الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٧٦ - الأحد ٢٠ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٩ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

المال و الاقتصاد

أمين عام مجموعة العمل المالي لـ «أخبار الخليج»:
البحرين من أوائل الدول العربية في التصدي لعمليات غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب





أكد السيد عادل القليش أمين عام مجموعة العمل المالي بمنطقة الشرق الأوسط (مينا فاتف) أن مملكة البحرين واحدة من أهم دول المنطقة من حيث رقي القوانين والإجراءات المتبعة لمواجهة غسل الأموال بناء على التقييم التي أجرته المجموعة مؤخرا ويشمل ١٧ دولة عربية بنهاية العام الجاري من أصل ١٨ دولة عربية عضوا في المجموعة، ولم يتبق إلا الجماهيرية الليبية فقط التي تم تأجيل عملية التقييم بها للأسباب السياسية الراهنة.

وتعنى (مينافاتف) التابعة لمجموعة العمل المالي الدولية التي تضم ٨ مجموعات إقليمية على مستوى العالم وتعنى بمكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب الدولي.

وأوضح القليش في لقاء خاص وشامل مع «أخبار الخليج» عن عمليات غسل الأموال في المنطقة وأحدث وسائلها ودور المجموعة في مواجهتها أن الأساليب التقليدية لغسل الأموال لم يعد أحد ينتهجها من قبل عصابات غسل الأموال العالمية في الفترة الأخيرة، مشيرا إلى أن الإجراءات الحديثة باتت أكثر تعقيدا وصعوبة من قبل البنوك والمنظمات الدولية وهو ما أوجد سورا صعبا من الإجراءات الحمائية والرقابية التي يصعب معها إجراء هذه العمليات بالنمط التقليدي المعروف من فتح حسابات بنكية لشخصيات مجهولة أو باسم شركات وهمية وخلافه.

وقال القليش «تتطور أساليب غسل الأموال بتطور الأدوات المتاحة سواء منتجات مصرفية أو أية خدمات أخرى. حيث يسعى غاسلوا الأموال إلى ابتكار أساليب يعتقدون أنها لا تكون معروفة لدى الجهات الرقابية، لكي يتمكنوا من استغلالها في تمرير عملياتهم وغسل المتحصلات غير المشروعة. وتسعى الجهات المعنية والمنظمات الدولية إلى دراسة هذه الأساليب وتحديد مواطن الضعف وتعريف صناع القرار بما يمكن فعلة تجاه عمليات الاستغلال. فعلى سبيل المثال وعلى مستوى دولي يعتبر غسل الأموال من خلال التجارة من أصعب وأعقد العمليات التي قد يصعب اكتشافها أو تتبعها وخصوصاً عندما ترتبط العمليات باستيراد وتصدير منتجات يصعب تقيمها نظراً لتباين قيمتها أو صعوبة تقييمها كما هو الحال بالمنتجات التقنية الحديثة جداً. فقد يمكن التلاعب بقيمة البضائع في الأوراق الرسمية اما بقيمة أقل من الواقع ويتم الدفع بنفس قيمة الفاتورة من قبل المستورد ولكن عند البيع في دولة أخرى بقيمتها الحقيقية يتحقق المكسب بالفارق وهنا الفارق من الأموال غير المشروعة تنتقل من دولة إلى أخرى. وكما هو الحال أيضاً عندما يتم رفع قيمة البضائع عن القيمة الحقيقية لها فيتحقق الانتقال الفعلي للأموال غير المشروعة».

وأضاف: «هناك أيضا استغلال لطرق الدفع الحديثة من خلال الانترنت أو تحويل الأموال أي بشكل عام العمليات التي تتم من غير التواجد الفعلي. أيضاً إنشاء الشركات الوهمية أو الواجهة».

هل خدمت المعايير الدولية الصادرة عن مجموعة العمل المالي (فاتف) الأنظمة المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ولاسيما حماية الأنظمة من هاتين الجريمتين؟

بالتأكيد، وهذه من الأمور المهمة ومن الرسائل التي تتطلب التركيز عليها من وقت إلى آخر، حيث إن هناك العديد من الايجابيات للامتثال للمتطلبات المحلية والدولية التي تعزز الأنظمة المالية. فمتطلبات المكافحة تخدم المصارف وتساعدها في عدد من الأمور من أهمها:

١- تعزيز مبدأ الشفافية وهذا أمر جداً مهم وذلك من خلال تطبيق مبدأ أعرف عميلك وحفظ السجلات والمعلومات بحيث يتم الرجوع إليها في أي وقت عند الحاجة.

٢- حماية المصارف من استغلال المجرمين وتمرير عمليات مرتبطة بغسل أموال أو تمويل للإرهاب وذلك من خلال توفير عدد من التدابير والإجراءات التي تساعد المصارف على الحصول على المعلومات المناسبة ومراقبة وتتبع الأموال المشبوهة مما يحمي المصرف ذاته من أية مخاطر ذات علاقة وتهز بثقة المصرف وكلنا نعلم أهمية السمعة لدى المصارف وهي الأساس في تعاملهم. بالإضافة إلى عدم تعرض المصرف إلى مخاطر قانونية مثل فرض العقوبات التي قد تصدر عن جهات محلية معنية أو خارجية.

٣- تقليل كُلفة المعاملات الخارجية، حيث كلما كان هناك التزام بالمتطلبات المحلية المبنية على المعايير الدولية كلما شعر المتعامل الخارجي مع أي مصرف داخلي بالثقة والأمان وبذلك تقل نسبة المخاطر، مما يقلل كُلفة العمليات المالية على المصرف. وتتابع المصارف في الخارج مستوى التزام الدول بشكل عام والمصارف العامله لديها في هذا المجال، لان المصارف في الخارج تحتاط وبشكل كبير من الدخول في معاملات تجارية مع مصارف قد لا تعرف مدى التزامها بمتطلبات غسل الأموال وتمويل الإرهاب لكي لا تكون عرضة لمخاطر استغلال أو مخاطر قانونية. بالإضافة إلى أن كثير من الدول في العالم تفرض قوانين تلزم المصارف بالتعرف على أوضاع المصارف المتعامل معها. وهنا أود أن أحث المصارف في دول المنطقة على بذل جهد أكبر بالاستثمار في برامج المكافحة الداخلية سواء من خلال إجراءات تنظيمية أو برامج حديثة ومتطورة للرصد والمتابعة وهذا كله له مردود كبير وايجابي على المصرف. كما يجب عليها إبراز دورها ونشره للعموم لكي يكون هناك معرفة بالوضع الحالي والخطوات المتخذة مما يعكس العديد من الايجابيات عليها. والجميع يعلم ان مصارف المنطقة لديها الكثير من الإجراءات وتعمل جاهدة لحماية نفسها من عمليات غسل الأموال. وعادة تأتينا أسئلة مباشرة عن مصارف معينة في المنطقة وعن أوضاعها في مجال المكافحة وليس من صلاحيتنا الرد على هذه الاستفسارات لكن تتم إحالة الاستفسارات إلى الجهات المعنية في كل دولة. هذا بالإضافة إلى أسئلة من مجموعات مالية عالمية معروفة لتتعرف على وضع المكافحة على مستوى المنطقة ككل وكل هذا لمعرفة إلى أين وصلنا في مجال المكافحة. وهذا يعكس أهمية الموضوع. وكلما كان هناك التزام أكثر كلما كان هناك ثقة لدى المستثمر الخارجي في الدخول والتعامل مع المصارف.

ما هي توقعاتكم بدور التعديلات الجديدة التي أدخلتها مجموعة العمل المالي (فاتف) على معايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب مؤخراً؟ وهل ستشكل صعوبة في تطبيقها على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟

أتت التعديلات متزامنة مع حاجة الدول ومتطلباتها لرفع كفاءة الجهات المعنية سواء الحكومية أو الخاصة لمتابعة ورصد ومصادرة متحصلات الجرائم الأصلية ولاشك أنها تشكل مرتسما واسع الأبعاد يتماشى مع المرحلة المقبلة، وقد أضافت التعديلات الجديدة عددا من العناصر المهمة على المعايير الدولية (التوصيات الأربعين). وعلى سبيل المثال تم إدخال تطبيق مبدأ الأساس المبني على المخاطر، حيث أصبح واجباً على الدول في العالم ومنها دول المنطقة تقييم مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب على المستوى الوطني والاعتماد على الأساس المبني على المخاطر في رقابتها وإشرافها على المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة. فبذلك تحقق الانتقال من مبدأ الأساس المعتمد على القواعد إلى الأساس المبني على المخاطر بالإضافة إلى المؤسسات المالية وغيرها من الأعمال والمهن غير المالية المحددة تطبيق ذات المبدأ. وسيساعد هذا المبدأ الجديد على توفير الموارد المتاحة سواء البشرية أو المالية حيث يتم التركيز على مكامن الضعف أو التي تمثل مخاطر عالية لدى الدول. بالإضافة إلى الاهتمام بشكل أكبر بمسالة الفساد ومطالبة الدول بالانضمام إلى اتفاقية مكافحة الفساد الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة. بالإضافة إلى تعزيز التعرف على المستفيد الحقيقي وإدراج جريمة التهرب الضريبي ضمن الجرائم الأصلية لغسل الأموال هذا بالإضافة إلى متابعة الدول لتطبيق قرارات مجلس الأمن ذات العلاقة بالتسلح وانتشار أسلحة الدمار الشامل. اما بالنسبة للتحديات فاعتقد انه سيكون هناك تحديات قد تواجهها دول المنطقة نظراً لإدخال التعديلات الجديدة على المعايير الدولية وقد تتفاوت نسب التحدي من دولة إلى أخرى. لكن المهم أن جميع الدول الأعضاء الآن على علم بهذه التعديلات وسنقوم بسلسلة من ورش العمل التي ستساعد خبراء المنطقة على معرفة تفاصيل هذه التعديلات وعكسها على الأنظمة والتشريعات المحلية. وأول ورشة ستقوم بها المجموعة سوف تكون في النصف الثاني من شهر سبتمبر ٢٠١٢م. ومن العناصر التي قد تشكل تحدياً كبيراً وتحتاج إلى استعداد كبير هو تطبيق مبدأ الأساس المبني على المخاطر.

أين أصبحت المجموعة بعد أن أوشكت على استكمال الجولة الأولى؟ او بعد مرور ثماني سنوات منذ إنشائها تقريباً؟

في هذا العام سوف تنتهي المجموعة من تنفيذ إستراتيجيتها الثانية ٢٠١٠م -٢٠١٢م والتي تم تنفيذ أغلب المهام المناط بها خلال هذه الفترة. وهي الانتهاء من الجولة الأولى لعمليات التقييم المشترك بتقييم ١٧ عشر دولة عربية من دول المنطقة. والتأكد من فعالية النظم المطبقة لدى الدول وذلك من خلال استعراض ٣٧ تقرير متابعة عن الدول الأعضاء. ونظمت المجموعة أربع ورش تدريبية منذ عام ٢٠٠٥م لخبراء المنطقة على عمليات التقييم المشترك ولدى المجموعة أكثر من ١٥٠ خبيراً تم تدريبهم على منهجية عملية التقييم المشترك. وفي شأن الاستعداد للجولة الثانية من عمليات التقييم تقوم المجموعة حالياً بتشكيل لجنة من خبراء الدول الأعضاء لتقييم السياسات الداخلية والآليات المعتمدة لدى المجموعة بشأن تدريب المقيمين والتأكد من جودة تقارير التقييم المشترك وتوافقها فيما بينها واختيار المقيمين.

أما بالنسبة إلى التعرف على الأساليب والاتجاهات الحديثة في عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب قد اعتمدت المجموعة ثلاث دراسات تم نشرها على موقعها الالكتروني وهي تخص الموضوعات التالية:

- طرق الدفع عبر الحدود.

- مؤشرات واتجاهات غسل الأموال وتمويل الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

- الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية، وغسل الأموال.

وحاليا تتم دراسة غسل الأموال وعلاقته بالتزوير والتزييف للمستندات المالية.

أما بالنسبة إلى المساعدات الفنية والتدريب لرفع مستوى الالتزام لدى الدول الأعضاء فقد قامت المجموعة بتنظيم ومشاركة في تنظيم عدد من الفعاليات على مستوى المنطقة بلغ عددها ٢٦ فعالية أي بمعدل ٣ فعاليات في السنة الواحدة. كما ستقوم المجموعة في الفترة القادمة بتنظيم عدد من الفعاليات مع عدد من الجهات المختلفة.

أما ما يتعلق بإصدار الإرشادات وأفضل الممارسات فقد سبق أن أصدرت المجموعة عددا منها وهي منشورة على الموقع الالكتروني وهي على النحو التالي: عن موضوعات الحوالة، والجمعيات الخيرية، وناقلو الأموال النقدية عبر الحدود، والأعمال والمهن غير المالية المحددة، والأشخاص السياسيين ممثلي المخاطر.

بالإضافة إلى الحوار مع القطاع الخاص. دعوة إلى جميع المصارف للتواصل مع المجموعة من خلال آلية الحوار الموضوعة لذلك والتعبير عن وجهة نظرها حول التحديات التي توجهها في الامتثال للمعايير الدولية.

- كيف تقيم استجابة حكومات دول المنطقة للمعايير الدولية في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب؟

ممكن تلخيص استجابة دول المنطقة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحسب الزمن إلى ثلاث فترات مهمة في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. أولاً فترة التسعينيات تقريباً عندما أنشئت مجموعة العمل المالي (فاتف) من قبل مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في عام ١٩٨٩م حينها تم اصدار التوصيات الأربعين للمرة الأولى في عام ١٩٩٠م، كان هناك تركيز بسيط ومحدود على مستوى دول المنطقة لا يتجاوز إصدار بعض البيانات أو الإرشادات للمصارف في بعض الدول في المنطقة تنبههم عن مخاطر غسل الأموال بشكل عام وهذا أيضاً يتزامن مع ما حدث في مناطق أخرى من العالم حتى لدى بعض الدول المتقدمة. الفترة الثانية وهي ما بعد التسعينيات وقبل إنشاء مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في أواخر عام ٢٠٠٤م، كانت هناك جهود على مستوى محلي أو وطني حيث قامت جميع الدول بالعديد من الإجراءات منها تجريم فعلي غسل الأموال وتمويل الإرهاب وإصدار ضوابط وتعليمات من قبل الجهات الرقابية وإنشاء وحدات معلومات مالية للمتابعة وتوفير آليات لتعزيز التعاون الدولي بالإضافة إلى رفع مستوى الوعي والتدريب لدى المسئولين. وفي الغالب كانت هذه الجهود محلية أي على مستوى وطني. لكن الفترة الثالثة وهي فترة ما بعد إنشاء مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (المينافاتف) في عام ٢٠٠٤م إلى الآن تعتبر الفترة المميزة للدول الأعضاء حيث امتزج الدور الوطني مع الدور الإقليمي بشكل عمل مؤسسي مشترك. وأصبحت الدول الأعضاء قادرة وبشكل أكبر على التعاطي مع مسألة المكافحة وتعمل مع بعضها البعض ومن خلال المينافاتف في رفع مستوى الالتزام بالمتطلبات الدولية وذلك من خلال عدد من النشاطات التي تنفرد فيها المجموعة عن أية آليات موجودة على مستوى المنطقة وهي: عملية التقييم المشترك, وتنسيق توفير المساعدات الفنية والتدريب, ودراسة الحالات العملية أو ما يسمى بتمرين التطبيقات.

فهذه الآليات جعلتنا نشعر ونلمس حجم الحراك الكبير والتطور المشهود على مستوى المنطقة وأصبحت القوانين المصدرة أكثر اتفاقاً مع الاتفاقيات الدولية والمعايير الدولية. فمن خلال الدور الفريد من نوعه للمجموعة وآلياتها وبرامجها تمكن من مساعدة جميع الدول في المنطقة لترفع من مستوى التزامها لما فيه من مصلحة لها ولدول المنطقة. ويجب التنويه هنا عن الالتزام السياسي على مستوى المنطقة الذي دفع بكثير من الأمور نحو التقدم، وفي ظل هذه المرحلة أصبحت الأدوات الوطنية أقوى مما كانت عليه في السابق.

- ما مدى مصداقية وخطورة الرسائل البريدية التي انتشرت في الأونه الأخيرة وترسل من أشخاص غير معروفين أو مجهولين ومن دول غير معروفة؟

بصراحة لوحظ في الآونة الأخيرة رسائل بريدية ترسل من قبل مصادر غير معروفة ومن أشخاص مجهولي الهوية. ويتلقى العموم سواء أشخاص عاديين أو رسميين أو جهات رسمية هذا النوع من الرسائل، وذلك لأغراض نصب واحتيال يقع ضحية فيها من يتجاوب بأي شكل من الأشكال مع هذه الرسائل. وتطلب عادة هذه الرسائل من بعض الأشخاص إرسال بياناتهم المصرفية أو الشخصية نظير خدمات وهمية أو احتيال تتعلق بإصدار شهادات بمبالغ مالية كبيرة أو تحويل مبالغ مالية كبيرة وما شابه ذلك. وفي حال وجود مثل تلك الحالات يجب تجاهلها كلياً وعدم إرسال أية معلومات أو بيانات شخصية، كما يجب إبلاغ السلطات المحلية بها فوراً.

- ما تأثير عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب على اقتصاديات الدول؟

كما هو معروف في نهاية القرن الماضي شهد العالم انتشاراً واسعاً لعمليات غسل الأموال التي تتيح للمجرمين الاستفادة من عوائد الجرائم بصورة تبدو مشروعة مما يعني استمرار الجريمة بمختلف أشكالها وأنواعها، حيث إن هناك أكثر من ٢١ فئة من الجرائم التي يجب على الدول تصنيفها كجريمة أصلية لجرائم غسل الأموال، وعلى سبيل المثال لا الحصر المشاركة في مجموعة إجرامية منظمة وابتزاز الأموال والاتجار في البشر وتهريب المهاجرين والاتجار غير المشروع في العقاقير المخدرة والمؤثرات العقلية والفساد والرشوة الخ... وكل المتحصلات من هذه الجرائم تغسل بعدة طرق تم تحديدها ضمن التقارير الفنية الصادرة عن منظمات دولية على النحو التالي (١) النظام المالي (٢) النقل المادي عبر الحدود (٣) من خلال التجارة. ولغسل الأموال العديد من الأساليب والتقنيات كالتحويلات المالية والإيداعات النقدية وإنشاء شركات وهمية وشراء وسائل النقل الفاخرة وشراء العقارات. كما ظهرت عمليات تمويل الإرهاب التي تمكن من استغلال أموال متحصل عليها من مصادر مشروعة وغير مشروعة للقيام بنشاطات إرهابية لها آثار سلبية جسيمة على المستوى الإنساني والسياسي للدول.

وتتأثر السياسة المالية والنقدية بعمليات غسل الأموال، حيث يتم الاعتماد في تحديد السياسة المالية أو النقدية على حجم السيولة المتوافرة لدى المصارف. وبالتالي فإن حركة الأموال غير المشروعة وانتقالها بين المصارف وبشكل مفاجئ يؤدي إلى الإخلال بالمعايير التي تعتمد عليها السياسة النقدية على سبيل المثال.

بالإضافة إلى أن عمليات غسل الأموال تضر بالنظام المصرفي وسمعته. فعمليات استحواذ العصابات الإجرامية أو السيطرة على ملكية مصرف معين بهدف تحقيق أهداف تخدم أغراضهم ومصالحهم غير المشروعة تؤثر بشكل كبير على الدولة. وبالتالي يكون هناك تأثير على الثقة في المصارف بالإضافة إلى أن المصارف قد تتعرض لعقوبات معينة من جهات داخلية أو خارجية.

التضخم عادة يرافق عمليات غسل الأموال حيث إن شراء وبيع الأصول بغير قيمها الحقيقية وعادة بأعلى من قيمتها يؤدي إلى حدوث ارتفاع مستوى الأسعار. بالإضافة إلى أن قيمة العملة الوطنية تقل وتتدهور نتيجة للطلب الكبير للعملات الأجنبية في عمليات غسل الأموال والتحويل إلى الخارج بهدف نقلها من دول إلى أخرى ويكون هناك ضغط كبير على قيمة العملة.

وكذلك فإن عمليات غسل الأموال تؤدي إلى حرمان الدول من الاستفادة بجزء من أموالها بسبب سرعة الكسب غير الهادف للاستثمار وعدم المنافسة المتكافئة وعرض السلع بأقل الأسعار بهدف الحصول على السيولة بشكل سريع وهذا يؤدي إلى انهيار المؤسسات الأخرى وخروجها من السوق.

وأخيرا فإن سمعة الدولة ومركزها يتأثران بعمليات غسل الأموال حيث إن ذلك يؤثر على سمعتها أمام الهيئات الدولية المانحة للقروض وهذا ما دفع صندوق النقد الدولي إلى إعلان رغبته في تغيير سياسته الإقراضية للدول النامية بحجة أنها لا تستفيد من عمليات الإقراض على نحو كامل بسبب انتشار الفساد الإداري بها وما صاحبه من تهريب أموال بقصد غسلها بالإضافة إلى تأثر درجات التصنيف التي تقوم بها عادة وكالات التصنيف الدولية. وبالتالي يتأثر استقطاب الاستثمارات الخارجية.

ونظراً للانعكاسات والتأثيرات السلبية الخطيرة على الاستقرار المالي والاقتصادي والسياسي لأي دولة جراء عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب بدت الحاجة إلى إرساء وتبني المبادئ والمعايير الدولية التي تضبط هذه الأفعال، لذا فقد قررت مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في اجتماعها الذي عقد بمدينة باريس عام ١٩٨٩م إنشاء مجموعة العمل المالي، وهي لجنة دولية تهدف إلى وضع ونشر سياسات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وتقوم مجموعة العمل المالي بمراقبة مدى التزام الدول بتنفيذ السياسات والإجراءات اللازمة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إضافةً إلى مراجعة الطرق المستخدمة في غسل الأموال وتمويل الإرهاب حتى تتمكن من إيجاد الأساليب المثلى لمكافحتها ونشرها بين الدول المختلفة. وبدأت هذه المجموعة منذ التسعينيات في التشجيع على إنشاء مجموعات عمل مالي إقليمية تعمل على غرارها، لذا فكان إنشاء مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا استجابة إقليمية من الدول الأعضاء المؤسسين في المنطقة لضرورة نشر وتطبيق المعايير الدولية الرامية إلى مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب على مستوى المنطقة، وذلك إدراكاً منها للمخاطر التي تثيرها عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب على اعتبار أن هذه المخاطر لا يمكن معالجتها والتصدي لها بطريقة فعالة إلا من خلال التعاون بين دول المنطقة.

وقد أنشئت مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعد الاجتماع الوزاري الذي عقد بمملكة البحرين يوم ٣٠ نوفمبر ٢٠٠٤م، وتم فيه توقيع ممثلي حكومات أربع عشرة دولة على مذكرة التفاهم، والتي وقعت عليها أيضاً الدول التي انضمت للمجموعة فيما بعد، حيث تعتبر مذكرة التفاهم بمثابة الوثيقة التي تنظم عمل المجموعة وتضمنت عدة أهداف يجب العمل على تحقيقها.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة