الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٩٠ - الأحد ٣ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ١٣ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

المال و الاقتصاد

على خلفية تغريم الكويت ٢.١٦ مليار دولار
«الشال» الاقتصادية تدعو إلى ضرورة
احترام التعامل مع قطاع النفط





في شهري نوفمبر وديسمبر من عام ٢٠٠٨، ثار جدل عنيف حول صفقة (داو كيميكال)، أو حول شراء الكويت حصصاً من أصولها، وخفضت قيمة الصفقة من ٩ مليارات دولار أمريكي إلى ٧.٥ مليارات دولار أمريكي يدفع منها ٦ مليارات دولار أمريكي، نقداً. وكان لنا رأي يومها، نشر في تقريرنا رقم (٥٠) المنشور في ٢١/١٢/٢٠٠٨، وخلاصة الرأي هي: تعيين لجنة من ثلاثة مهنيين، ذكرناهم بالاسم وبتكامل لتخصصاتهم، واطلاعهم على ما لدى مجلس الوزراء من دراسات ووثائق، وتبني رأيهم والدفاع عنه، إذا كان في صالح الصفقة أو في صالح إلغائها.

اليوم، وبعد أن حكمت هيئة تحكيم، بتغريم الكويت نحو ٢.١٦ مليار دولار أمريكي، غير الفوائد وأتعاب المحاماة، علينا أولاً استنفاد الجهود كلها متضامنين مع إلغاء الحكم أو تخفيض قيمته إلى حدودها الدنيا، وعلينا أيضاً، العودة إلى الجدل العاقل للإفادة من دروس الصفقة.

ونعتقد أن دراسة عاقلة لملابسات الصفقة لابد أن تستعيد الظرف التاريخي، الذي كان سائداً حينها، فالصفقة جاءت في ظروف أزمة مالية لم يخبرها العالم منذ ٨٠ عاماً، وكل ما يملكه من وسيلة قياس كان ما حدث بعد أزمة عام ١٩٢٩ المماثلة لها، وكانت تداعيات الأولى كارثية.

وللتدليل على الحجم المحتمل للتداعيات باستخدام مؤشرات رقمية، كان سعر برميل النفط الكويتي قد هبط من معدل ١٢٧.٤ دولاراً أمريكياً للبرميل، في شهر يوليو ٢٠٠٨، إلى ٣٧.٧ دولاراً أمريكياً للبرميل، لمعدل شهر ديسمبر ٢٠٠٨، وذلك يغني عن القول كم كانت السيولة شحيحة وفقدانها خطر، وكم كان ما حدث يمثل قوة قاهرة، ولو تحقق الأسوأ للاقتصاد العالمي، لكان الجدل في الكويت مغايراً.

وثانية مشكلات التاريخ، هي أن سجل أداء الاستثمارات النفطية الكبرى لم يكن مدعاة فخر، فسانتافي وبريتش بتروليوم ومصافي هولندا ومحطات توزيع الوقود في إنجلترا وغاز الجنوب وسرقة الناقلات، كلها كانت تتطلب إعداداً وعرضاً أفضل وشفافية كاملة لمبررات صفقة الداو، ورغم ثقتنا بأن فريق هذه الصفقة كان أفضل بكثير، فإن مثل هذا العرض لم يحدث. وحتى مع إلغاء الصفقة، الواضح الآن أن الإعداد القانوني لها لم يكن موفقاً، إذ لا يعقل أن يترك الشرط الجزائي مفتوحاً، وكان يفترض وضع بند يضع سقفاً، محدداً وهابطاً، ولا يتجاوز ١٠% من القيمة عند الإخلال بشروط في الصفقة أو نفاذها في ظروف عادية.

وأول دروس الصفقة، هي في ضرورة احترام التعامل مع قطاع النفط، فلو لم يتم إفساده أو تسييسه، أي تخريبه، لكان قرار استثماره منوطاً إلى درجة كبيرة به، ولأنه حظي، وللمرة الأولى بوزير متخصص، لنتركه يتحرى الأمر ويصدر تقريراً مهنياً ومحايداً حول ملابسات الصفقة. وثاني دروس الأزمة هو في الاعتناء بفرق الإعداد لمشروعات قطاع النفط، وفرق ملاحقة إنجازها أو دعاواها، فالصفقة ألغيت في ظروف أزمة كبرى وقاهرة، ولا نعتقد أن دفاع الكويت لدى هيئة التحكيم قد أجاد في تبيان آثارها على وضع السيولة في الكويت لو لم يتعافَ الاقتصاد العالمي. وثالث الدروس، هو استخدام ما نملك من وسائل ضغط على خصمنا، فالشركة أولاً، لم تتضرر وإنما استفاد مساهموها الآخرون من إلغاء الصفقة وخسرت الكويت، وللشركة استثمارات استراتيجية، في الكويت ومع الكويت، والشركاء لابد أن يراعوا مصالح بعضهما.

وأخيراً، وبعيداً عن السياسة، لابد من الحياد والصدق في تعريف الصفقة، فالجدل ما زال ملتبساً حول ماهيتها، ولابد من قول صادق لتعريف ما فاتنا منها، وهو بالتأكيد ليس الفرق بين أدنى سعر، وأعلاه، لسهم داو.

إن ما تحتاج إليه الكويت هو تغيير جوهري في النهج، فالمسؤولية بقدر السلطة، فسلطة الحكومة في قرار الصفقة كانت الأكبر، وهكذا هي مسؤوليتها، ومسؤولية قطاع النفط تأتي ثانية، فعرض المشروع بشفافية ومهنية وحياد أمر حيوي لمحو انطباعات التاريخ، وهو فعل القليل والمتأخر جداً، ومجلس الأمة ثالثاً، لأن واجبه هو دعم فصل السلطات، والمحاسبة على الأخطاء، وليس منع القرارات تحسباً من فسادها، رغم طغيان الفساد في ذلك الوقت. إن الخسارة الأكبر ليست في رقم التعويض، وإنما في خسارة تعظيم العائد من شراكة استراتيجية ترفع، كثيراً، مستوى التعامل مع قطاع الصناعات البتروكيماوية، وهو الهدف الثالث والمنسي في خطة التنمية، إذا كانت الصفقة ستؤدي ذلك، وهو جزء من عملية التحقيق والتقييم التي نحن بصددها.



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة