الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٦٩ - الأحد ١٣ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٢ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

زاوية غائمة


الآيفون يسبب البلاوي للكلاوي





من عادتي، كما هي عادة كل السودانيين في المهاجر، أن أحمل معي هدايا للأقارب وبعض الأصدقاء كلما زرت الوطن في إجازة، وهناك من يحدد الهدية التي يرغب فيها مقدما.. يعني يتعامل معك بطريقة «ما يطلبه المستمعون»: أنا عايز بنطلون جينز وتي شيرت مكتوب عليه «آي لاف نيويورك»... أنا عايزة بلوزة صفراء أكمامها بالترتر وأطرافها بالبنجر وزرايرها من المرمر.. والطلب الذي يفقع مرارتي ويسبب لي ارتفاعا في حامض اليوريك مما يؤدي إلى إصابتي بالقاوت (النقرس) في الدماغ هو: عايز موبايل ماركة كذا او بلاكبيري أو آيفون... ولكل من يطلب مني أي جهاز اتصال هاتفي لديّ رد جاهز: أنا عايز سيارة رولز رويس وطائرة إيرباص خاصة بها سرير ومكتب وحوض سباحة وملعب تنس!! وسرّ عدم تعاطفي مع هذه الشريحة من الطلبات هو أنني اعرف ان من يطلبونها لديهم سلفا هواتف قادرة على استقبال وارسال المكالمات والرسائل، ولكنهم يريدون مجاراة «الموضة»، وأنا شخصيا لا أجاري الموضة حتى في الملابس، وكل ما يهمني من أمرها هو أن تكون «مقاسي» وألوانها غير صارخة، وبما أنني لا أفهم في الألوان ولا أميز بينها لعلة في عيوني فقد أعطيت توكيلا لزوجتي لتشتري ملابسي.. لو طلب مني شخص ما كمبيوتر لابتوب هدية فإنني أحترمه أكثر من الذي يطلب هاتفا من «موديل» معين رغم أن سعر الكمبيوتر قد يكون أربعة أضعاف سعر الهاتف.

وانغ مراهق صيني في السادسة عشرة من العمر، وكان نفسه في جهاز آيفون وآيباد (الكمبيوتر اللوحي)، ولكنه ينتمي الى أسرة فقيرة، ومع هذا نجح في الحصول عليهما، ودخل بهما على أمه فرحا، وكان قد غادر بيت العائلة لبضعة أيام بزعم زيارة أقارب في بلدة أخرى، ولكن الأم ألقت نظرة عليه وسألته عن سرّ شحوبه مصحوبا بالسؤال: من أين لك هذا؟ أبلغ وانغ أمه أنه باع كليته لأحد المستشفيات فأعطوه من المال ما أعانه على شراء الجهازين.. ودخلت الشرطة على الخط، واتضح أن عصابة من خمسة أشخاص أقنعت الصبي بأنه يستطيع كسب مال يحقق به أحلامه الآيفونية والآيبادية لو باع إحدى كليتيه، فلم يتردد وانغ ودخل المستشفى واتضح ان العصابة، ومن بين أفرادها طبيب، باعت الكلية بـ٢٢٠ ألف يوان وأعطوه واحدا على عشرة من ذلك المبلغ، فاشترى الآيفون والآيباد.. وباختصار فإن ما دفعه وانغ قيمة الجهازين بالدولار هو ١٠٠٩ دولارات.. المأساة لا تقف عند حد وقوع صبي غرير ضحية عصابة حقيرة، بل في أنه صار بكلية واحدة وعند عرضه على الأطباء في سياق التحقيق من قبل الشرطة اتضح انه يعاني من قصور في وظيفة الكلية المتبقية.. ولو كان وانغ راشدا لصحّت فيه: خلي الآيفون والآيباد ينفعوك ويفلتروا لك السموم التي في جسمك، ولكن وانغ قاصر وضحية.

والعظة من هذه الحكاية (وأنا أتفادى إلقاء المواعظ لأنني بحاجة إلى من يعظني في أمور كثيرة) هي أن من لا يتأقلم مع واقع حاله، ويقبل به، معرض لـ«الوقوع» الذي قد لا يكون هناك نهوض بعده.. لا تلهث وراء شيء لا طاقة لك بثمنه، كي لا يكون الثمن كليتك او حتى شرفك.. وتذكروا حال وانغ الراهن وهو يخضع لغسل الكلية ولا أمل له في العثور على من يتبرع له بكلية سليمة، وإذا ابتذلت كرامتك أو عافيتك من أجل الآيفون أو الآيباد فستصبح مثل التفاحة المشرومة المرسومة عليهما.





jafabbas١٩@gmail.com



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة