الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٢٦ - الاثنين ٩ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١٩ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

التحقيقات


استخدام المضادات الحيوية بعشوائية.. قضية تستفحل بين المواطنين والمقيمين





أصبح استخدام المضادات الحيوية بمثابة الهوس الذي أصاب المرضى، حتى وصل بهم الأمر إلى الإفراط في استخدامها بطريقة عشوائية، من دون الالتفات إلى ما تتركه على صحتهم من نتائج سلبية، وقد وصل الأمر إلى ان أودت بحياة بعض مستخدميها من دون وصفة طبية، وأصيب آخرون بمضاعفات مرضية خطرة.

والمشكلة الحقيقية تكمن في السماح ببيع المضادات الحيوية في الصيدليات من دون وصفة طبية في الدول العربية والخليجية كافة بما فيها مملكة البحرين ماعدا دولة الكويت، وهذا الأمر الخطر دفع بالمختصين في دول الخليج والدول العربية إلى الاتفاق والتخطيط لإصدار قرار بمنع شراء المضادات الحيوية أيا كانت إلا من خلال وصفة طيبه معتمدة من الطبيب المختص، ولكن هذا القرار لايزال حبيس الادراج.

مؤتمر طبي متخصص عقد في البحرين وكان الأول من نوعه في إلقاء الضوء على المضادات الحيوية والأمراض المعدية والالتهابات وكيفية الوقاية منها ومكافحتها وانطلق تحت شعار (مؤتمر البحرين الطبي الأول للأحياء الدقيقة والأمراض المعدية والالتهابات)، وأقيم بالتعاون بين وزارة الصحة والخدمات الطبية الملكية وشارك فيه أكثر من ٣٠٠ مختص في هذا المجال.

أخبار الخليج تابعت المؤتمر وكان لها عدة لقاءات على الهامش مع مشاركين ومختصين أدلوا برأيهم في هذا المجال خلال السطور التالية:

في البداية تحدثت رئيسة مجموعة التمنيع بإدارة الصحة العامة الدكتورة جليلة السيد عن أهمية اللقاحات في القضاء على الأمراض وضرورة إصدار قانون لمنع صرف المضادات الحيوية من دون وصفة طبية قائلة: يجب العمل سريعا على إصدار قانون لمنع صرف المضادات الحيوية في صيدليات المملكة إلا بوصفة طبية معتمدة من الطبيب المختص للحد من صرف الأدوية بشكل عشوائي وتقليل الكلف الاقتصادية الناجمة عن ذلك ومنع انتشار العدوى المقاومة مثل فٍَّْ، نظرا لان اللقاحات تعد من أهم التدخلات للوقاية من الأمراض المعدية، لأنها تستهدف المرض قبل الإصابة به، حتى نستطيع بناء جهاز مناعي لدى الإنسان كي لا يصاب بالميكروب عند التعرض له، ويتجنب المضاعفات التي تترتب عليه، وقد لاحظنا خلال العقود السابقة قلة المرض والوفيات بسبب الأمراض المعدية المستهدفة بالتطعيم، ويعود ذلك إلى توافر اللقاحات ذات الجودة العالية بجميع المراكز الصحية، بالإضافة إلى الوعي المجتمعي، وإدخال هذه الخدمات إلى البحرين حاليا، وعلى سبيل المثال فان مرضى التيتانوس والدفتيريا لم يعد لهم وجود في المملكة منذ الثمانينيات، بسبب استكمال اللقاحات واخذ الجرعة المنظمة حيث يتم تطعيم الأطفال بالجُرَع الأولية، وعند سن المدرسة، كما يتم تطعيم المراهقين بجُرع منشطة، هذا بخلاف تطعيم الحوامل لوقاية مواليدهن من الإصابة بالتيتانوس او (الكزاز الوليدي).وداعا للحصبة

وتكمل كما ان البحرين بصدد التخلص من مرض الحصبة حيث لم يتم تسجيل أي حالة مستوطنة خلال العامين السابقين، وذلك ليس لغياب الفيروس المسبب للمرض، بل لوجود المناعة المجتمعية عن طريق اخذ اللقاحات والترصد لهذه الأمراض، التي يتم إدخالها في ضوء دراسات تحدد مدى احتياجنا لهذه اللقاحات، وقد تم إدخال لقاح (الروتا، والنيمو كوكال المدمج) وتجرى حاليا دراسة لتحديد عبء الإصابة بفيروس (ضذب) المسبب لسرطان عنق الرحم ومن ثم يتم تقدير مدى الاحتياج لإدخاله، كما يتم تطعيم الفئات العمرية المختلفة التي تتضمن كبار السن في دور الرعاية باللقاحات اللازمة لضمان وقايتهم من الأمراض التي يكونون أكثر عرضة لمضاعفاتها بسبب العمر مثل لقاح الإنفلونزا ولقاح النيمو كركال.

وعلى جانب متصل قال اختصاصي الطب الباطني والأمراض المعدية ومكافحة العدوى بمستشفى قوة دفاع البحرين الدكتور مناف محمد القحطاني ان نسبة مقاومة المضادات الحيوية تفوق ٤٠% بالعسكري، مشيرا إلى ان هذا المؤتمر يعد خطوة مهمة لمستقبل الطب في المنطقة ويستعرض اخر المستجدات الطبية في الوقاية والتشخيص والمعالجة في الأحياء، ويشير إلى اننا نعيش حاليا في عصر الأوبئة مثل إنفلونزا الطيور والخنازير وغيرهما، ونأمل ان نستفيد في علاج هذه الأوبئة وما يستجد منها من العقاقير الطبية وخاصة المضادات الحيوية، وقد كان المرضى يموتون في السابق قبل ظهور البنسلين، وللأسف الآن أصبحوا أيضا يموتون من استخدام المضادات الحيوية من دون وصفة طبية إذ أصبح الصيدلي يحل محل الطبيب في وصف الدواء وصرفه للمريض، ولذلك يجب تقنين المضادات وعدم استخدامها بعشوائية لان بعض الأمراض إذا لم تعالج بشكل صحيح تكون نتائجها سيئة مثل مرض السكري الذي يؤدي إلى التهابات القدم التي قد تصل إلى الغرغرينا، وأيضا السل فنظرا لأنه مرض معد إذا لم يعالج بشكل صحيح كانت عواقبه سيئة جدا.

وأشار القحطاني إلى انه لابد ان يكون هناك تعاون بين وزارة الصحة ممثلة في إدارة مراقبة الأدوية للسعي إلى وضع قوانين وتشريعات تحد من حجم استهلاك الأدوية والعمل على زيادة التوعية بمجال التعريف بالأضرار التي تسببها المضادات الحيوية والتي قد تؤدي إلى مضاعفات خطرة جدا وتشجيع التواصل بين الأطباء العاملين بهذا المجال محليا وخليجيا لإيجاد البحوث والتقارير المشتركة في المجال ونشرها عالميا وخصوصا ان علم الأمراض المعدية هو علم حديث على دول العالم والخليج ويكلف مبالغ طائلة للمرافق التي تقدم الخدمات الصحية للمرضى، منوها بضرورة إقرار خطة خليجية لمراقبة صرف الأدوية وخصوصا المضادات الحيوية في المراكز الصحية والمستشفيات من قبل الأطباء العاملين في البحرين ومتابعة الأطباء في هذا الجانب.

الميكروبات والالتهابات

وأشارت استشارية الأمراض المعدية ورئيسة قسم مكافحة العدوى بالسلمانية الدكتورة جميلة السلمان إلى ان الميكروبات هي السبب في وجود الكثير من الالتهابات مثل التهابات الدم والبول والرئة والالتهابات المصاحبة للدخول في المستشفيات التي أصبحت قضية مؤرقة للقائمين على النظام الصحي في البحرين، مفيدة أن نسبة انتشار هذه الالتهابات في مستشفيات المملكة تقدر بـ ١٠ بينما سجلت نسبة التهابات الجراحة اقل من ٤%.

وقالت السلمان ان أسباب انتشار الميكروبات خلال الفترة الحالية هي زيادة الحالات المعقدة وضعف المناعة والزيادة غير المبررة لاستخدام المضادات الحيوية، وعدم متابعة قوانين مكافحة العدوى بالمستشفيات حيث تصل نسبة الاستخدام غير السليم للمضادات الحيوية إلى ٣٠%، مشيرة إلى ان الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية يؤدي إلى ظهور سلالات جديدة مقاومة للمضادات كما الإنفلونزا وظهور حالات جديدة منها، ولذلك يجب إيجاد قوانين وشرائع للاستخدام السليم للمضادات الحيوية لمواجهة كل هذه الأمراض.

فيما أكدت الأستاذة بكلية الطب بجامعة الكويت البروفيسورة الدكتورة إيمان محمد مقدس ان ظهور سلالات جديدة من البكتيريا في منطقة الخليج والشرق الأوسط يأتي بسبب الاستخدام غير السليم في صرف المضادات الحيوية، وعدم الترشيد في استخدامها، مما أدى لظهور هذه السلالة الجديدة من البكتيريا المقاومة للمضادات التي نراها في المستشفيات، حيث تظهر في العديد من المرافق العامة، مضيفة أن هذا النوع من البكتيريا يختلف عن الأنواع المعروفة وقد تصل نسبة مقاومة هذه البكتريا من ٤٠ ؟ ٥٠% الأمر الذي ينتهي بفشل العلاج الإكلينيكي في حالات العدوى المختلفة.

وأكدت ان هذه المشكلة ليست خليجية فقط بل هي ظاهرة عالمية على الرغم من حرص الدول الغربية على ترشيد استخدام المضادات الحيوية، مشددة على ضرورة أن تتبع دول الخليج سياسة موحدة لترشيد استخدام واستهلاك المضادات الحيوية والتوعية الصحية للمرضى والأطباء لخطورة الوضع الحالي حيث بإمكان أي شخص شراء ما يريده من المضادات مباشرة من الصيدليات وهو بحد ذاته يكفي لتدمير مفعول المضادات الحيوية حاليا التي تعتبر قليلة العدد والكيف وبدوره ينتهي لفقدانها للمفعول العلاجي لها، مبينة ان الكويت هي البلد الخليجي الوحيد الذي يطبق سياسة منع صرف المضادات الحيوية إلا من قبل الطبيب المختص ومن خلال وصفة طبية معتمدة.

المناعة

أما استشارية الأمراض المعدية للأطفال ونقص المناعة ومكافحة العدوى بالمستشفيات بمجمع السلمانية، والطبيبة الوحيدة على مستوى مملكة البحرين الحاصلة على الدكتوراه في مكافحة عدوى المستشفيات الدكتورة هدى الأنصاري فتقول: توجد الميكروبات البكتيرية في المستشفيات وتكون مقاومة للمضادات الحيوية المستخدمة بكثرة نظرا لان المستشفيات بها الكثير من الأمراض المستعصية التي تحتاج إلى علاج فترات طويلة، ونظرا لان الأدوية تؤثر في مناعة المريض، يتم إعطاؤه مضادات حيوية حتى يكتسب المناعة الكافية لدرء هذه الميكروبات، ونتيجة للاستخدام الطويل لهذه المضادات تبدأ الميكروبات مقاومتها، وبالتالي نتج عن ذلك علم مكافحة العدوى داخل المستشفيات وتم وضع أسباب ومسميات ونتائج ومضاعفات جميع مكونات المستشفى وليس المريض فقط، أي ان تصميم مبنى المستشفى وتجهيز الغرف يعتمدان على نوعية المريض الذي يتم علاجه في هذا القسم وبناء على احتياجاته من الأدوات المستخدمة في علاجه، حتى مكان المكيفات والماء والتهوية تلعب دورا في تجهيز القسم الذي سيستقبل المريض.

بالإضافة إلى وجود مختبرات مجهزة قادرة على اكتشاف الميكروبات وعمل مزارع لتحديد كيفية القضاء عليها وفي النهاية يأتي دور الطب والممرضين والعاملين بالمستشفيات في اتباع أنظمة التعامل مع المريض، وزواره، والأدوات التي يستخدمها، وكيفية التخلص من مخلفاته، والتعامل مع العمليات الصغيرة اليومية التي يتم إجراؤها له مثل سحب الدم وخلافه، والتعامل مع نفايات المريض الشخصية، وكل هذه الأشياء تتعلق بالسيطرة على الميكروبات، وأخيرا استخدام المضادات الحيوية بالطريقة والجرعة الصحيحتين، تبعا لذلك ينتج عنها التقليل من عدوى المستشفيات وبالتالي تقليل أو تحديد فرص وجود الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية.

وعن الحل تقول الدكتورة هدى الأنصاري لدينا رزمة من الحلول جميعها تتكاتف للحد من انتقال الأمراض المعدية داخل المستشفيات، ولكن يجب ان يتعامل المسئولون مع هذا العلم بقدر من التفهم لتطبيقه على كل الكوادر العاملة في المستشفيات.

الجراح والمضادات

ويؤكد استشاري الأمراض المعدية والعناية المركزة الدكتور طارق الموسوي ضرورة توعية العاملين بالمرافق الصحية والمرضى لتجاوز سياسة الإرضاء، نظرا لان المريض يكون مهيأ نفسيا لان يحصل على مضاد حيوي ويصمم على ذلك، ويكون احد عوامل إرضائه من قبل الطبيب هو إعطاؤه ما يريد.

ويكمل المضادات الحيوية لا يوجد بها نوع ضعيف المفعول واخر قوي، ولكن تتوقف على نوع المرض ومدى صلاحية المضاد لعلاجه، كما ان بعض المرضى وخاصة المقبلين على إجراء عمليات جراحية يعتقدون ان المضاد يساعد على شفاء الجروح، وهذا غير صحيح ولكن الطبيب يعطي المريض جرعة من المضاد قبل إجراء العملية الجراحية كوقاية له كي لا يتعرض للإصابة بأي ميكروبات ويكون المضاد مدة يوم واحد فقط، والجروح تلتئم بشكل طبيعي خلال فترة محددة، أما من لا تلتئم جروحه فذلك بسبب عوامل أخرى كإصابة جرح المريض بالتهابات بسبب عدوى بكتيرية.

وعن علاقة الجراح بالعلاج بالمضادات الحيوية يقول الطبيب الجراح بمستشفى الملك حمد الجامعي الدكتور احمد الشهدا الجراحة تقدمت تقدما كبيرا وأصبح التدخل الجراحي يتم بأقل تدخل جراحي، لأنها تعتبر مثل الإصابة أو الحادث الذي يترك أثرا في جسد المريض، ولذلك نحاول تقليله بأقل تدخل جراحي، فتم اختراع القسطرة والمناظير، ولذلك نصرف للمريض جرعة مضاد حيوي كعلاج مدة يوم واحد قبل إجراء العمليات الجراحية لتقليل الالتهاب، ولا يوجد جراح يدخل المريض حجرة الجراحة من دون هذه الجرعة من المضاد الحيوي.

وفي السياق نفسه يقول استشاري ميكروبيولوجي بمستشفى السلمانية الدكتور هشام عزت الميكروبيولوجي هو علم الميكروبات الدقيقة والمناعة والبكتيريا المسببة للالتهابات، ودراسة نوع المضاد الحيوي وطريقة عمله وتوجيه العلاج به بالطريقة المثلى يؤدي إلى سرعة استجابة المريض واختفاء الالتهاب من دون ظهور بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية التي تشكل خطرا داهما على الصحة للمريض ذاته أو لغيره وللمجتمع، وهنا يجب علينا دراسة البكتيريا المسببة للالتهابات في البيئة، مما يعطينا ثروة من المعلومات عن مسببات العدوى ومدى تأثرها بالمضادات الحيوية المختلفة مما يسهل اختيار أسلوب العلاج الأمثل، كذلك ترشيد استخدام المضادات عن طريق السياسات المختلفة وتوعية وتدريب الأطباء المعالجين على استخدامها، مما يؤدي إلى محاصرة العدوى والتحكم فيها ومنع ظهور «عطارات» من البكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية التي يكون علاجها أصعب بكثير وفي بعض الأحيان شبه مستحيل.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة