مير حسين موسوي من رئاسةِ الوزراء إلى السجن (١-٣)
 تاريخ النشر : الأحد ٢٠ مايو ٢٠١٢
عبدالله خليفة
علاقاتُ الفئاتِ الوسطى الصغيرة برأسماليةِ الدولة يحكمها طابعُ البنيةِ الاجتماعية والتيارات الحاسمة فيها، فلكل بنيةٍ اجتماعية تاريخٌ خاص، يعبرُ عن وضع الشعب وطرائق تطوره وعلاقاته بالأمم حوله ومعه.
إن الشعب الفارسي وجد نفسه محاطاً محاصراً بالشعوب منذ مئات السنين، فوق هضبته، فكانت المجوسية تعبيراً عن صراع إلهي الخير والشر، حيث الشعب يجسدُ إلهَ الخير ويغذي النورَ والخير اللذين غدتْ النار رمزاً متأججاً لهما.
وقد عكست روحية الحصار، وكانت الإثناعشرية شكلاً آخر لوعي الحصار، ولهذا كان الشعب في كل العبادات يلجأ إلى التشدد والجزئيات التفصيلية العازلة له عن الذوبان في بقية الشعوب والأمم.
ومن هنا كانت ثورة السبعينيات ضد الشاه ارتداداً للوراء وتكريساً لدوائر الحصار والانغلاق ضد العالم.
لقد هُزمتْ الشعاراتُ الليبرالية والديمقراطية التحديثية التي كانت تعني مشاركة بقية الأمم في المسار المشترك، وكان المضمون الداخلي يتمثل في اننا نحن مختلفون مميزون عن البشر، نحن الديانة الناجية والتجربة الفريدة المطلقة المختلفة عن العالم.
ولهذا ليس غريباً أن يكون المنفصل عن كل ثقافة القرن العشرين الصاخبة في التحديث هو الحاكم المطلق، فالرجلُ الذي انعزل عن كلِ ثوراتِ العالم المعاصرة يصيرُ هو القائد، ويجيءُ من كهفه ليؤسس دولةً لا تسير إلا بقانون الماضي المذهبي المحافظ الذي ساد في القرون الخوالي.
أي أن على الشعب الفارسي في نموه الجديد أن يلغي التجديدَ التحديثي وأن يهيمن على الشعوب التي تقع تحت سيطرته، ويرفضَ قيمَ الحرية والديمقراطية، فمن يستعبد عدة شعوب يعجز أن يكوّنَ شعبا حرا.
ليست المسألة فردية لكن هناك من يؤسسها فيُخرجُ مضامينَ المحافظة والتسلطَ ويصوغُها نظاماً، ومن هنا نجد جماعات البرجوازية الصغيرة الذين تسلطَّ عليهم هذا الوعي الديني يؤيدون هذا المشروعَ الظلامي وينفذونه، وتغدو كل جماعاتهم (إسلامية)، بمعنى تحوير الدين لهيمنة قوى محافظة في الطائفة تغدو هي المطلق، التي تلتقي النبوة والألوهة.
وتكوين مثل هذه المصطلحات روح الله وأسد الله وغيرهما هي شكلٌ للاستبدادِ المطلق، حين يغدو البشريّ خارجَ الزمان والمكان، متحداً في السرمدِ الإلهي فسلطته مثله.
وهذه الأدلجة تتحولُ لمؤسساتٍ ذات أسنانٍ حادة في كلِ شأن سياسي واقتصادي وثقافي، بحيث ان الحصار يكتمل على الشعب، الذي يغدو سجاناً للشعوب الأخرى.
وهذا السجن يبدأ بالبرجوازيات الصغيرة النشطة المتعلمة التي تحولهُ إلى تنظيماتٍ تهيمنُ على الناس، ومن هنا نرى هذه الفسيفساء من التنظيمات الدينية الإيرانية بحيث تتحول إلى متاهة، وهي كلها أدواتُ حصارٍ للشعب، ورغم الحديث عن متشددين ومعتدلين فإن الرؤيةَ المطلقةَ الالوهية الصاهرة للكائنات البشرية في حبسها هي نفسها، مغتنية بصوفيةٍ غيبية فقدتْ علاقاتها بالتطور والحياة بخلاف ما كانت عليه في العصر السابق، وهي تغدو لدى المتشددين عدم مقاربة للعصر بشكل كلي، فيما المعتدلون لديهم مقاربة بسيطة لا تخرج عن جوهر السجن المقام لدى عقلية المُحاصر.
فهو يدعو إلى عدم الخروج على الجوهر المطلق للجماعة، أي الحفاظ على وحدتها الصوانية، فلا برجوازية ولا عمال، ولا مثقفين ولا عامة، بل الكل في واحد، يعبرُ عنه الولي الفقيه، الإلهُ، النصُ الباقي أبداً كما هو.
ومن هنا فإن المعتدلين والمقاربين شيئاً من التفتح، لا يلغون جوهرَ الاستبداد، والدولةَ الدينية الشمولية، ويعتقدون بهذا أنهم قادرون على تغيير وتطوير هذا السجن.
ومن هنا لا نجدُ أثراً من علم مير حسين موسوي وفنه التشكيلي، في الخروج عن الاستبداد، وهو إذ ينتقلُ من مراكز دنيا في الدولة إلى رئاسة الوزراء، يبقى جوهرُهُ هو نفسه، مثلما رأينا في (عقلانية) خاتمي.
ليس ثمة انفصال عن العصر القديم والإقطاع، وثمة رفضٌ لتبني الحداثة، لكن الحداثة التقنية مطلوبة، السمكري والمهندس والفنان يأخذون من الغرب أدواتٍ ومعرفةً تقنية، مفصولة عن جوهر العلاقات الحديثية الرأسمالية من تعددية وصراع طبقي وديمقراطية.
فالتقني يأخذُ تلك المعرفة لتعمل في مرتكزات نظام الإقطاع الطائفي، متصوراً أنها سوف تعمل على تطويره وتحديثه، ولهذا فهو يقومُ بالمشروعات الصناعية والعسكرية في هذه الدولة، ويجابه الغازي العراقي الذي شكل نموذجاً شبيهاً به، فتتضخم آلته العسكرية فيصعد طغاةُ الريفِ الصغار.
عبر سيطرة الإقطاع الطائفي يتدفق القرويون على المدن والأعمال، ويكونون القواعدَ للنظام الذي يغذي فيهم البقاء في المدن، ونشر العلاقات الاجتماعية المحافظة، وحصار الفئات الوسطى (المتغربة)، ويقوم رئيسُ الوزراء موسوي ببناء هذه البنية الاقتصادية السياسية الثقافية، حيث تصعد رأسمالية الدولة، وهو يؤدلجُ الرأسماليةَ هذه بكونها قريبة من الاشتراكية وان ما يفعلهُ هو قريب من اليسار، ولهذا يصنف نفسه باعتباره من اليسار الإسلامي.
أي أن الدكتاتورية في المذهب والحكم تربط عرى الأمة الفارسية وقبضتها على الموارد والحياة وعلى الأقاليم، وتجعلها مجسدة في رأسمالية دولة، تمتصُ الفوائضَ الاقتصادية لإنتاج طبقة فاسدة من جوفها، تعصرُ العاملين لأجل التنمية كما يتصور القادة أمثال مير حسين موسوي.
.
مقالات أخرى...
- ولاية الفقيهِ ضد الليبرالية - (19 مايو 2012)
- عبدالخالق السامرائي بين النبل والخيال (٢-٢) - (18 مايو 2012)
- عبدالخالق السامرائي بين النبلِ والخيال (١-٢) - (17 مايو 2012)
- صراع قوتين في الانتخابات المصرية - (16 مايو 2012)
- الشيخ يوسف القرضاوي والوعي بالديمقراطية (٢-٢) - (15 مايو 2012)
- الشيخُ القرضاوي والوعي بالديمقراطية (١-٢) - (14 مايو 2012)
- الإخوان المسلمون بين إعصارين - (13 مايو 2012)
- صعودُ الاشتراكيين الديمقراطيين - (12 مايو 2012)
- ألفُ ليلةٍ وليلة: السيرة السحريةُ (٣-٣) - (11 مايو 2012)