الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٧٥ - السبت ١٩ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


مستقبل الإعلام الاقتصادي (٣)





قلنا في الحلقتين الماضيتين من استعراضنا للتحديات التي تواجه مستقبل الإعلام الاقتصادي، إنه فيما يعد مبدأ (سيطرة وسيادة الإعلان) عاملا حاسما في تحديد جودة ورداءة المادة الإعلامية المقدمة للقارئ، يعتبر مبدأ (العقلية التجارية التي تحكم المعطى الإعلامي) عاملا آخر حاسما في تعيين وتحديد هوية المحرر الذي يتم تكليفه بتحرير الأخبار في الأقسام المعنية.

ولكن ليس هذان المبدآن هما الوحيدين اللذين يشكلان عوامل التحديات التي تحول دون تطوير الإعلام الاقتصادي في الصحف الخليجية فحسب، بل إن هناك تحديا آخر، هو تواضع قدرة المحرر نفسه على تحويل المواد والأخبار البسيطة، إلى مادة إعلامية اقتصادية قوية، بالإضافة إلى تواضع ما يمتلكه من مقدرات في تحويل المادة الاقتصادية الجافة إلى مادة خفيفة جاذبة ومقروءة.

وأعتقد أن عدم توافر هذه الملكات لدى المحررين في الأقسام الاقتصادية بالصحف المحلية والخليجية الأخرى، لا يرجع إلى افتقارهم إلى المهنية والأهلية الكافية لفعل ذلك، بقدر ما يرجع إلى انعدام الرغبة في ذلك لدى المحرر، ولا سيما في الصحف التي تتعامل مع المحررين على أنهم موظفون، عليهم قضاء ساعات من العمل داخل المؤسسة الإعلامية، تتوافق وتوازي المدة الزمنية القانونية التي تحددها وزارات العمل، وهو أمر يفرضه بقوة، افتقار رؤساء أو مديرو التحرير أو رؤساء الأقسام إلى المهنية والأهلية التي تؤهلهم لأن الصحفي ليس موظفا عليه التزام مكتبه.

فعلى العكس من ذلك، فإن بقاء الصحفي فترات طويلة على مقاعد العمل في مكتبه، يحوّل طاقاته ومهاراته وأهليته بالمهنة إلى مجرد موظف يؤدي عملا تقليديا شأنه شأن آلة طباعة، تصب في أقنيتها الأخبار، وتثبت على إسطواناتها ألواح معدنية تعلوها المادة المراد طباعتها، ثم ترصّ خلفها أرتال من الأوراق البيضاء، فتقوم بسحبها ورقة تلو الأخرى لتكوّمها في نهاية ساعات الطباعة المحددة صفحات منقوشة بانتظار توزيعها بما يتوافق مع حجم وشكل المطبوعة المطلوبة.

مثل هذا النموذج من المحررين الذين تم تحويلهم إلى آلات طابعة، لن يستطيعوا تقديم أي عمل صحفي بارع، جدير بالاهتمام، يرجي من أصحابه الإسهام في تطوير المؤسسة الإعلامية التي يعملون بها.

هذه الحالة نرصدها بقوة في تلك الصحف التي يكون قمم أهرامها، من خارج الجسم الصحفي، وقدموا إلى مناصبهم إما بحكم حجم الحصة والأسهم التي يملكونها في رأسمال المؤسسة الإعلامية، أو أنهم أتوا إلى مناصبهم وفق قرارات سياسية أو محاصصات من أي نوع.

إذن فإن التحدي الثالث الذي يقف أمام تطوير الإعلام الاقتصادي في البحرين ودول المنطقة، هو التصنيف المهني للمحرر أو الصحفي، وهو أمر يغيب عن مهام عمل الكثير من الجمعيات الصحفية.





عبد الرحيم فقيري



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة