الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٥٨ - الأربعاء ٢ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ١١ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


«عرقنة» سوريا باسم الديمقراطية





أي محب للحرية لا يمكن له أن ينكر على الشعب السوري حقه في التمتع بهذه النعمة التي لا تقدر بثمن، فالشعب السوري وغيره من الشعوب لها كامل الحق في المطالب المشروعة التي ترفعها على مدى أكثر من أربعة عشر شهرا قدم خلالها آلاف الشهداء والجرحى على مذبح الحرية، فمطالب الحرية والعدالة للشعوب وسعيها للمشاركة الفعلية في تقرير مصيرها السياسي وشكل وطبيعة النظام الذي تبتغيه، هي مطالب جامعة وهدفها الأساسي والجوهري، وإن كان في ظاهره يعني الإنسان (المواطن) مباشرة إلا أنه في المحصلة النهائية يستهدف بناء وطن سعيد يتوارث نعمته جيلا بعد آخر، فإن انحرف النضال عن هذه الهدف الاستراتيجي فإن الأجيال القادمة هي التي ستدفع أثمانا باهظة جراء ذلك.

في سوريا هناك استعداد حقيقي من قبل نظام الرئيس بشار الأسد لإجراء إصلاحات سياسية جذرية تفتح الطريق واسعا أمام المشاركة السياسية والانخراط في عملية ديمقراطية تعزز من مكانة الجمهورية العربية السورية وترتقي بأدائها السياسي والديمقراطي من أجل مصلحة جميع فئات الشعب السوري الشقيق، فالحاجة ماسة الآن إلى العمل من أجل إصلاح الشأن السياسي والحقوقي السوري وليس تدمير الوطن وإدخاله في نفق مظلم لن يستفيد منه سوى أعداء الشعب السوري.

نخشى أكثر ما نخشاه أن ينساق البعض وراء النيات الخبيثة المبيتة لسوريا من أجل إدخالها في النفق نفسه الذي تكالبت القوى الاستعمارية فأدخلت فيه العراق تحت حجة «الديمقراطية» وحق الشعب العراقي في التخلص من «الدكتاتورية» وهو النفق الذي تم إدخال ليبيا فيه، والتجربتان العراقية والليبية خير برهان على النيات الخبيثة التي تضمرها الدول الاستعمارية لتفتيت البلدان العربية واحدا تلو الآخر بحجة «مساعدة» الشعوب العربية على التخلص من أنظمتها غير الديمقراطية، ولكن في حقيقة الأمر فإن مثل هذا الهدف السامي لم يتحقق لأي من الشعوب التي سارعت القوى الاستعمارية إلى تبني مطالبها المشروعة، بل على العكس من ذلك فإن تلك الشعوب ترفل في أثواب الفوضى والخراب.

فالقوى الاستعمارية لها أهداف شريرة ومعروفة ولا علاقة لهذه الأهداف بمزاعم دعمها لحريات الشعوب، ولكن ما يؤسف له أن تشارك دول عربية في تدمير الأوطان العربية كما حدث مع العراق ومع ليبيا ويحدث الآن مع سوريا، فكان أحرى بهذه الدول أن تنأى بنفسها عن المشاركة في مثل هذه الأعمال غير المدروسة سياسيا التي من شأنها أن تؤدي إلى تخريب البلدان العربية واحدا تلو الآخر، فكان يفترض أن تكون تجربة العراق حاضرة باستمرار أمام تلك الدول قبل الانزلاق وراء المزاعم الأوروبية «بتخليص» هذا الشعب العربي أو ذاك من نظامه السياسي.

فما حدث للعراق وليبيا من قبل وما يحدث لسوريا الآن يمكن أن يتكرر في دول عربية أخرى في المستقبل وأن تشرب من الكأس نفسها التي سقيت منها الدول العربية الثلاث، فالدول الاستعمارية التي خططت ونفذت جريمتي تدمير العراق وليبيا هي نفسها الدول التي تخطط الآن وتسعى لتنفيذ جريمة تدمير الوطن السوري، وهذه الدول لا يهمها أن تنهار وتنتهك السيادة الوطنية، بل على العكس من ذلك فإن مثل هذه النتيجة هي من بين أهداف الدول الاستعمارية لأن هذا الانهيار يعبد الطريق أمام تنفيذ المخططات الاستراتيجية وفي مقدمتها الاستيلاء على الثروة الوطنية والتحكم في الإرادة السياسية لهذه الدول.

فالعراق على سبيل المثال وكذلك ليبيا، هما الآن ظاهريا دولتان مستقلتان ولديهما حكومتاهما، وتتصرفان ظاهريا على أنهما تديران «باستقلالية» تامة شئون بلديهما، ولكن في حقيقة الأمر فإن القرارات الاستراتيجية هي رهينة القوى التي خططت ونفذت جريمتي تدمير العراق وليبيا، فالولايات المتحدة الأمريكية التي «سحبت» قواتها من العراق أبقت على مفتاح التحكم في القرار الاستراتيجي العراقي بين أيديها، وكذلك الحال بالنسبة إلى ليبيا حيث بسطت الشركات الأوروبية هيمنتها على الثروة النفطية في هذا البلد بعد تدميره بمشاركة ورعاية عربية هذه المرة أيضا.

فالمطالب المشروعة للشعوب العربية لا غبار عليها وليس من حق أي كان أن يصادرها أو يعترض عليها، ولكن العبور إلى هذه المطالب والعمل على تحقيقها يجب ألا يكون على أشلاء الوطن، فالعراق الآن مثلا به صناديق اقتراع وتجرى فيه انتخابات نيابية ديمقراطية، ولكنه في الوقت نفسه بلد مدمر مشلول تماما وعاجز عن أن يؤدي ولو جزءا بسيطا من الدور الذي يتماشى وإمكاناته المادية والبشرية، والحال ينطبق على ليبيا الآن وسوريا في المستقبل إذا نجحت الدول الاستعمارية في تنفيذ ما تسعى إلى تنفيذه في عاصمة الأمويين.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة