الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٦١ - السبت ٥ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ١٤ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الثقافي


«فوا أوف».. سنوات رصاص المغرب على الخشبة





قدمت فرقة أكواريوم المسرحية المغربية على مسرح محمد الخامس بالرباط يوم ٢٨ مارس ٢٠١٢ مسرحية «فوا أوف - fo io» من إخراج المخرجة »نعيمة زيطان« وقد اقتبست المسرحية عن نصي الكاتب المغربي عبدالقادر الشاوي «كان وأخواتها» و«من قال أنا» وقد أعد المسرحية عن النصين الكاتب «بشير القمري» ومثلتها وقدمتها إلى الجمهور مجموعة من الممثلين، والفنيين، منهم، هاجر كركيع، محمد الرميشي، سعيد باي، وأشرف على الفيديو ياسين الزاوي، وأنطونيو سانشيس، وعلى الموسيقى رشيد البرومي، والإنارة عبدالرحيم المشرقي، والعلاقات والإدارة نعيمة المكي.

نقلتنا المسرحية إلى حدثها الدرامي الرئيسي منذ المشهد الأول، لفيلم الفيديو الذي عرض على الجمهور بواسطة شاشة ضمن العرض المسرحي عن مناضلين سياسيين في السبعينيات من القرن الماضي، وهم يواجهون مصائرهم أثناء التعذيب والاعتقال أثناء فترة صعبة من تأريخ المغرب السياسي، سميت تلك الفترة «سنوات الرصاص» وهي فترة من اسوأ فترات الحياة السياسية المغربية، انعدمت فيها الحريات وعوملت الحركات الوطنية المغربية بقسوة شديدة وخصوصا حركات اليسار المغربي، والقوى الاشتراكية، في ظلال أجواء من العنف وعنف السلطة المضاد.

كانت المشاهد الفيديوية التي عرضت على الجمهور، الذي جاء ليشاهد المسرحية، مؤلمة جدا وأغلب الحاضرين من أجيال لم يعاصروا الأحداث الحقيقية التي مرت بالمغرب، كأنما الكاتب المغربي «عبدالقادر الشاوي» قد حرص على تذكير الأجيال الجديدة بما مضى، الذي أخذت من نصيه المسرحية، وهو ذاته كان سجينا سياسيا في تلك الفترة لأكثر من عقد من السنوات في سجن تازمامارت الرهيب، الذي اشتهر فيما بعد كأحد اسوأ السجون في العالم، والذي عرف بقسوة سجانيه وظروف سجنائه السياسيين الصعبة، وقد توفي عدد منهم، ولم يتحملوا العيش فيه طويلا، تحت ظروف غير إنسانية، وقد قطعت الأواصر بينهم وبين الخارج تماما، ودفنوا قريبا من السجن بعد موتهم، من دون إعلام أهليهم.

وفي التسعينيات عمدت الحكومة المغربية إلى ما سمي لجنة الانصاف والمصالحة، لتعويض سجناء تلك المرحلة من الحياة السياسية المغربية، وقد تناولت المسرحية المحاكمات الصورية لأولئك المناضلين في السبعينيات، حيث بدت في بداية المسرح، ثلاثة تماثيل تمثل قضاة تلك الفترة، وكانت الأضواء تسلط على تلك التماثيل فتبدو وجوههاً شائهة، وتعلو أصوات القضاة المفترضين عبر مكبرات الصوت، وهي تتحدث بلغة بذيئة مع المتهمين، الذين كانوا طلابا وفقراء، لا تملك إلا الرثاء لأوضاعهم المعيشية الصعبة، وتكبر فيهم روحهم الوطنية، وهم يواجهون الاتهامات الخطرة التي يوجهها لهم القضاة.

وتربط المسرحية بين ما حدث في الماضي مع ما تبقى من ذلك الماضي من خلال تعقب أحد المعتقلين بعد خروجه من المعتقل بعد سنوات ليتم فحصه في المستشفى، ومحاولة علاج أمراضه إلا أن ذلك الجسد الواهن، كان قد حطمته سنوات الاعتقال، ويربط الكاتب بين الحاضر والماضي بحوادث حرق الأجساد في الساحات العامة في ثورات الربيع العربي، ليجد المشاهد المعادل الموضوعي للحالين.

لقد ترددت طوال العرض المسرحي عبارات مباشرة عن النضال، والحرية، وطلب الحياة الكريمة للمواطن، ورفض الاعتقال التعسفي لأي سبب كان، كما أن الماضي والحاضر تداخلا ليقولا لنا إن الحياة تسير إلى الامام، وان زمن سحق إرادة الإنسان قد ولى، وحل مكانه مفاهيم جديدة حول حرية المواطن، وطلب هذه الحرية، فالحقوق لا تعطى بل تؤخذ قسرا، ولقد تم تجسيد هذه المطالب في المسرحية بشعار ذكرنا بما كان يقدمه المسرح البريختي لجمهوره في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي: «لا نريد جلادين، لا نريد بوعزيزيين، لا نريد ميؤوسين منهم، نريد وطنا، شمسا، رغيفا، صباحا جميلا، نريد أحرارا».

لقد تميزت مخرجة المسرحية «نعيمة زيطان» بإخراجها للمسرحية بمزج تقنيات عديدة تراوحت بين العرض البريختي، من خلال دمج الجمهور في المشهد، وذلك من خلال الاستماع إلى قصائد وإلى أغان مسجلة، وحديث الممثلين عن تهمهم بشكل مباشر مع الجمهور، وأفلام الفيديو، واستخدام السينوغرافيا المناسبة التي أثثت للمشاهد رؤية بصرية، ساهمت في إيجاد التعاطف مع الضحايا، وكذلك الإضاءة المميزة واستخدام مسرح الصورة.

المخرجة «نعيمة زيطان» التي جاءت من مدينة «شفشاون» شمالي المغرب، وتخرجت في المعهد العالي للمسرح بالرباط عام ١٩٩٤، واستطاعت بعد تخرجها أن تقدم العديد من الأعمال المسرحية المهمة منها «مشاحنات» للكاتبة الانجليزية كاترين هيز عام ١٩٩٤، و«قبل الفطور» ١٩٩٧، و«ديوان الشعر العربي» ١٩٩٨، و«فصيلة على طريق الموت»، و«حكايات النسا» ٢٠٠٠، و«الليف ما ينقط» ٢٠٠١، و«شقائق النعمان» ٢٠٠٥، و«أحمر، أزرق يساوي بنفسجي» ٢٠٠٧، و«من أجلهم» ٢٠٠٨، و«شكون فيه الديفو» ٢٠٠٩، وعبر عملها الأخير استطاعت «نعيمة زيطان» أن تنقل إلى المسرح أرواح من ماتوا في تازمامارت وأعادت لقضيتهم الحياة.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة