الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨٥ - الثلاثاء ٢٩ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٨ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


فرنسا تتقرب إلى إيران من بعد خسارة ساركوزي





تزامناً مع المحادثات الحاسمة في بغداد حول برنامج طهران النووي بين إيران والدول الست يبدو أن إيران وفرنسا تحرصان على إعادة ضبط علاقتهما المضطربة بعد خسارة الرئيس اليميني نيكولا ساركوزي المعادي لإيران بشراسة أمام الاشتراكي فرنسوا هولاند الذي من الواضح انه قرر ان يتبع سياسة اكثر ليونة مع الجمهورية الاسلامية.

يمكن رصد هذا التطور من خلال الزيارة المفاجئة التي قام بها رئيس الوزراء الفرنسي السابق ميشال روكار لطهران، بعد أقل من أسبوعين من الفوز الرئاسي المدهش لهولاند، ورغم ان الخطوة الأخيرة وضعت في خانة «الزيارة الخاصة»، فان اجتماع روكار مع كبار المسؤولين والمشرعين الإيرانيين ادى إلى إثارة استياء الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين تشعران بالقلق من أن تنحرف باريس عن محور واشنطن في الملف الإيراني، بعد أن كانت في صلب ذلك المحور طوال خمس سنوات متلاحقة خلال عهد ساركوزي.

«اورينت برس» أعدت التقرير التالي:

ظاهريا، لا شك أن حكومة فرنسوا هولاند ستحافظ على وحدة أهدافها مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا والقوى الغربية الأخرى المعنية بالمحادثات النووية مع إيران مع الإصرار على ضرورة أن تنصاع إيران لرغبة المجتمع الدولي بوقف تطوير برنامجها النووي.

لكن عمليا، سيكون هولاند وفريق السياسة الخارجية الذي يعمل معه أكثر ميلاً إلى اعتماد الدبلوماسية مع إيران ودعم الاقتراح الروسي الذي يدعو إلى تعليق برنامج التخصيب النووي الإيراني بشكل مؤقت ورفع العقوبات ضد إيران تدريجيا مقابل أن تضمن طهران شفافية نووية متزايدة.

موقف إيران

بشأن هذا الموضوع، عقدت إيران مع كبار المسؤولين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمراقبين النوويين من الأمم المتحدة محادثات حاسمة في العراق بهدف التوصل إلى إجماع لتهدئة مخاوف الوكالة بشأن برنامج إيران النووي، مثل الاشتباه في تنفيذ نشاطات متعلقة بتصنيع الأسلحة النووية في موقع بارشين العسكري.

وقد استخف المبعوث الإيراني إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، علي أصغر سلطانية، بالتقارير الإعلامية الغربية المتعلقة ببعض النشاطات في بارشين باعتبارها مجرد حملة ترويجية عدائية، وأصر على أن تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن موقع بارشين تتعلق بأحداث وقعت قبل ١٠ أو ١٢ سنة. بحسب قوله، لو كانت إيران تنوي طمس أي دليل، لكانت قد فعلت ذلك منذ فترة طويلة من دون أن تنتظر حتى الآن.

فرصة نجاح المفاوضات

ثمة فرصة أن يتوصل الفريقان إلى اتفاق حول نهج معين لتعزيز التعاون، وستحصل الوكالة الدولية للطاقة الذرية بذلك على الإذن بزيارة موقع بارشين واستنتاج عدم وجود أي أمر مشبوه على الأرجح، بعد أن استنتجت الأمر نفسه مرتين في السابق.

لا شك أن المحادثات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية في حال نجحت يمكن أن تحول الوهج لمصلحة إيران، ما قد يثير استياء السياسيين والمحللين الأمريكيين والإسرائيليين المصابين برهبة من إيران، لكونهم يريدون تغيير مسار المحادثات النووية الإيرانية من خلال إجبار الحكومات الغربية على تبني مقاربة متشددة تجاه إيران.

يبدو أن طهران بدأت تحرز بعض التقدم مع الاتحاد الأوروبي، لكن وجود مفوضة السياسة الخارجية كاثرين اشتون في تل أبيب هذا الشهر وأدلت بتصريح عدائي فيما يخص وقف برنامج إيران النووي، ما يتعارض بشدة مع سلوكها التصالحي خلال المحادثات النووية في اسطنبول في شهر أبريل. كما كان متوقعاً، ردت طهران بطريقة سلبية على الضغوط التي سبقت المحادثات، فحذرت من أنها قد تقضي على فرص محادثات بغداد، ذلك ان إيران تصر على أن برنامجها النووي له أغراض سلمية حصراً.

الرابط الفرنسي

في ظل هذه الأجواء المتقلبة والمشبوهة، تدخل باريس وطهران الآن في المراحل التمهيدية لخيار تحسين العلاقات الثنائية التي ترتبط بمجموعة من العلاقات والاعتبارات الأخرى التي تشمل التزام فرنسا المسبق بالمقاربة القسرية الراهنة التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي تجاه إيران. ومن المتوقع أن تبلغ تلك المقاربة ذروتها عبر فرض حظر نفطي على إيران من جانب الاتحاد الأوروبي في شهر يوليو إذا فشلت محادثات بغداد في إحراز أي تقدم ملموس.

في تلك الحالة، سيؤدي تصاعد التوتر مع إيران بكل بساطة إلى تزايد المشاكل الاقتصادية في منطقة اليورو المضطربة أصلاً، لكونها لم تعد تستطيع تحمل الصدمات الناجمة عن أزمة إيران التي تسبب ارتفاعاً هائلاً في أسعار النفط. لكن من ناحية أخرى، ربما أصبحت فرنسا وإيران على طريق فصل جديد من علاقتهما إذا أثمرت المحادثات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية ومهدت لإحراز تقدم ملموس في بغداد، ثم قد تقدم فرنسا التي خفضت حجم الطاقم في سفارتها بطهران في شهر ديسمبر الماضي على تغيير مسارها من خلال إعادة تفعيل جميع المنشآت التابعة لسفارتها، وقد تعيد إيران النظر أيضاً في قرارها بتعليق شحنات النفط إلى فرنسا.

ضبط العلاقات

صحيح أن فرنسا تتلقى ٣ في المائة فقط من وارداتها النفطية من إيران، لكن لا سبب يبرر عدم زيادة تلك النسبة إذا نجح البلدان في إعادة ضبط علاقتهما. لا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن هولاند يستطيع أن يجد شريكا جديا له خلال حواره مع طهران فيما يخص عددا من المسائل الإقليمية الأساسية مثل سوريا ولبنان وأفغانستان، في ضوء الوعود التي أطلقها هولاند خلال حملته بسحب القوات الفرنسية من أفغانستان في نهاية عام .٢٠١٢

تتعلق المسألة الأهم بقدرة الرئيس هولاند الذي لا يتمتع بأي خبرة سابقة في مجال السياسة الخارجية على تحمل الضغوط من زملائه في حلف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة، كي يعيد النظر في وعوده الانتخابية.

وكان هولاند قد واجه أول اختبار فعلي في مجال السياسة الخارجية خلال اجتماع حلف الأطلسي في شيكاغو هذا الشهر، وكان من المتوقع أن يركز ذلك الاجتماع في تنامي الفوضى في أفغانستان وتصاعد وتيرة الحرب الأهلية في سوريا. من بين القضايا المهمة الأخرى التي أثارت سخط موسكو، نذكر درع الدفاع المضاد للصواريخ في أوروبا، فضلاً عن تحديث إمكانات التسليم النووي في حلف الأطلسي من خلال الاتكال على القاذفات الأمريكية الجديدة.

تسود نزعة في أوروبا تتمثل في رحيل السياسيين اليمينيين المتساهلين الذين وضعوا الأمن القومي الأوروبي بين يد الأمريكيين، وينشأ في المقابل اتحاد أوروبي أقوى يريد أن يفصل نفسه عن المقاربة العسكرية العدائية الأمريكية والإسرائيلية. لقد أصبحت سياسة التحديث النووي التي يطبقها حلف الأطلسي عرضة للهجوم من جانب بعض المحللين الأوروبيين الذين اعتبروها مكلفة وغير ضرورية، مع أن وصفها الحقيقي قد يكون أخطر من ذلك.

ينطبق هذا الأمر تحديداً على الشرق الأوسط، حيث تتابع إسرائيل تلقي تكنولوجيا مهمة ومرتبطة بالأسلحة النووية من الغرب تزامناً مع تصوير نفسها كضحية للتهديد النووي المفبرك الذي تطرحه إيران.

المقاربة الفرنسية

استناداً إلى المعطيات الانف ذكرها، يبدو أن الحكومة الاشتراكية الجديدة في فرنسا عالقة بين أولويات متضاربة، وذلك نظراً إلى الدعم الاشتراكي الفرنسي القديم لإسرائيل. لكن بما أن إسرائيل تخضع اليوم لقيادة اليمينيين وبعض السياسيين المتوهمين الذين يريدون إنقاذ شعبهم، وفق ما ورد في الانتقاد الذي وجهه كبار المسؤولين في جهاز الاستخبارات الإسرائيلية لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أسوأ ما يمكن أن تفعله باريس هو دعم مقاربة نتنياهو العدائية تجاه إيران. سيؤدي ذلك إلى عواقب عكسية خطرة على الاقتصاد الأوروبي إذا لم تتم معالجة الوضع.

تقضي المقاربة الفرنسية الحذرة التي عكستها زيارة روكار لإيران ببناء جسور التواصل مع طهران والتأثير إيجاباً لحل الأزمة النووية الإيرانية عن طريق الدبلوماسية الحكيمة، وبالتالي التعويض عن انهيار فاعلية الدبلوماسية الراهنة في وجه الأزمة الإيرانية الخطرة.







.

نسخة للطباعة

خطاب مفتوح إلى بان كي مون

السيد بان كي مون، السكرتير العام للأمم المتحدة.بداية، إننا ندين التصريح الشاذ الذي أدلت به رئيسة مجلس ... [المزيد]

الأعداد السابقة