الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٧٠ - الاثنين ١٤ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية


الدولة المدنية المؤجلة





هذا الذي حدث في ليبيا يستحق التوقف عنده بكثير من التأمل.

مؤخرا، أعلن المجلس الانتقالي الليبي انه بصدد اقرار قانون للأحزاب السياسية، وان احد البنود الأساسية في القانون ان «يحظر تشكيل الأحزاب السياسية على أساس ديني أو جهوي أو قبلي».

لكن بعد أيام قليلة من هذا الإعلان، صدر قانون الأحزاب بالفعل، وتم حذف هذا البند من القانون.

مفهوم بالطبع ما الذي حدث وقاد إلى إلغاء هذه المادة من القانون. لا شك ان القوى الدينية والقبلية مارست ضغوطا شديدة كي يحدث هذا.

والحقيقة ان ما حدث في ليبيا على هذا النحو من عدم القدرة على فرض تشريع يحرم قيام الأحزاب والقوى السياسية على أساس ديني أو قبلي أو جهوي ليس مستغربا . فهذا هو الحال في كل الدول العربية.

لم تستطع أي دولة عربية من الدول التي لديها تعددية سياسية ان تفرض هذا الأمر حتى الآن. حتى الدول العربية التي اندلعت فيها ثورات مثل تونس ومصر، لم تستطع ان تفعل هذا، وقد راينا كيف اجتاحت القوى الدينية الانتخابات التي جرت في البلدين.

وحقيقة الأمر انه طالما بقي الوضع هكذا، لا يمكن الحديث أبدا عن تجربة ديمقراطية ناجحة، ولا يمكن الحديث عن إقامة دولة مدنية حديثة على نحو ما تحلم به هذه الدول العربية.

ما معنى ان تقام أحزاب أو جمعيات أو قوى سياسية منظمة على أساس ديني او طائفي او قبلي او جهوي؟

معناه باختصار ما يلي:

١ – يعني هذا ومنذ البداية تكريسا لمفهوم الاقصاء في العمل السياسي وفي الحياة العامة، وهو بداهة مفهوم مناقض لجوهر مبادئ وأسس الديمقراطية.

ان تنشأ أحزاب أو جمعيات وقوى سياسية منظمة تتحزب وتتعصب لدين واحد أو طائفة واحدة او قبيلة أو جهة واحدة معناه بداهة انها تقوم على أساس اقصاء أتباع الديانات أو الطوائف أو القبائل أو الجهات الأخرى.

٢ - ويعني هذا تكريسا لانقسام المجتمع بين طوائف وقبائل .. الخ.

فقيام أحزاب وجمعيات تتبنى هذا التقسيم يكرس بالضرورة في المجتمع نظريا وفعليا ثقافة وممارسات التقسيم والتمزيق على هذه الأسس، لا ثقافة وممارسات التوحيد الوطني.

٣ - وقيام أحزاب وقوى سياسية على هذه الأسس الدينية أو الطائفية أو القبلية، يضعف حتما من قيم الولاء الوطني الجامع العام، ويعلي الولاءات الفرعية.

قيام الأحزاب والقوى السياسية على هذه الأسس يقوم في جوهره على افتراض مبدئي بأن الولاء للطائفة أو القبيلة أو الجهة يأتي أولا وعلى حساب الولاء الوطني العام.

٤ – والأحزاب والقوى الدينية والطائفية بالذات تقوم بالضرورة على اسس ومبادئ هي على النقيض من الأسس والمبادئ الديمقراطية العامة.

فكر وايديولوجية هذه القوى الدينية الطائفية يقوم على الاعتقاد باحتكار امتلاك الحقيقة باسم الدين، وعلى الاعتقاد بوجود مرجعية دينية هي في النهاية اكبر من مرجعية الشعب. وفكر هذه الجماعات في جوهره لا يكن احتراما كبيرا للتعدد الفكري والسياسي وللقوى الأخرى في المجتمع.

القضية الجوهرية هنا كما ذكرت انه طالما بقي هذا هو الوضع في الدول العربية.. طالما بقيت هناك أحزاب وجمعيات وقوى سياسية تقوم على أسس دينية أو طائفية أو قبلية أو جهوية، فسوف يظل من المستحيل الحديث عن ديمقراطية حقة، وسوف يظل من المستحيل الحديث عن تجارب ديمقراطية تؤسس أو تقود إلى قيام دولة مدنية ديمقراطية حديثة.

ان جوهر الدولة المدنية الحديثة هو فكرة المواطنة، حيث كل المواطنين متساوون أمام القانون وفي الحقوق والواجبات بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو الطائفية أو القبلية، وحيث ولاء المواطن هو أولا وأخيرا للدولة، وليس ولاء لطائفة او قبيلة او جهة.

وجوهر الدولة المدنية على هذا النحو لا يمكن ان يتحقق في ظل وجود هذه الأحزاب والقوى الدينية أو الطائفية أو القبلية.

ففي ظل وجود هذه الأحزاب والقوى، ستظل ثقافة الدولة المدنية الديمقراطية غائبة في المجتمع.

وكيف ستتكرس هذه الثقافة إذا كانت هذه الأحزا ب والقوى تكرس ثقافة مضادة في الفكر وفي الممارسة؟

وفي ظل وجود هذه الأحزاب والقوى، ستظل التجارب الديمقراطية في دولنا ليست أداة لتكريس وتعميق الديمقراطية الحقة، وتكريس أسس ومقومات المجتمع المدني، وانما على النقيض من هذا لتكريس الطائفية والولاءات الفرعية على حساب الولاء الوطني الجامع.

وباختصار، في ظل وجود هذه الأحزاب والقوى، ستظل الدولة المدنية الديمقراطية في دولنا مؤجلة وحتى اشعار طويل آخر.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة