة.
ومرة أخرى, زعم إيران أن إقامتها أي منشآت أو كون مسئوليها يقومون بزيارات للجزر, يرتب لهم أي حقوق هو زعم جاهل باطل, ويساوي بالضبط القول إن تهويد القدس شرعي, أو أن المستوطنات الإسرائيلية يقرها القانون الدولي.
٥– أما تهديد المسئول الإيراني بأن إيران بمقدورها أن تؤذي الإمارات اقتصاديا, فهذا ذروة الجهل, وقمة الصفاقة.
حقيقة الأمر التي يعلمها العالم كله أن إيران هي التي تعتمد على الإمارات في حل كثير من أزماتها الاقتصادية وخاصة في ظل العقوبات المفروضة عليها. ولا يتسع المجال هنا لعرض أبعاد هذه الحقيقة بالأرقام. لكن الأمر المؤكد أن الإمارات هي التي تستطيع لو أرادت أن تخنق الاقتصاد الإيراني بالمعنى الحرفي للكلمة.
المهم أن هذا الذي قاله المسئول الإيراني ويقوله مسئولون إيرانيون آخرون, ليس له من معنى سوى أن النظام الإيراني مصرّ على المضي في عدائه لكل الدول العربية حتى النهاية, ولا يتردد في اتخاذ أي خطوة عدوانية تجاه أي دولة خليجية عربية.
ويعني هذا كما سبق أن قلت ان هذا النظام لا يجدي في التعامل معه مجرد الاكتفاء بيانات الإدانة والشجب. هذا النظام لن يردعه إلا خطوات عربية عملية جادة توقفه عند حده.
وعلى أية حال, نحن بانتظار ما سوف يقرره اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون ردا على خطوة نجاد العدوانية. ونحن أيضا بانتظار ما سوف تفعله جامعة الدول العربية التي لا يجوز أن تكتفي فقط بالإدانة.
.
مقالات أخرى...
- الفورمولا ١ والتحدي الوطني - (15 أبريل 2012)
- الإمارات والعرب والعدوان الإيراني الأخير - (14 أبريل 2012)
- حين يطلب أوباما العون من خامنئي!! - (12 أبريل 2012)
- ما الجديد في محادثات السبت؟! - (11 أبريل 2012)
- جونتر جراس وما يجب أن يقال - (10 أبريل 2012)
- إيران وتركيا.. الغدر.. والرعب - (9 أبريل 2012)
- العلاقات مع أمريكا حدود وضوابط - (8 أبريل 2012)
- التهديد الأمريكي لأمن واستقرار الخليج - (5 أبريل 2012)
- حول منتدى التعاون الاستراتيجي الخليجي الأمريكي - (4 أبريل 2012)