الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨٥ - الثلاثاء ٢٩ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٨ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


البطانة الصالحة





في كتابه «سياست نامه»، الذي كتبه وهو في منصب وزير البلاط السلطاني الذي خدم فيه السلطان «الب ارسلان» السلجوقي فترة زمنية قاربت الثلاثين عاما ومن بعده ابنه السلطان «ملكشاه»، كتب الوزير «حسن بن علي الطوسي» الملقب «بنظام الملك» ما يزال يعتبر قاموسا للحكم وقاعدة للملوك. تطرق فيه إلى الكثير من البروتوكولات والعديد من الأمور المتعلقة بسير الملوك وطريقة حكمهم.

وقد كرس جزء من الكتاب لحاشية الملك ومن هم حواليه من رجاله ووزرائه وقال إن لكل ملك ندماء وزملاء حظ ممن يُحظر أن يقلدوا المناصب الرسمية لأن بقاءهم مع الملك بصورة مستدامة تولد لديهم العجرفة والتعظم التي تنعكس على طريقة تعاملهم مع رعية الملك وفي كثير من الأحيان ظلمهم للرعية, مشيرا كذلك إلى أن وزراء الملك يجب ألا يكونوا من ندمائه أو زملائه بل يجب أن تكون بينهم وبينه حواجز وأن يقابلوه وفقا لمواعيد مسبقة ليبقى هناك احترام بينهم يمنع إسقاط الرسميات، وليهابوه بموجب ذلك ويواظبوا على أداء أعمالهم خوفا من زوال هذا المنصب الذي كلفوا به.

كما أشار إلى أن هذه الحواجز تولد الثقة بين الملك ووزرائه وأن دور الندماء والزملاء هنا هو دور الوسيط الذي ينقل إلى الملك المعلومات عن حال المملكة والرعية وعن مدى قدرة وفعالية الوزراء في تأدية واجباتهم وتقديم المشورة متى ما طلبت منهم, مشيرا إلى أن النديم يجب أن يكون دبلوماسيا في تصرفاته وكاتما لأسرار الملك وفوق كل هذا ألا تكون له مصالح أو مآرب لتكون آراؤه التي ينقلها محايدة وغير منحازة.

ولنا في التاريخ غير البعيد أمثلة تؤكد ما ورد في هذا الكتاب, فقد خدم البلاط الملكي في إيران أيام الشاه محمد رضا بهلوي وزير للبلاط كان اسمه «أسدالله علم», خدم فيه البلاط الملكي من دون أن تكون لديه مطامع أو مآرب ما قارب الثلاثين عاما ولم تكن مقوماته مبنية على أية مصلحة أو بروز ذاتي، تنحى بعدها لأسباب صحية ليرى الشاه يعين رئيس الوزراء السابق «عباس هويدا» وزيرا للبلاط وهذا ما حدا به ليقول «وهل خلت البلاد من الرجال ليعين هذا وزيرا للبلاط؟» وكأنه كان يقرأ ماذا كان ليحصل للنظام الملكي في إيران ككل حيث إنني أذكر شخصيا أنني شاهدت الشاه يخاطب شعبه من خلال التلفاز ويعتذر لهم قائلا «لم أكن أعلم أن هذا كله كان يحدث في مملكتي» وهو ما ينطبق عليه المثل الدارج الذي يقول إن هذا هو العذر الذي هو أقبح من الذنب الذي اقترفه فإن كان يعرف بالمصائب التي كانت تعاني منها مملكته فقد كانت تلك مصيبة لعدم إيجاده الحل المناسب لها وإن كان لا يعرف عنها فهي الطامة الكبرى.

ولكن أنى للشاه أو أي ملك أن يكون في كل مكان وأن يعرف عن رعيته كل الأمور وأن يلبي مطالبهم إن كانت حقيقية، ما لم تكن لديه البطانة الصالحة التي تذكره إذا نسي وتعينه إذا تذكر حيث إن هذا يندرج تحت المسئوليات المناطة بالوزراء. ففي الثاني من إبريل من عام ١٩٨٢ هاجمت الأرجنتين جزر الفولكلاند البريطانية القابعة في جنوبي المحيط الأطلسي وكان وقتها اللورد كارينغتون وزيرا للخارجية البريطانية وكانت السيدة مارغريت ثاتشر رئيسة للوزراء في حزب المحافظين الحاكم فما كان منها إلا أن طلبت من اللورد كارينغتون أن يقدم استقالته من منصبه لفشله في أن يحذر الحكومة البريطانية من الهجوم المتوقع من الأرجنتين، حيث اعتبرت ذلك من صلب مسئولياته وزيرا للخارجية.

فمن مسئوليات الوزير أن يكون صدوقا في لسانه عدلا في دينه مأمونا في أخلاقه بصيرا بأمور الرعية «ومثال الملك والوزير السوء الذي يمنع الناس خيره ولا يمكنهم من الدنو منه كالماء الصافي فيه التمساح فلا يستطيع المرء دخوله وإن كان سابحا وكان إلى الماء محتاجا» - من كتاب سراج الملوك لكاتبه محمد بن الوليد الطرطوشي - وهناك مثل يقول «لا تغتر بمودة الأمير إذا غشك الوزير، وإذا أحبك الوزير فلا تخش الأمير».

ونهاية ما لنا هنا إلا أن نذكر من أبيات شعر صاحب الوزير «نظام الملك» ورفيق دربه الشاعر الفارسي «غياث الدين أبوالفتوح عمر بن إبراهيم الخيام» المعروف «بعمر الخيام» حين قال:

صادق من الناس كبار العقول واترك من الناس أهل الفضول

فاشرب زعاف السم من عاقل واسكب على الأرض دواء الجهول

* محام ومستشار قانوني







































.

نسخة للطباعة

خطاب مفتوح إلى بان كي مون

السيد بان كي مون، السكرتير العام للأمم المتحدة.بداية، إننا ندين التصريح الشاذ الذي أدلت به رئيسة مجلس ... [المزيد]

الأعداد السابقة