الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٥٤ - السبت ٢٨ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ٧ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الثقافي

الشاعرُ اللبناني محمد علي فرحات في مركز الشيخ إبراهيم:

الهامشُ الثقافي أوقعَ الكثيرين من المثقفين ضمن خطين متوازيين





احتضن مركزُ الشيخ إبراهيم مساء الاثنين ١٦ الماضي من شهر إبريل ٢٠١٢، محاضرةَ «المثقف العربي بين المركز والأطراف والهامش» للشاعر والكاتب الصحفي اللبناني محمد علي فرحات.

وقد التف حول المحاضر جمعٌ من الحضور تتقدمهم رئيسةُ أمناء المركز وزيرة الثقافة، مستمعاً لنص محاضرته التي اعتبر فيها أن المثقف العربي أصبح في دائرة التعبير الإشكالي مثله مثل أي طرف من الأطراف العربية في إطار مركزي لا يُرى منه سوى الهامش الذي يبرزُ بوضوح اشكالية ما يفرضه التغيير، إلا انه ظل في سلبيته يشكل موقع الفرد الذي لم تكن لديه اصرارية الطموح نحو التغيير.

وأكد فرحات إن بقاء المثقف العربي في محيط الخمول والكسل لن يجعله يتغير لأنه يشكل موقع الفرد الحر ولا يطمح إلى سلطة، تاركاً للسلطة التدخل في شؤونه بحسب تعبير المحاضر.

وأضاف فرحات أن الإشكال الذي ينطوي ويتشكل به المثقف العربي، «منتج المعرفة المختلطة بالإبداع، كأن يكون شاعراً أو فناناً تشكيلياً أو باحثاً بعمق في علم الاجتماع أو ناقدا، يلتقط كل العملية الإبداعية ومساراتها ذات الصلة بطبيعة المجتمع وتوجهاته وإيقاع اللحظة الحضارية، أو انه السينمائي القادر على تكوين عالم مواز لعالمنا الواقعي، لينهضه من سباته أو من عاداته، أو إنه المفكر القادر على تطوير الأيديولوجيات الشعبوية المستسلمة إلى دوائرها المغلقة، مستنهضاً الأهداف الأصلية لعقائدها، لتجيب عن أسئلة العصر، فلا تكتفي بنهضةِ جماعتها المحدودة، إنما تتطلع نحو رسالة إلى البشر جميعاً تخترق فيها الحدود بين الحضارات».

وفي السياق نفسه ذهب فرحات ليرسم صورة عن خصوصية المثقف العربي وما دار في أربعينيات القرن الماضي من مناقشات بين مسئولين عن تخطيط التعليم العالي في أكثر من بلد عربي، وتركزت المناقشات حول وجود أدب عربي واحد معتبرينه لغةً واحدة بالمطلق ولم يتنبهوا إلى الاختلاف في حساسيات تلك اللغة بين بلد عربي وآخر، إذ نجد في لغة المغرب العربي مفردات يعتبرها أهل المشرق ميتة وإن كانت فصيحة بحسب القواميس، كما يلاحظ المغاربة مفردات في لغة أهل المشرق يعتبرونها هم ميتة على رغم وجودها المؤكد في قاموس الفصحى.

مؤكداً فرحات أن من المساوئ الأخرى التي لم تساعد المثقف العربي على النهوض من سباته وغفوته أن اللغة العربية الحديثة تفتقد مجمعاً مرجعياً، على رغم وجود مجامع لغوية مضى على تأسيسها نحو ثلاثة أرباع القرن، لكنها فقدت حيويتها فصارت أشبه بالمتاحف، يكتفي أعضاؤها بالانتماء إلى «مجمع الخالدين» تشبها بالاكاديمية الفرنسية، إلى جانب اختلاف الحساسيات اللغوية التي لا يتجلى في الملامح الشكلية فقط، وإنما يدركه القارئ ويلمس خلفياته في بيئة الكاتب الجغرافية وفي استيحائه المضمر للتعبير الشعبي في محيطه وللاضاءات اللغوية في الأدب الأجنبي الذي يتقن لغته اضافة إلى اتقانه العربية الفصحى، مصوراً بذلك «الازدواج اللغوي الذي هو من سمات المبدع المعاصر، إذ يندر في أيامنا أن ينجح مبدع مكتف بلغته الأم وبملعبه الجغرافي الخاص، وبما تحمل وسائل الاتصال الحديثة من ترجمات أو موجزات، ويختلف مخططو التعليم العالي عند العرب وربما سيبقون مختلفين لكن لابد من تسجيل إصرار بعضهم على وجود آداب عدة للغة العربية وليس أدباً واحداً، وينسحب هذا التنوع على المجالات الأخرى للابداع الثقافي».

وأشار فرحات إلى بُعد الأرتباط الثقافي بين المركز العربي وانطلاقات عصر النهضة التي حددها فرحات بوصول نابليون بونابرت إلى مصر مصطحبا معه جنوده وعلماء في ضروب المعارف والصناعات المتقدمة في عصره، كمركز للقاء العربي مع الحداثة الأوروبية، لهذا صارت مصر مركزاً ثقافياً عربياً، وما لبث لبنان أن أصبح المركز الثاني بسبب اتصاله بأوروبا التي وفدت إلى جبله في شكل إرساليات ترغب المسيحيين الشرقيين بالمذاهب المسيحية الغربية، وخصوصا البروتستانتية، والكاثوليكية التابعةُ لروما مباشرة من دون استقلال شرقي لكنيستها، هذه الارساليات أسست مدارس كثيرة وانتقل أبرزها إلى بيروت نتيجة النزاعات الطائفية في الجبل في أواسط القرن ال.١٩

متمنياً على المركز الثقافي العربي أن يستوعب الحداثة التي دفعت المراكز التقليدية إلى مزيد من العزلة.

إنها هي التي جعلت من مصر ولبنان مركزين رائدين للتعليم الحديث والطباعة ونشر الكتب العربية فضلا عن طباعة أمهات المخطوطات، من باب إحياء عصور الازدهار القديمة، وخصوصا العصر العباسي، واحتفظت مصر ولبنان حتى الربع الثاني من القرن العشرين بصفتهما المركزية هذه.

وقد ركز فرحات على الأبعاد التي جعلت من هذه المراكز الثقافية منابر للمعرفة في الوقت التي أصبحت فيه هذه المراكز اليوم أكثر تعقيداً، رابطاً إياها بالتطور التكنولوجي وانفتاح شرفات كبيرة على التطور الاقتصادي والتوسع العلمي الافتراضي أمام كل الشرائح البشرية، مما ركز هوة في نشر الأشاعات وكيل التهم ورفع عقيرة المديح ما وسع مساحات كبيرة من التعصب والتحامل بشكل محمود وغير محمود، فانتشرت الشائعات ونمت بذور الفتنة التي ابرزتها مواقع الفتنة والتطرف وبرزت بوضوح على مواقع الشبكة العنكبوتية.

وفي آخر المحاضرة أشار فرحات إلى أن «غياب مقولة المركز والأطراف، أو شبه غيابها، أسقطت تصنيفات ثقافية اعتدنا عليها، مثل أن مصر تكتب ولبنان يطبع والعراق يقرأ، صار الجميع يكتب ويطبع ويقرأ، بل أن عدد القراء، نسبة إلى الحجم السكاني، يزيد في دول مجلس التعاون الخليجي عما هو في الدول العربية الأخرى».

معللاً ذلك إلى أن الهامش الثقافي أوقع الكثير من المثقفين ضمن خطين متوازيين الأول خط المبدع الذي يعي فرديته فيرى في الانتماء إلى حزب أو شلة لا يريحه وآخر بعكس الأول لا يرى نفسه الا من خلال العمل الحزبي أو الشللي.

وفي نهاية تلك الصورة التي عليها المثقف الواقع بين الهامش والفعل من الإطار الحياتي قال فرحات: «هذا الهامش المبدع مهدد بالسقوط في أحيان كثيرة مع المادة الثقافية المتسرعة التي يبثها التلفزيون ومع أحاديث الدعاة العصبيين التي تسدل الستار على الفكر المسئول وعلى الإيمان الصافي، ومع أغانٍ ما أن نسمعها حتى ننساها، ويدفعنا تمجيد الهامش إلى احترام اللحظة الابداعية للفرد، لكننا مدعوون إلى استكمال بنيتنا الثقافية التحتية والاستمرار في تغذيتها، وفي مقدمة ذلك العناية باللغة العربية لجهة تلاؤمها مع المتغيرات ولجهة توسيع مساحة الترجمات عن اللغات الأخرى مع التنبه إلى توازن مطلوب في ترجمة أنواع المعرفة والابداع الأدبي والفني، فلا يطغى نوع على غيره».

وظل تلك الصورة هو ذلك البعد المشحون بالاكتظاظ في ظل محيط عصري تشكلت فيه كل أبعاد المعرفة وبقي يرأسها ذلك الإنسان بالكثير من الانشغالات التي لم توقف تحت مرحلة معينة ولكنها تراكمت بتطور ثقافي للكثير من المراحل التاريخية التي شكلت ذلك الأفق المشحون بالمعرف الإنسانية وان تصارعت فهذا يعني بحد ذاته تطورا سيسلوجيا تكوينيا لإنسان لا يعرف الحدود.

فرحات أثار هذه الاشكالية الموسومة بالبعد الثقافي التاريخي، وأبقى على أن التغيير شكل من أشكال الحياة التي لا تستقر على منحنى واحد وانما على كثرة الزوايا التي تجعل من هذه الاشكاليات ارهاصات جديدة لمثقف واعٍ يدرك ما يحيط به فمن خلال هذا الإدراك تكون ثقافة الإبداع المتحررة من العصمية اسمى الثقافات البشرية العالية.

كل هذا كان جلياً في سياق المداخلات التي كان للحضور فيها رأي احياناً اتفق مع المحاضر وآخر رأى غير ذلك.

بورتريه

محمد علي فرحات شاعر وكاتب وصحفي لبناني. يعمل حالياً مديراً للتحرير في صحيفة «الحياة» الدولية، بعدما رأس قسمها الثقافي في التسعينيات. عاش في بيروت ولندن، وزار مرات عدة عواصم عربية وأوروبية وأمريكية. متابع دؤوب للحركة الثقافية العربية منذ سبعينيات القرن الماضي، معلقاً على قضاياها وإنجازاتها في مجلات وصحف عربية. وهو شاعر في موجة السبعينيات اللبنانية، وأبرز أعماله: «بابل العصر»، «شمس على طاولة»، فضلاً عن أعمال نثرية أبرزها «كتاب الإقامة».



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة