الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٥٤ - السبت ٢٨ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ٧ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الثقافي


رواية تحكي عن عذابات طالبي اللجوء في ألمانيا





الرواية العراقية المهاجرة حملت في متنها هموم العالم الجديد، الذي يعيشه العراقيون في مهاجرهم المختلفة، فقد حمل الإنسان العراقي في دول المهجر هموما مضافة للهموم التي عرفها في الوطن، وقد تبدو مختلفة في بعض الأحيان، ولكن في جوهرها هي هموم تتعلق بالمواطنة الجديدة في البلد الجديد، كالحصول على الإقامة أو الجنسية، أو البحث عن عمل في وسط تشتد فيه المنافسة، والحصول على اعتراف الآخر بوجوده، وقدرته على المساهمة في صنع الحياة في البلد الجديد، واختلاف القيم، ونقص المؤهلات التي من المفروض ان تتوافر بالمهاجر، وخصوصا إذا كان الوسط الجديد أكثر تطورا، وتقدما من الوطن الأصلي، إضافة إلى هموم النوستالجيا التي يعانيها العراقيون كثيرا في مهاجرهم لمحبتهم العميقة لوطنهم «العراق»، واضطرارهم أضطرارا للهجرة منه، وأعمال روائية عراقية كثيرة كتبت خارج العراق، وحكت لنا عن كفاح العراقيين خارج وطنهم للعيش الكريم، ومن هؤلاء الذين كتبوا خارج العراق نجد روائيات عراقيات كتبن عن الظرف الجديد الذي وجدن انفسهن فيه، كأنعام كجه جي، د.خولة الرومي، سميرة المانع، عالية ممدوح، ميسلون هادي، عالية طالب، هدية حسين، صبيحة شبر، وفاتن الجابري - صاحبة الرواية - التي بين أيدينا الآن، والتي عرفناها قاصّة ماهرة في مجموعتها القصصية «سرير البنفسج» التي سبقت هذه الرواية والجابري تعيش في ألمانيا منذ سنوات، وقد عاشت ظروف اللجوء الذي عانى معاناته الكثيرون من أبناء وطنها في هذا البلد.

تتحدث الروائية في روايتها بضمير المتكلم، في معظم فصول الرواية، مما يعطي القارئ إشارات عن طابعها التسجيلي، وذاتية السرد للأحداث، مما جعل الرواية أكثر قربا من القارئ، لأنها نوع من أنواع البوح الشخصي، تقول الساردة في متنها للتوطئة والتعريف بالأبطال والمكان الذي يعيش فيه أبطال الرواية، وعلى لسان بطلتها ذكرى تقول: «يمر شتاؤنا الأول في ألمانيا طويلا، باردا، متجهما، عابسا في أغلب الأيام نمضيه في غرفتنا الصغيرة بمعسكر اللاجئين في قرية جبلية موحشة «ص١٨وعن ذلك الملجأ» يوم دخولنا الأول إلى معسكر اللاجئين، وقف هؤلاء الشباب عند الباب يتعرفون على القادمين الجدد من العراقيين واستقبلونا بود بدا أثره بالغا علينا فالخوف كان يساورنا من هذا المكان الجديد الذي نقلنا إليه «ص١٩» ولمكان مأوى اللاجئين السابق رمزية عالية، تدلل على الحياة الرجاجة لهؤلاء اللاجئين الذين يتم توزيعهم على قرى، ومدن ألمانية صغيرة وبعيدة عن العاصمة برلين.

لم تكن ظروف الحياة الجديدة في المنفى الألماني مناسبة للاجئين، وهي كذلك غير مناسبة للبلد المضيف، فاللاجئون دائمو القلق من الترحيل إلى خارج ألمانيا بسبب عدم البت من قبل المحاكم الألمانية في أوضاعهم كلاجئين، تقول ذكرى عن زملائهم في مركز اللاجئين «قدم نفسه بأدب: أنا عدنان من بغداد - شاب وسيم في العشرين - ترك دراسته الجامعية، وركب زوارق الموت عبر البحار ونام في الغابات، قابله الموت مرات ومرات.. «ص٢١ وتكمل» كانت حافلة في انتظارنا، فهمنا أنهم سيأخذوننا إلى دائرة الهجرة لإجراء المقابلة الأولى والاستماع إلى الإفادة المبدئية عن سبب وجودنا «ص٢٥» وتزداد العلاقة بين المتزوجين ارتباكا في مركز اللجوء ذاك، لحلم الجميع بالحصول على اللجوء الرسمي والإقامة الدائمة، والحلم بالجنسية الألمانية، ولا يمكن تحقيق هذه الأحلام من دون الزواج بألمانية بالنسبة إلى الرجال، والزواج بألماني من قبل النساء، وهي الطريقة الأسرع للحصول على مزايا المواطنة الألمانية والحصول كذلك على فرصة عمل في ألمانيا، وعلى الرغم من علاقة الحب العميقة، والطويلة بين بطلة الرواية «ذكرى» وزوجها «إياد» فإن إياد يلبي نداء أطماعه، ويتبع بذلٍ منقطع النظير إلمانية طلقها زوجها الالماني الشيخ بعد أن أنجبت له بنتا وولدا «ص٢٧» وربما رفض لجوء ذكرى وزوجها إلى ألمانيا، هو السبب الحقيقي الذي دفع إياد لسلوك هذا المسلك الانتهازي «ووعدنا المحامي بمتابعة القضية ودراسة جميع الامكانيات لمساعدتنا في الحصول على اللجوء، وضمان بقائنا في ألمانيا وعدم شمولنا بالطرد القسري».

تتعدد الأصوات في الرواية فنجد راجين العراقية، وزوجها الالماني توماس الذي درس اللغة العربية وصار مسلما بسبب تأثره العميق برسالة محمد صلى الله عليه وسلم الإنسانية، وما جاء في القرآن الكريم من آيات معجزة، ولكي يوطد في نفسه العزم على الانسلاخ تماما من معتقداته القديمة لصالح الإسلام، الدين الذي اعتنقه، بعد أن قرأ الكتب المقدسة للديانات الأخرى، وآمن إيمانا عميقا بالإسلام، ولتأكيد اختياره هذا قرر الزواج من مسلمة، فكانت راجين التي تزوجها، وهي بدورها كانت عراقية وضحية من ضحايا ابن مسئول كبير سابق في الحكومة العراقية، وصبرت على ذلها معه حتى وفر لها فرصة إيفاد إلى خارج العراق، لتعرض لوحاتها في أحد المعارض الدولية، فطلبت اللجوء حالما حلت في ألمانيا لتنقذ نفسها من العبودية، إلا ان علاقتها الزوجية بذاك الألماني المسلم لم تستقم، لأنها كانت تشعر بأنه أكثر إسلاما منها، «ص ٤٨» وأضافة لصوت ذكرى بطلة الرواية نجد أصواتا ثانوية كنبيلة وزوجها، مريم وأحمد وهما زوجان كرديان من سوريا، فاطمة من جنوب لبنان، جهاد وابوخليل من فلسطين، عدنان من العراق، السيدة كلاين مدرسة اللغة الالمانية، وإيرينا عشيقة زوجها إياد تأخذ حيزا واسعا من الرواية، والتي تنفصل عن وزجها الألماني الشيخ، لتقترن بإياد، وتقتسم مع زوجها السابق نصف الفيلا لتعيش مع زوجها الجديد في الطابق العلوي بينما يعيش الألماني الشيخ في الطابق السفلي، والذي يتعكر مزاجه كل ليلة بسبب الأصوات الليلية، التي يسمعها صادرة من غرفة نوم زوجته السابقة وزوجها العراقي، أن شعور «ذكرى» بخسرانها لزوجها في ألمانيا جعلها تحزم حقائبها لتعود إلى العراق على الرغم من الحب العميق الذي يكنه لها توماس الألماني المسلم، الذي انفصل عن راجين، وراح يتقرب منها على أمل أن توافق على الاقتران به بعد طلاقه من زوجته.

إن رواية بيتهوفن يعزف للغرباء إحدى أهم الروايات النسائية العراقية القصيرة، التي أرخت لأوضاع اللاجئين العراقيين خارج بلادهم، وصدرت في العقد الأخير، ونقلت مأساتهم إلى الضمير الإنساني، وأشارت متهمة كل من تسبب في هجرة هذه الأعداد المليونية من المهاجرين العراقيين إلى خارج بلادهم، وانها بحق رواية تحكي عذابات طالبي اللجوء في ألمانيا.

* رواية »بيتهوفن يعزف للغرباء« صدرت عن دار الشؤون الثقافية / بغداد - العراق والرواية من ١١١ صفحة من القطع المتوسط.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة