الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٤٣ - الثلاثاء ١٧ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ٢٥ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

شرق و غرب


تركيا والتحولات العربية





تجد تركيا اليوم نفسها في موقف قوة على الساحتين الإقليمية والدولية أيضا، فاقتصاد السوق الذي تتبناه أثبت قوته وصلابته كما أن ديمقراطيتها الفتية تترسخ من يوم إلى آخر إضافة إلى توسع إشعاعها الثقافي وتراجع الأخطار القديمة من إسلام أصولي متطرف وقومية إثنية منغلقة على نفسها واستبداد عسكري. يبدو أن تركيا تعيش ساعة المجد.

رغم أن هذه الصورة تبدو إيجابية من مختلف جوانبها فقد بدأ الأتراك يتساءلون عما إذا كانت الأمور ستأخذ منعرجا آخر، فدرجة الحرارة السياسية في تصاعد مستمر في منطقة الشرق الأوسط كما أن الحدود التركية الشرقية مع بدأت تشهد تصاعدا في التوتر. لقد كانت الأوضاع أكثر بساطة وسهولة سنة ٢٠٠٠، عندما كان يمكن لتركيا أن تقف على الحياد، سواء تعلق الأمر بإيران أو بإسرائيل فقد كانت سلطات أنقرة تتوخى سياسية الانفتاح الاقتصادي وتشجع على اندماج البنى التحتية مع الدول الأخرى المجاورة وإقامة المناطق الإقليمية الحرة. إن هذه السياسة القائمة على أساس مبدأ «صفر مشاكل» قد أصبحت اليوم مثالية وبعيدة المنال.

إن العلاقات بين تركيا وإيران تحولت من التعاون إلى التنافس الشرس على مناطق النفوذ في العالم العربي. إن تركيا تدافع عن مصالحها ومصالح السنة فيما تدافع إيران عن مصالحها وتدعم الشيعة في بلدان الجوار والتدخل في الشؤون الداخلية. لقد اتخذت تركيا وإيران أيضا مواقف متباينة من الدرع المضادة للصواريخ التي يعتزم حلف الأطلنطي نصبها على الأراضي التركية وسط معارضة وتهديدات صادرة عن سلطات طهران.

أما العلاقات مع العراق ؟ التي اتسمت في الماضي القريب بجهود كبيرة لتحقيق الوفاق مع كل الفصائل السياسية العراقية ؟ فقد تدهورت كثيرا. فقد أصيبت تركيا بخيبة أمل عقب هزيمة الفصيل السياسي الذي كانت تدعمه في الانتخابات العراقية فيما آلت الغلبة للفصيل الموالي لإيران بقيادة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، فتعزز بذلك التحالف بين طهران وبغداد ودمشق على حساب الدور التركي في منطقة الشرق الأوسط.

لقد أبدت تركيا تأييدها للثوار المصريين في ميدان التحرير، هؤلاء الثوار وغيرهم كثيرون عبر أرجاء العالم العربي، الذين يقدرون كاريزمية رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان، غير أنهم واضحون في رغبتهم في بناء نموذج مصري خالص في الحكم بعيدا عن استيراد النموذج التركي. إن هؤلاء المعجبين يتخوفون أيضا من الطموحات التي تراود تركيا بهدف سلب مصر دورها القيادي في العالم العربي، فمصر تظل الركن المتين في العالم العربي وإن كانت تمر اليوم بمخاض عسير في فترة ما بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك وعدم وضوح الصورة فيما يتعلق بطبيعة المشهد السياسي الجديد الذي هو بصدد التشكل والذي لم يحسم بعد وإن كان الإسلاميون قد أثبتوا أن قاعدتهم الشعبية عريضة وأن لهم اليد العليا والطولى.

لا شك أن تدهور العلاقات بين تركيا وإسرائيل منذ سنة ٢٠٠٩ أسهم في تحسين صورة تركيا في العالم العربي غير أنها تهدد ؟ على المدى البعيد ؟ العلاقات الاستراتيجية مع الحليف الأقوى والأكثر أهمية: الولايات المتحدة الأمريكية. من بين كل التحولات اللافتة التي رافقت «الربيع العربي» فإن الاضطرابات المأساوية التي تشهدها سوريا المجاورة هي التي كان لها أشد التأثير في تركيا، فالدعم التركي للمعارضة السورية حول ذلك الوفاق شبه التام إلى مواجهة غير مباشرة بين أنقرة وطهران، فتركيا تجد اليوم نفسها محرجة من ازدياد الضغوط الدولية الرامية إلى التدخل في سوريا وهو ما يقوض سياسة الحياد التي ظلت تتبناها سلطات أنقرة لتجد نفسها بالتالي في صراع مباشر مع إيران على وجه الخصوص.

أما التقارب بين تركيا والاتحاد الأوروبي فيبدو أنه توقف ووصل إلى طريق مسدود، فلم يسجل أي تقدم يذكر على صعيد الملفات الخمسة والثلاثين المطروحة على طاولة المفاوضات بين الطرفين، وقد ساءت الأمور وتوترت العلاقات أكثر عندما قررت تركيا وقف الحوار مع قبرص بعد أن تولت هذه الأخيرة الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في شهر يوليو .٢٠١١ إن سخرية رجال السياسة الأتراك وريبة بعض الدول الأوروبية وفي مقدمتها فرنسا بقيادة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد زادت من توتر العلاقات بين تركيا وأوروبا، فقد أصبحت تركيا تعتبر أيضا أن أوروبا معادية ومنغلقة على نفسها كما أنها تتخبط في أزمة اقتصادية خانقة تهدد مستقبل العملة الموحدة اليورو.

أما بروكسل مقر الاتحاد الأوروبي فهي تنتقد ما تعتبره استمرار انتهاكات حقوق الانسان في تركيا وحبس الصحفيين وغياب أي تقدم ملموس فيما يتعلق بالملف الكردي.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة