الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٤٦ - الجمعة ٢٠ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ٢٨ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

بين السطور


جرائم المستعمرين لم تتوقف





أفادت صحيفة الجارديان البريطانية في عددها الصادر يوم أمس الأول الأربعاء ((أن آلاف الوثائق التي تتضمن تفاصيل بعض من أكثر الأعمال المشينة والجرائم المرتكبة خلال السنوات الأخيرة للإمبراطورية البريطانية جرى تدميرها بشكل منهجي لمنع وقوعها في أيدي حكومات ما بعد الاستقلال. وقالت إن الوثائق التي نجت من عملية التطهير تم نقلها سرا إلى بريطانيا حيث جرى إخفاؤها مدة ٥٠ عاما في أرشيف سري لوزارة الخارجية لإبقائها بعيدا عن متناول المؤرخين وأفراد الجمهور، وذلك في خرق للالتزامات القانونية بنقلها إلى المجال العام. وأضافت الصحيفة أن الوثائق تتضمن تقارير استخباراتية شهرية عن تصفية أعداء السلطة الاستعمارية في (مالايا) في الخمسينيات من القرن الماضي، وسجلات تبين أن الوزراء البريطانيين كانوا على بينة عن عمليات التعذيب والقتل التي تعرض لها متمردو (الماو الماو) في كينيا، وأوراقا تحتوي على تفاصيل المدى الذي ذهبت إليه بريطانيا لإخلاء جزيرة (دييجو جارسيا) في المحيط الهندي من سكانها قسرا. وأشارت إلى أن عددا قليلا من الوثائق يُظهر أن الكثير من الأوراق الأكثر حساسية من عهد بريطانيا الاستعماري في مراحله الأخيرة لم يتم إخفاؤها لكنها تعرضت للتدمير بعد أن أمر بذلك وزير المستعمرات البريطاني (إيان ماكلويد) عام ١٩٦١ تحت ذريعة أن حكومات ما بعد الاستقلال يجب ألا تحصل على أي وثائق يمكن أن تحرج الحكومة البريطانية أو أفراد الشرطة والقوات المسلحة أو موظفي الخدمة المدنية أو غيرهم مثل المخبرين لدى الشرطة، أو تعرض المصادر الاستخباراتية للخطر، أو التي يمكن أن تُستخدم بشكل لا أخلاقي من قبل وزراء حكومات الدول المستقلة)) انتهى.

أقول: بريطانيا دمّرت سجلات ووثائق الجرائم الهائلة التي ارتكبها مسئولوها وقواتها خلال الحقبة الاستعمارية التي استولت فيها قسرا على دول ومناطق شاسعة في جميع قارات العالم ونهبت خيراتها واستعبدت شعوبها حتى باتت بريطانيا معروفة بأنها البلاد التي لا تغيب عن مستعمراتها الشمس، وهذا التدمير لو لم يتم لانكشفت للرأي العام فظائع لا يمكن تصورها، ولرأى العالم الوجه الحقيقي القبيح لبريطانيا الاستعمارية ولكل دولة تسلك نهجها الاستعماري في أي عصر من العصور، فتلك السجلات والوثائق كانت الدليل الدامغ على الهمجية والبربرية اللتين قامت عليهما الدولة التي تتبجح بأنها أم الديمقراطيات الحديثة وبأنها الأكثر تحضرا وتطورا بين دول العالم.

إذا كانت بريطانيا الاستعمارية قد أحالت نفسها إلى التقاعد استعماريا فإنها سلمت الراية للولايات المتحدة الأمريكية التي تتولى استكمال المهمة بنفس القدر من الهمجية والبربرية وربما أكثر، وإذا كانت بريطانيا قد نجحت في تدمير أدلة جرائمها فإن خليفتها الأمريكية فشلت في ذلك فشلا ذريعا بسبب اختلاف الظروف والزمان والتطور التكنولوجي الذي أتاح لوسائل الإعلام أن تكشف ما تحاول السلطات الأمريكية إخفاءه، ويكفي في هذا المجال ما كشف عنه موقع (ويكيليكس) من فضائح وفظائع ارتكبتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة وقواتها العسكرية ومازالت في كثير من المجالات، وخاصة في أفغانستان والعراق المنكوبتين باحتلال أمريكي غاشم منذ حوالي عشر سنوات.

من هذا المنطلق فإن توالي انكشاف التصرفات الحقيرة التي يرتكبها الجنود الأمريكان في أفغانستان والعراق تجاه المدنيين العزل، وتجاه المعتقلين في السجون، وتجاه القتلى وضحايا العمليات العسكرية الأمريكية، واكتفاء المسئولين الأمريكان الكبار بإصدار بيانات استنكار لتلك الجرائم البشعة والمطالبة بتحويل مرتكبيها إلى القضاء العسكري الذي يكتفي بتخفيض الرتب العسكرية للجنود المجرمين أو بالحكم عليهم بالسجن مع وقف التنفيذ لا تخرج كلها عن سياق الهمجية الاستعمارية البربرية التي لا تختلف في كل زمان ومكان.





salah_fouad@hotmail.com



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة