الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨٠ - الخميس ٢٤ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٣ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


أسباب لجوء المواطن إلى الإذاعة





مع كامل احترامي وشكري وتقديري للجهود الكبيرة التي يبذلها معدّو ومقدّمو برنامج صباح الخير الإذاعي الذي بات يلقى اهتماماً متزايداً من قبل المواطنين الذين وجدوا فيه فسحة أو فرصة أو أسلوبا سريعا وبديلا شبه مضمون لمخاطبة ومراجعة مختلف دوائر الخدمات في الدولة من إسكان وصحة وطرق ومجاري ومياه وكهرباء وبلديات ومصابيح إنارة وما شابهها من هموم ومشاكل؛ أعتقد أنه بات من اللازم إعادة النظر في هذا البرنامج الأثير لدى قلوبنا، ليس لعيب أو خلل فيه وإنما لوقف تحوّله إلى برنامج مناشدات أو طلبات أو مساعدات أو ما شابهها من خدمات من المفترض أن لها وسائلها ومراجعاتها وقنواتها الرسمية التي ينبغي لها ويتوجب عليها ممارسة دورها في خدمة المواطنين وكفايتهم دونما حاجة الى أن يهدر بعض ذوي الحاجة كرامتهم على الهواء مباشرة برجاءات واستجداءات تصل أحياناً إلى حدّ البكاء.

وفي الواقع يجب أن يُصار أو يجري التوقف على أسباب هذا الاستخدام والاهتمام المتزايد ببرنامج صباح الخير؟ هل هناك إهمال وعدم اكتراث وتقصير من قبل الجهات الرسمية حينما يتم الاتصال بهم ومراجعتهم مباشرة من قبل المواطنين وأصحاب الحاجات، باعتبارهم القنوات الصحيحة والأسلوب المفترض لمن لديه طلب خدمات أو شكوى أو مشكلة؟ أم أن الناس صاروا كسالى وخاملين استحسنوا الاتصال الهاتفي بالإذاعة عوضاً عن مشقة المراجعات والتنقل بين المكاتب والمناضد وصداع (روح وتعال)؟ وخاصة أن كثيرين منهم بعد أن يعرضوا مشكلاتهم وشكاواهم في هذا البرنامج الصباحي المتميز يتفاجأون بمن يتصل بهم من ذات تلك الدوائر الحكومية التي (طلعت) روحهم فيها من أجل أن يتكرّم عليهم أحد بمقابلتهم والاستماع إلى شكاواهم ومشكلاتهم والتعرّف على احتياجاتهم وحلّها!

بعض المسؤولين يتصوّرون أن اتصالهم أو استجابتهم لحل مشكلة أو تقديم مساعدة لمواطن لجأ للبرنامج الإذاعي هو إنجاز يستحق أن يشكره مقدمو هذا البرنامج وأن يثني المتصل (صاحب المشكلة) على هذا المسؤول أو ذاك لتكرّمه بفكّ كربة هذا المتصل بينما الصحيح هو أنه ينبغي على هذا المسؤول أن يُجري تحقيقاً في وزارته أو مجال عمله يتبين من خلاله أسباب لجوء هذا المواطن إلى الإذاعة، ولماذا تعثّرت الحلول وانسدّت الأبواب تجاهه في قنواتها الرسمية؟ وأن يعالج الثغرات والنواقص لكي تؤدي وزارته دورها الرسمي الطبيعي الصحيح بأن يتقدّم إليها المواطن بمشكلته مباشرة من دون وسيط أو وسطاء فيُنظر فيها تمهيداً لحلّها من خلال مظانّها التي تأسست - أصلاً - لتبسيط إجراءات المواطنين والتسهيل عليهم.

يُفترض في دولة المؤسسات والقانون وجود إدارات للعلاقات العامة وأجهزة وأنظمة للشكاوى والتظلمات وأقسام لخدمات الزبائن والمراجعين من الصعب القبول بالقول أنها تبقى عاجزة أمام استقبال المواطنين ومعالجة الشائك من قضاياهم والرد على استفساراتهم والاستجابة لطلباتهم ولا يُلتفت إلى مأساتهم أو حجم معاناتهم وعوزهم إلاّ حينما يبثون شكواهم في البرنامج الإذاعي الصباحي (صباح الخير)، وسواء كانت مشكلتهم تتعلق بطلب العلاج من المرض أو الحصول على السكن أو غيرها من قضايا يلفّ أصحابها بها على جميع الجهات و(يتمرمطون) ويطرقون ما شاء لهم من أبواب قد لا يرون فيها إلاّ الصدود والمماطلة والتأجيل المفضي إلى اليأس، ثم لا يجدون أمامهم إلا النشر الإذاعي على أمل أن تنفتح أبواب ما كان لها أن تُغلق، وتتحقق الردود والاستجابات التي كان يُفترض أن تتم وفق قنواتها وآلياتها الطبيعية في دولة المؤسسات والقانون.

أعرف أن البعض قد يتحسّس من طلبي إعادة النظر - وقد كتبت سابقاً في ذات الموضوع - فيما وصل إليه حال برنامج صباح الخير لكن الإنصاف يتطلب التنبيه وإعادة الحياة إلى أروقة ومناضد بعض الجهات الخدمية وتفعيل أدوارها المفترضة لكفاية الناس حاجتهم وحلحلة مشكلاتهم داخل حدود تلك الجهات من غير حاجة الى أن يناشدوا ويستنجدوا ويترجّوا في أمور أرى أنه من حقّهم أن يتم حلّها ومعالجتها وفق آلياتها الرسمية والطبيعية. وأن أية حلول تأتي من خارج هذه الآليات ليست إنجازاً بقدْر ما تكون إخلالاً وتقصيراً في هذه الآليات.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة