الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٩٧ - الأحد ١٠ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٠ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

أخبار البحرين

البلديات تتجاهل مسألة النظافة في الأسواق القديمة

مقاهي المنامة القديمة تحتضر وتنتظر التطوير





ما مدى دقة ما يتردد في سوق المنامة القديم، مقولة مفادها: «ان المقاهي الشعبية بسوق المنامة القديم تحتضر»، أي بمعنى ان لا زبائن لديها، فما مدى أهمية إبقائها على أحوالها أم تطويرها لتستقبل ما تود الغرفة التجارية عمله ضمن برنامج إنعاش السوق المزمع عمله من قبل المسئولين بالغرفة في المرحلة القليلة المقبلة بالإضافة إلى توجهات وزارة الثقافة في تجميل السوق بمكونات الماضي والتراث البحريني.

والحقيقة أن الزائر يرى وجود مواطنين ومقيمين، بعضهم يشربون الشاي، وبعضهم يدخنون النارجيلة، وبعضهم يلعبون الدومنة والورق، وآخرون لاهون في سرد ذكريات الماضي مع عدم نسيان الحاضر بحلوه ومره، وما ينتج عن ذلك من آهات وقهقهات.

«أخبار الخليج» أخذت جولة في بعض مقاهي سوق المنامة القديم، ومنها: مقهى الباصات، مقهى عبدالقادر في وسط السوق، قهوة الغنم، وقد جرى عليها تعديل في الأيام الأخيرة، وهي مقهى مشهورة ببيع كاسيتات الطرب والغناء أيام زمان، وحاليا معروفة بـ «بيع الخواتم»، ثم قهوة سكينة أو ما يعرف بمقهى (أم القدو) لكثرة من يدخن (القدو)، والأطرف يطلق عليها حاليا البعض «مقهى المجانين» مع الاعتذار لصاحب المقهى، وهو مقهى يقع تحديدا جنوب شارع الشيخ عبدالله في وسطه.

الجولة بهدف التعرف على واقع هذه المقاهي، وهل فعلا تحتضر؟ فبدى لنا ان المقاهي الشعبية بقدر أنها محطة لكسب الرزق الحلال لمالكها من جهة، فهي أيضا محطة للراحة لروادها من جهة ثانية، وعرفنا ايضا ان التطوير عامل مهم في ديمومتها، وإلا ستفقد ما تبقى لها من بهاء ومكانة وجمهور مقارنة مع ما قبل ٢٠ سنة أو أكثر حين كان لمقاهي سوق المنامة القديم والمحرق معنى وصدى.. وقد أجرينا حوارا مع بعض رواد السوق من اصحاب المحلات والمترددين عليها من المواطنين وخاصة المتقاعدين.

مقارنة مع مقاهي دبي

التقينا بـ «محمد المداوي» من أهالي البديع، وهو صاحب محل ترجمة وطباعة بحوث في السوق، وقال: لو قارنا (سوق المنامة القديم) بـ (سوق دبي القديم الذي يشمل سوقي مرشد ونايف) لوجدنا أن في دبي «دائرة اقتصادية» مسئولة عن كل الفعاليات والمهرجانات التي تنظم وتقام في هذا السوق، فهي الجهة المناط بها الاتصال بالجهات الرسمية من بلديات ومرور وغيرها، وما على التاجر إلا الاتصال بهذه الدائرة، وهي تتكفل بكل الترتيبات، أما هنا، فالمسالة تطول، وتنتهي الفعاليات من دون أن يعرف التجار واصحاب الأعمال عنها إلا القليل.

وتابع، لنلقي نظرة على ترميم سوق المنامة، نعم لقد صرفت الحكومة ممثلة بوزارة الثقافة عدة ملايين من الدنانير لتطوير السوق بدءا بـ (باب البحرين)، لكن كم سنة حتى أنجز المشروع، لقد أخذ سنوات حتى أنجز، وعليه تعطلت أعمالنا هذه المدة، ونفاجأ، والكلام لا زال لمحمد المداوي «أن السوق ولد ميتا»! وسألناه، ماذا تقصد؟ فأوضح، لما تعمل حديقة وتصرف عليها مبلغا كبيرا، وتزرعها بالورود، لكن ما الفائدة طالما الورود التي جلبتها هي ورود غير طبيعية.

ماذا بعد الإنجاز؟

وتابع، ها أنت أو غيرك يمشي في شارع (باب البحرين)، لكن السؤال: ماذا بعد الإنجاز؟ هل ارتفع البيع؟ هل زاد إقبال الناس في الحضور إلى هذا المكان، أي ماذا بعد مرحلة إنجاز الهندسة والديكور؟ فلم أعرف ماذا أقول له، إذ انه وغيره محقون في التعبير عن رأيهم من جهة، والواحد يقدر شعورهم في ديمومة الخسارة بعد التضحية والانتظار؟ وواصل حديثه بالقول: «حينما أسافر إلى مصر، اذهب إلى حي الحسين»، وحينما أذهب إلى الكويت، اذهب إلى «سوق المباركية» وحينما اذهب إلى تركيا سواء في اسطنبول او أنقرة لا يفوتني ان أرى أسواقهما القديمة، فللأسواق القديمة نكهة خاصة، وعبق متميز لا تجد له مثيلا في المجمعات الحديثة.

وأماط اللثام مسترسلا في ذكر قصة، قالها صديق له من دولة قطر ؛حينما سأله كيف حال «سوق واقف» عندكم؟ فأجاب: «سوق واقف» عمل جميل لكن ليس مثل سوق المنامة القديم عندكم، فيه المقاهي القديمة، محلات العطورات، البخورات، البهارات، الحلوى، الملابس، الشنط، الأحذية وغيرها, بصورة عبقة تحكي عن تاريخ شعب عاش على هذه الأرض، مارس هذه المهن واسترزق منها، وواصل الطمأنة على حياته ومستقبله.

واختتمنا الحديث معه حيث طال الحديث، وقال: في سوق المنامة، البلديات لا تأتي إلى السوق، وتتأكد من نظافة المحلات أو تراقب الباعة المتجولين، الإيجار لمواقف السيارات الجديدة التي بنيت في السنوات القليلة الماضية (ساعة الوقوف بـ ٣٠٠ فلس)، وهذا مكلف بالنسبة الى المواطن العادي أو من يعمل في السوق، هذا عدا خلو السوق من مرافق صحية، وبالمقابل يقوم الآٍسيويون بالتبول ورمي المخلفات في المساحات الفارغة، وطلبنا منه عدم ذكر المزيد من الفضائح.

نكهة المقاهي

ومن جانب آخر، في حديث مع (عبدالقادر الفليج)، وهو رجل أعمال بيع ملابس جاهزة منذ اكثر من ٤٠ سنة، وطلبنا منه أن يعلق على موضوع مقاهي سوق المنامة، فقال: «أوافق الرؤيا بأن مقاهي أسواق المنامة لم تعد بذلك المستوى» وذلك على اساس ما انتهت اليه هذه الأماكن مقارنة مع المقاهي الحديثة من أمثال: ستار بوكس، كوستا كوفي، نيويورك كوفي وغيرها، لكون هذه الاماكن الجديدة تفتقد النكهة الأصيلة، وعليه تظل للمقاهي الشعبية نكهتها ومكانتها بين المواطنين الكبار في العمر بلا منازع.

وسألناه، ما هو السر في اجتذاب المقاهي الحديثة الشباب فأجاب، السر يكمن في توافر وسائل الاتصالات الحديثة، بالإضافة إلى السماح للبنات بالحضور وشرب الشاي أو الكوفي سواء لوحدهم أم مع زملائهم أو زميلاتهم، وهذا الامر غير متوفر في مقاهي المنامة الشعبية، كما أزاح عن أمر آخر جعل من المقاهي تحتضر حسب رأيه أن أهالي المنامة معظمهم ترك المنامة، واستقر في مناطق أخرى، وما بقي إلا المتقدم في العمر الذي يصعب عليه التواجد في هذه المقاهي مثلما كان أيام الشباب.

مقهى للكويتيين

وهل لك ذكريات مع بعض من مقاهي المنامة، فقال: لا زلت اذكر انه بعد غزو العراق للكويت (في التسعينات من القرن الماضي)، فتح عزيز كازروني مقهى جميلا في مجمع يتيم في الطابق الثاني، والغريب أن هذا المقهى استقطب الكويتيين الذين جاءوا إلى البحرين حينها على مدى ٦ شهور (فترة الاحتلال)، فسألناه: لماذا؟ فقال: لكونه عرف حقيقة كيف يتعامل معهم في توفير نوع الشاي الذي يريدونه (شاي الغوري)، شاي الزهورات، شاي ولد الثور مع الإستكانة والسكر المنفصل «بالإضافة إلى عصائر خفيفة، باقلاء، نخي ساخن وغيرها، هذا عدا السماح للرجال وللنساء والعوائل بالاختلاط، ثم استدرك متسائلا: لكن أين هو عزيز كازروني؟ ما هو مصير مكانه؟ انتهى لأن صاحب المبنى طمح في تأجير المكان، وتحويله الى مكان لبيع الشنط والثياب وغيرها.

اقتراحات للتطوير

وماذا تقترح لإعادة الحيوية في مقاهي المنامة القديمة، فأجاب: أقترح عمل هذه المقاهي نقاط جذب لمختلف رواد السوق وغيرهم للراحة والتوقف والتعرف على شعب البحرين والقراءة عن ماضي البحرين وسوق المنامة وغيرها، وتحويل مكتب البريد القديم (أمام باب البحرين) بالضبط إلى مقهى يجذب السياح المارين بهذا الشارع، تقديم يد المساعدة إلى اصحاب المقاهي الحالية لترميمها وعملها بعبق الماضي الممزوج بنكهة الحاضر والسماح للجنس الآخر بالعمل في هذه المقاهي كما هو موجود في بعضها في الوقت الراهن.

وفي الختام، نقول: «ان المقاهي الموجودة بالمنامة لم تتراجع لدرجة الاحتضار، لازال لها جمهورها وروادها وعشاقها».. والباقي يعتمد على توجهات كل من وزارة الثقافة، التي بدأت فعلا في تحسين مشاهد السوق وطرقاته، أما لجنة تطوير سوق المنامة بغرفة التجارة والصناعة، فقد لاحظنا ان العتب عليها كبير والنقد لها كثير من قبل اصحاب المحلات ورواد المقاهي.



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة