الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣١ - السبت ١٤ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٤ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


المكرسون للبيروقراطيات





لم يقابلني (إلا نادرا)، طيلة العقدين اللذين عملت خلالهما بالصحافة البحرينية، أن يعتذر الطرف المتلقي مكالمتي الهاتفية سواء كان هذا الطرف، وزيرا أو مسئولا ممن يطلقون عليهم لقب (الكبار)، من ذوي العلاقة بالمجال الاقتصادي، ولم يصادفني إلا نادرا، من يحاول تعقيد الأمور، ووضع العقد أمام المنشار، طالبا إرسال الأسئلة التي أريد الاستفسار عنها منه في الدولة، للاطلاع عليه قبل التقائه.

ولكن، كثيرا ما يحدث أن نتخطى جميع الخطوط التي يمكن أن يعتبرها الكثيرون في دول أخرى خطوطا (حمراء)، ونجري مكالمات هاتفية عاجلة ومباغتة للحصول عن أجوبة لأسئلة طارئة، على وزراء ومسئولين كبار في الدولة، أيام العطل الرسمية، دون أن نجد تبرما أو انزعاجا منهم، حتى إذا كانوا وقت الاتصال بهم خارج حدود الوطن أو مشغولين في اجتماعات رسمية أو في تقضية حاجات من حوائج عائلاتهم.

في بعض الحالات، نجد منهم من يطلب إلينا في أدب جم يشعرنا بالخجل من أنفسنا لما سببناه لهم من حرج، يطلب أن نمهله لربع ساعة أو نصف ساعة، لانشغاله بمهمة من المهام الموكلة إليه، ثم نجده يبادر ويعاود الاتصال، قبل انتهاء المدة القصيرة التي طلب منا إمهاله خلالها.

ذلك، ليس انطباعا فرديا أنفرد به، بقدر ما هو انطباع الغالبية من زملائي العاملين بأقسام المال والأعمال في مختلف الصحف اليومية التي لا تخلو ـ إلا نادرا ـ من تصريحات لهؤلاء المسئولين الذين سخرهم إحساسهم بالمسئولية، أن يلبوا لنا مطالبنا مهما كانت الظروف والأوقات التي نكون فيها معهم على اتصال.

ولا يحدث (إلا نادرا) أن يتخطى وزير أو مسئول من كبار المسئولين في الدولة، الحاجز الإعلامي، دون أن يتوقف ويتأنى في وقفته مع الإعلاميين، حتى يستنفدوا كل

من هؤلاء، أذكر على سبيل الأمانة، رئيس مجلس الشورى وزير التجارة السابق علي بن صالح، وزير الطاقة الدكتور عبدالحسين بن علي ميرزا، محافظ المصرف المركزي رشيد المعراج، المدير التنفيذي لرقابة المؤسسات المالية في مصرف البحرين المركزي عبدالرحمن الباكر، المدير التنفيذي للرقابة المصرفية خالد حمد، مدير سوق البحرين للأوراق المالية فؤاد راشد، والقائمة تطول وصولا إلى وكلاء الوزارات الذين يبادرون حقيقة بإطلاع وسائل الإعلام على آخر وأهم الأخبار في مختلف وزاراتهم ودوائرهم التي يعملون بها، ولن أنسى هنا ذكر، وكيل الوزارة المساعد للشئون الاقتصادية بوزارة المالية رئيس مجلس إدارة البورصة يوسف عبدالله حمود، وكيل وزارة المالية المساعد للموارد والمعلومات إسماعيل عبدالنبي المرهون، وغيرهم الكثيرون ممن، يقدرون حجم المسئولية التي يحملونها، ويخلصون في الأعمال الموكلة إليهم بها من قبل الدولة والقيادة، ويخلصون في تأديتها بأمانة لمن يطلبها مهما كانت الظروف.

ليس كلاما عاما ما أنقله هنا من شهادات لأشخاص استحقوا أن نشهد لهم بأمانتهم وصدقهم مع أنفسهم أولا، ثم مع الآخرين، بقدر ما ننظر إليه على أنه سلوك وتصرف مهني عال جدا، قبل أن يكون سلوكا أخلاقيا والتزاما بأداء الأمانات، فالمسئولين الذين يساهمون ــ على النقيض من هؤلاء الذين نقدرهم حق قدرهم ـ المسئولين الذين يساهمون في تعقيد و(وضع العقد أما المنشار) بصورة أو بأخرى، في إيصال المعلومة إلى الإعلامي وعبره إلى الجمهور في الشارع في الوقت الذي يحدده الإعلاميون وبالكيفية التي يريدونها، هم في الحقيقة يكرسون نوعا من البيروقراطية المقيتة التي لا تخدم لا الدولة ولا تطلعات القيادة التي وضعت فيهم ثقتها، ومكنتهم من المراكز والمسئوليات التي يشغلونها.

هم باختصار يؤخرون كل محاولة لدفع الدولة والسياسات الاقتصادية الرامية إلى إحداث التنمية العامة التي تعمل القيادة على تحقيقها.. إنهم ببساطة، كالسابحين ضد التيار.





عبد الرحيم فقيري



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة