لصوص الثورات العربية: أمريكا
 تاريخ النشر : السبت ٥ مايو ٢٠١٢
السيد زهره
بداية، في الفترة الماضية، ردد بعض الكتاب العرب وفي الغرب ايضا مقولة مؤداها ان ما اسمي «الربيع العربي» ما هو الا «صناعة امريكية». بمعنى انه على عكس ما يعتقد الكل من ان الثورات التي اندلعت في بعض الدول العربية هي ثورات شعبية وطنية، فان امريكا هي التي خططت لهذه الثورات ونفذتها.
وبصراحة، هذا كلام سخيف لا اساس له من الصحة.
إن اردنا الدقة اكثر، فان الذين يرددون هذا الكلام سواء من الكتاب العرب او في الغرب، يستندون في هذا الى معلومات هي بحد ذاتها صحيحة، لكن النتيجة التي يتوصلون اليها خاطئة.
أما المعلومات الصحيحة، فهي ان امريكا لها اتباع من «النشطاء» في عديد من الدول العربية. والصحيح ايضا ان مؤسسات ومعاهد امريكية مشبوهة نظمت دورات تدريبية لهؤلاء في انحاء متفرقة من العالم قبل اندلاع الاحتجاجات الشعبية في دول مثل تونس ومصر. دربتهم على اساليب الاحتجاج، وكيفية استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في الاحتجاجات.. وهكذا. والصحيح كذلك ان امريكا تمول انشطة هؤلاء وقوى اخرى تابعة لها في عدة دول عربية.
مثل هذه المعلومات صحيحة ومعروفة وليست سرية. وحتى هؤلاء الذين دربتهم واحتضنتهم امريكا في دول مثل مصر والبحرين معروفون بالاسم.
لكن ليس صحيحا على الاطلاق ان يقال استنادا الى هذه المعلومات ان امريكا هي التي «صنعت» ما سمي الربيع العربي.
أولا، بشكل عام التابعون والعملاء لأمريكا او غيرها، لا يفجرون ثورات ولم يكن مخططا لهم اصلا ان يكونوا ثوارا. هؤلاء مهمتهم الاساسية هي التخريب وفقا للأجندة الامريكية في كل بلد.
وثانيا، من السخف ان يقال مثلا ان العشرة ملايين مصري الذين خرجوا الى الشوارع ايام الثورة المصرية حركهم عملاء لأمريكا. هذه اهانة للثورة.
وثالثا، الثابت ان امريكا نفسها فوجئت كما فوجئ العالم باندلاع هذه الثورات ناهيك عن نجاحها. وبدليل ان الادارة الامريكية ظلت فترة في حالة مصر وتونس مثلا لا تعرف أي موقف تتخذ بالضبط من هذه الثورات.
الذي يجب الانتباه اليه هنا هو ان الامريكان انفسهم هم الذين يقفون وراء مقولة ان الثورات صناعة امريكية، وهم الذين يروجون لها، وذلك بهدف اظهار امريكا كما لو كانت هي التي تتحكم في كل كبيرة وصغيرة في الدول العربية وان المقادير العربية بيدها.
الصحف الامريكية الكبرى هي التي روجت لهذا الكلام. وكبار المسئولين الامريكيين هم الذين حاولوا التلميح الى ذلك. ولنتأمل مثلا ما قالته وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون.
في نوفمبر ٢٠١١، ألقت كلينتون خطابا طويلا جدا في المعهد الديمقراطي الامريكي المشبوه، قالت في بدايته: «عندما كانت الشوارع العربية هادئة، كان المعهد الديمقراطي الأمريكي موجودا على الارض، يبني علاقات ويدعم الاصوات التي سوف تحول بعد ذلك الشتاء العربي الطويل الى ربيع عربي جديد».
كيلنتون تريد ان تقول ان عملاء المعهد الديمقراطي في الدول العربية هم الذين صنعوا الربيع العربي ووراءهم امريكا. كلام سخيف وليس له أي معنى.
كلام كلينتون وحرص الامريكيين على ترديد هذه المقولة هو في حد ذاته اكبر محاولة لسرقة الثورة العربية ونسبة الفضل فيها الى الامريكان زورا وبهتانا.
وبعيدا عن هذا، يبقى ان اخطر محاولات امريكا لسرقة الثورات العربية والمناخ الذي اوجدته في المنطقة تتمثل في امرين:
الأول: سعيها لتخريب هذه الثورات وخصوصا في دولة مثل مصر وحرفها عن مسارها ومحاولة دفع التطورات بما يخدم مصالح وتصورات امريكا الاستراتيجية، وبما يحقق هدف الحيلولة دون بناء دولة قوية ديمقرطية فعلا.
الحديث يطول هنا لكن اساليبهم معروفة، عبر عملائهم، وعبر الضغط والابتزاز للسلطات الرسمية. وقد كشف تقرير اللجنة المصرية للتحقيق في عمل المنظمات الامريكية المشبوهة معلومات كثيرة خطيرة في هذا الصدد سبق وكتبنا عنها ولسنا بحاجة الى اعادة التذكير بها.
والثاني: محاولة استغلال الاوضاع الحالية في المنطقة منذ اندلاع الاحتجاجات في الدول العربية لتنفيذ مخطط تخريبي هنا في البحرين وفي دول الخليج العربية عموما.
وكما سبق أن تحدثنا وكتبنا مرارا، هذا هو المعنى الوحيد لاصرار الامريكان على احتضان القوى الطائفية التخريبية في البحرين، والدفاع عن مشروعها سياسيا واعلاميا.
وفي كل الاحوال، سواء في دول مثل مصر او هنا في دول الخليج العربية، فان احد المهام الكبرى المطروحة هي الانتباه الى المخططات التخريبية الأمريكية، واتخاذ مواقف حازمة في مواجهتها.
.
مقالات أخرى...
- لصوص الثورات العربية: إيران وتركيا - (3 مايو 2012)
- خليفة بن سلمان يلقن الغرب درسا - (2 مايو 2012)
- لصوص الثورات العربية: الطائفيون في البحرين - (1 مايو 2012)
- لصوص الثورات العربية: القوى الإسلامية الحزبية - (30 أبريل 2012)
- نريد تفسيرا - (29 أبريل 2012)
- ماذا يريدون من البحرين؟! - (25 أبريل 2012)
- الفورمولا١ وما بعد انتصار الإرادة الوطنية - (23 أبريل 2012)
- همجية عادية وإرهاب عادي أيضا - (22 أبريل 2012)
- أصدقاء إيران .. أي أصدقاء؟! - (21 يناير 2012)