الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥١٤ - الأربعاء ٢٧ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ٧ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

زاوية غائمة


فشل الانقلاب وطارت البعثة الدراسية





فشلت المحاولة الانقلابية التي قادها العميد الشهيد محمد نور سعد، ليس لتقاعس مقاتليه، ولكن لأن بعض السياسيين الكبار الذين وعدوه بالمدد تخاذلوا وخذلوه، وجرى الدم شلاّلات في الخرطوم، فقد استبسل الانقلابيون حتى أبيدوا، وتعرض من وقع منهم في الأسر للإبادة في منطقة الحزام الأخضر، وكان من أتعس لحظات عمري عندما عرض التلفزيون السوداني لقطات لمحمد نور سعد وهو خلف القضبان، كان أمر «إعدامه» محسوما، ولكنه كان يتحرك داخل الزنزانة رابط الجأش وليس على وجهه الوسيم أثر لخوف أو رعشة.. ربما كان حزينا بسبب فشل المحاولة، أو غاضبا لأن هناك من خذله، ولكنه قطعا لم يكن خائفا.. وقد تم إعدامه بالفعل بعد محاكمة لم تستغرق سوى بضع دقائق كما حدث مع انقلابيي ١٩ يوليو ١٩٧١: أنت فعلت كذا وكذا وبالتالي صدر عليك الحكم بالإعدام.. ويصدر حكم ضد آخر بالسجن المؤبد، ويتم تمرير الحكم الى الرئيس نميري الجالس في غرفة قريبة من المحكمة، في سلاح المدرعات في منطقة «الشجرة» للمصادقة عليه، فيرفض ويعيد القرار الى المحكمة فيتحول قرار السجن الى إعدام.

كان معنا في إدارة التلفزيون التعليمي عامل صغير السن من غرب السودان اسمه حامد، وكان ذكيا ومحبوبا.. وبما أن الإدارة كانت تتألف من معلمين لمختلف المواد فقد بدأنا «تدريسه» ليجلس لامتحان الشهادة الثانوية، ليدخل الجامعة او ينال وضعا وظيفيا أفضل، ولأنه لم يكن لديه أقارب في اي من مدن العاصمة السودانية الثلاث، فقد سمحت له الإدارة بالنوم ليلا في مكاتبها، ثم جاءت محاولة ٢ يوليو ١٩٧٦ الفاشلة تلك، التي كان قوام مقاتليها مدنيين كما أسلفت، وعندما وصلت القوات الموالية لحكم جعفر نميري مبنى التلفزيون أسرت من حسبتهم من المجموعة الانقلابية، ومعهم حامد، وكان «شكل» حامد يدينه، فقد كان واضحا من ملامحه انه غرباوي أي من غرب السودان، واي محاولة انقلابية في السودان يقودها أبناء الغرب تسمى مؤامرة عنصرية دنيئة، مما يعني ان حق الانقلاب او محاولة الانقلاب حق حصري لأبناء حوض النيل الشمالي المهم أن حامد وجد نفسه صباح اليوم التالي على حافة خندق مع عشرات الناس في مواجهة كتيبة إعدام، وفجأة تقدم نحوه جندي وسأله: شنو جابك هنا يا حامد؟ فقال له حامد إنه لا يعرف سببا لوجوده هناك.. لحسن حظ حامد كان ذلك الجندي قد رآه وتآنس معه مرارا لعدة أشهر عندما كان ضمن القوة المكلفة بحراسة مبنيي الاذاعة والتلفزيون، ونجح الجندي في إقناع الضابط المشرف على عمليات الإعدام بأن حامد ليس من المجموعة الانقلابية، وهكذا أنقذه من موت كان وشيكا.

يبدو كلامي أعلاه كسيناريو فيلم هندي، ولكنها حقائق معروفة لدى آلاف السودانيين، ويا ليت الزميل احمد منصور يستضيفني في حلقة من برنامجه «شاهد على العصر»، وأنا أضمن لكم أن حاجبيه سيظلان مرفوعين من الدهشة لما سيسمعه مني عن تلك الحقبة من عمر السودان طوال الحلقة.. وكان حزني عظيما على من قتلوا وفاجعا لأن كل انقلاب فاشل يجعل قبضة نميري على زمام الأمور والرقاب أكثر إحكاما، ولأنه حدث أمر لم يخطر لي على بال، وهو ان فشل الانقلاب «أفشل» سفرنا الى لندن للدراسة.. وما علاقة انقلاب فاشل بسفر عدد من السودانيين للدراسة في بريطانيا؟ الإجابة السهلة هي أن أبا الجعافر «منحوس».





jafabbas١٩@gmail.com



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة