خطاب مفتوح إلى بان كي مون
 تاريخ النشر : الثلاثاء ٢٩ مايو ٢٠١٢
أنور عبدالرحمن
السيد بان كي مون، السكرتير العام للأمم المتحدة.
بداية، إننا ندين التصريح الشاذ الذي أدلت به رئيسة مجلس حقوق الإنسان لورا ديبي لاسر والذي زعمت فيه ان أشخاصا بحرينيين مشاركين في اجتماع المراجعة الدورية بمجلس حقوق الإنسان في جنيف قد تعرضوا لتهديدات.
هذا التصريح الغريب المستهجن لم يصدمنا نحن فقط في صحافة البحرين الوطنية، إنما صدم أيضا ممثلين محترمين لعديد من الدول مشاركين في الدورة.
ان السؤال الكبير الذي نطرحه هو: لماذا فعلت هذا؟ هل هي ضحية معلومات مغلوطة مضللة؟ أم انها جاهلة تماما بالبحرين وبما هو متاح فيها من حقوق وحريات واسعة في التعبير عن الرأي؟
لمعلوماتك الخاصة، إن الحريات المتاحة في البحرين ليست موجودة حتى في بعض الدول الغربية. ان هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم ممثلين لمنظمات المجتمع المدني أو المعارضة لديهم حريات كاملة في التعبير عن الرأي، والمشاركة في المسيرات والمظاهرات، وإجراء الأحاديث واللقاءات التلفزيونية، وكل صور التعبير عن الرأي، من دون أي قيود او شروط. هم يتمتعون بهذه الحريات الواسعة لدرجة ان الكثيرين يعتبرون ان الأمر تجاوز الحد حتى بالمعايير الأوروبية.
ولهذا، فإن هذا الاتهام الذي وجهته رئيسة مجلس حقوق الإنسان هو اتهام فارغ ومستفز ولا يستند إلى أي أساس على الاطلاق. ليس هذا فحسب، بل ان هذا الاتهام يكشف قلة وعي، ويكشف عن جهل مريع مفزع وسذاجة تصل الى حد الحماقة . والعجيب حقا ان يكون هذا هو حال مسئولة تحتل هذا المنصب الكبير الحساس.
لقد سبق ان أتيح لي شخصيا ان أحضر عديدا من الجلسات واللقاءات في جنيف. وقد كان أمرا مفزعا بالنسبة إلي ان اكتشف ان أروقة الأمم المتحدة مخترقة، تحت غطاء حقوق الإنسان، من جانب جيش صغير من الإيديولوجيين المتطرفين الذين يروجون عن عمد تام لمعلومات مضللة مغلوطة ويقومون بتمريرها الى المسئولين في الأمم المتحدة.
والحقيقة ان هذا الأمر بلغ حدا مفزعا من الخطورة. والأمم المتحدة إذا أرادت ان تحافظ على حيادها وعلى مصداقيتها، فإن عليها ان تشكل فريقا تكون مهمته التدقيق في المعلومات والحقائق المزعومة التي تقدم لمسئوليها، بحيث يميز بين الحقيقة والأكاذيب، وبين ما هو حقيقي وما هو من نسج الخيال، وبين ما هو دعاية مضللة وحقائق مؤكدة.
ولك ان تتصور التالي: في احدى الجلسات التي حضرتها وكانت مخصصة لمناقشة الأوضاع في البحرين، كان رئيس الجلسة مواطنا إيرانيا وهو احد رجال الدين الإيرانيين ويقيم في لندن! . وعندما التقينا ممثل بريطانيا، نصحنا بأن نكثف وجودنا في جنيف كي نستطيع التصدي للادعاءات التي يروج لها أمثال هؤلاء، وان نلتقي ممثلي مختلف الدول وخصوصا الدول الكبرى كي نوضح مواقفنا ونعرض آراءنا.
وفي احد الاجتماعات، تحدثت سيدة فرنسية تعمل طبيبة واحتجت على ذكر اسمها من جانب هؤلاء على اعتبار انها شاهدة على الأحداث في مستشفى السلمانية أثناء الأزمة في العام الماضي. هذه السيدة الفرنسية قالت إنها لم تزر البحرين أبدا، وان معلوماتها محدودة جدا عن حقيقة الموقف، وكل ما في الأمر ان لها اهتماما عاما جدا بأي شيء يتعلق بحقوق الإنسان. أكثر من هذا انها طلبت مني شخصيا الا اذكر اسمها لأنها تريد ان تظل بعيدة عن الإعلام.
الواجب كان يحتم على السيدة لاسر قبل ان تنطق بكلمة واحدة عن هذا الأمر ، ان تتأكد على الأقل من صحة ما وصل إليها من معلومات وان تسعى لمعرفة الحقيقة من بعثة الأمم المتحدة في البحرين، ومن المسئولين في وزارة الداخلية. كان عليها ان تفعل هذا بداهة ان كانت تريد الالتزام بمبادئ الحياد والموضوعية.
ان من الحقائق المعروفة في عالم اليوم ان هناك العديد من المنظمات الإرهابية تعمل تحت غطاء منظمات تزعم الدفاع عن حقوق الإنسان. لكن الأمر هو كما أوضحه وزير الداخلية في البحرين عندما قال: «ان القانون هو الذي يحمي حقوق الإنسان، لكن يجب ألا ننسى ان منظمات حقوق الإنسان ليست فوق القانون».
وكي نوضح وجهة نظرنا أكثر، فإننا نعتقد ان الأمم المتحدة يجب ان تكون لديها معايير وطرق محددة للتدقيق في خلفية أي شخص يشارك في مثل هذه الجلسات والمؤتمرات الدولية وتعرف حقيقة ارتباطاته. وتحقيق هذا ليس بالأمر الصعب.
ان ما قالته رئيسة مجلس حقوق الإنسان واتهامها الأهوج للبحرين شوّه سمعة بلد يبذل كل ما بوسعه وطاقته كي يضمن الحريات الشخصية وعلى أعلى مستوى. ولو لم يكن هذا هو حال البحرين، لما كان قد تم السماح لهؤلاء الأشخاص بان يغادروا البلاد أصلا ويصلوا إلى جنيف، ولما كان بمقدور هؤلاء ان يعودوا إلى البحرين وهم آمنون من دون ان يوقفهم أو يسائلهم احد أو يحقق معهم.
السيد بان كي مون المحترم.
ان الحرية لها قدسية وحرمة. واساءة استخدام الحرية هي جريمة مروعة ولها تبعات كارثية. ولأنك تحتل موقعا نعتقد انه يجب ان يعبر عن ضمير الأمم والإنسانية، فإننا نعتقد ان الواجب يحتم عليك ان تجري تحقيقا في الانتهاكات والخطايا التي يرتكبها بعض مسئوليك الكبار مثل هذا الذي ارتكبته رئيسة مجلس الحقوق الإنسان بحق البحرين.
وفي النهاية، أود ان ألفت نظرك إلى ما تعرفه بالضرورة من انه في مدخل بهو الأمم المتحدة في نيويورك، هناك مقولة منقوشة كتبت قبل اكثر من ٨٠٠ عام، كتبها الشاعر والفيلسوف سعدي الشيرازي، تصف حقوق البشرية، المعنى العام الواسع:
ان الخلق جميعا جوهرهم واحد ... هم جميعا من تراب أصلهم واحد
إذا أصيب عضو واحد منهم وتألم ... كل الأعضاء تشعر بنفس الألم
يا سيادة السكرتير العام .. اننا نطلب منك ان تتحرك وتوقف مسئوليك هؤلاء الذين لا يتحلون بأي قدر من المسئولية عند حدهم وما يتسببون فيه من «ألم للبحرين»، بشكل ظالم.
.
مقالات أخرى...
- قصــة نجـــاح - (11 مايو 2012)
- «فهي الشهادة لي بأني كامل» - (27 أبريل 2012)
- أسبوع البحرين فـي الإعلام الغربي - (21 يناير 2012)
- واعيباه.. هذا ليس من شيم العرب! - (10 أبريل 2012)
- رسالة مفتوحة إلى وزير خارجية الدنمارك - (9 أبريل 2012)
- ليس هذا وقته يا سادة!! - (5 أبريل 2012)
- «صحوة» روبرت فيسك - (29 مارس 2012)
- رحيل رمانة الميـزان - (19 مارس 2012)
- أين حق الأغلبية الصامتة؟ - (14 مارس 2012)