الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣٦ - الخميس ١٩ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٩ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


أوروبا تشرع مقاطعة بضائع المستوطنات الإسرائيلية





تحت عنوان "أوروبا تستطيع مقاطعة منتجات المستوطنات"، تلقت الحكومات الأوروبية رأيا قانونيا من خبير في القانون الدولي بأنها تستطيع مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية في تعبير عن رفضها هذه المستوطنات غير الشرعية التي تقضم أراضي الفلسطينيين وتنتهك حقوقهم.

هذا الرأي القانوني تقدم به البريطاني جيمس كروفورد، الخبير بالقانون الدولي والبروفيسور في جامعة "كامبريدج"، وقد تكونت الوثيقة القانونية التي تقدم بها من ستين صفحة قدمت لشخصيات سياسية رفيعة في الحكومات الأوروبية، لتشجعهم على ممارسة المقاطعة لأنها شرعية مائة في المائة.

ومن ابرز ما تقوله الوثيقة: "ان مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية يمكن الاستناد فيها للاتفاق التجاري الموقع بين دول الاتحاد والقائم على أساس احترام حقوق الإنسان وقواعد وأساسيات العملية الديمقراطية". كما يمكن الاستناد في عملية المقاطعة حسب الوثيقة البريطانية إلى أن قطاع غزة والضفة الغربية ليسا أراضي إسرائيلية.

وقد تبنى هذه الوثيقة القانونية اتحاد النقابات البريطانية الذي يقود حملة في بريطانيا لمقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية.

"أورينت برس" أعدت التقرير التالي:

يعمل العديد من دول العالم على فرض حظر على المنتجات والبضائع التي تصدرها المستوطنات الإسرائيلية باعتبار هذه المستوطنات كياناً غاصباً يجب عدم التعامل معه، وفي طليعة هذه الدول هناك الدنمارك والسويد وجنوب إفريقيا وهي بلدان تعمل باتجاه فرض علامات خاصة على منتجات المستوطنات لتمييزها وبالتالي مقاطعتها، في الوقت الذي تطالب فيه جمهورية إيرلندا بأن يقوم الاتحاد الأوروبي بفرض مقاطعة شاملة على منتجات المستوطنات الإسرائيلية. ويبدو ان بريطانيا بدأت تتأثر بهذه الحملة وقد اثبتت الوثيقة التي اعدها الخبير القانوني جيمس كروفورد ذلك.

وثيقة قانونية

في المقابل، اعتبرت جهات إسرائيلية هذه الوثيقة بمثابة دفعة قوية للجهات المطالبة بمقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية في بريطانيا بشكل خاص ودول الاتحاد الأوروبي بشكل عام. وقد أوضح كروفورد في وثيقته أنه في حال دخل الحظر التجاري حيز التنفيذ، فلا يعد ذلك مخالفاً لأعراف منظمة التجارة العالمية، وذلك نظرا لأن كلا من الضفة الغربية وقطاع غزة لا يمكن اعتبارهما ضمن الأراضي الإسرائيلية، على وفق القانون الدولي.

وأشار كروفورد إلى أن الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، والراغبة في حظر وارداتها من المستوطنات قد تحتكم في ذلك إلى ما نصت عليه اتفاقية الشراكة الموقعة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، بأنها ستستند في قوامها إلى احترام حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية.

ومن الواضح أن جميع دول الاتحاد الأوروبي تتبنى موقفاً موحداً من المستوطنات الواقعة في الضفة الغربية على اعتبار أنها تفتقر للصفة القانونية والشرعية.

موقف مثير للعجب

يذكر ان اولى الصحف البريطانية التي نشرت هذه الوثيقة لكروفورد كانت صحيفة "الاندبندنت" عبر مقال كتبه رئيس الكنيست السابق إبراهام بورغ حول ضرورة المقاطعة وهو ما حمل مفاجأة لكثيرين. لكن الحقيقة ان موقف إبراهام بورغ، ليس جديدا، وكان قد أعلن سابقا أكثر من موقف في هذا الخصوص، وبالتالي ليس مستغربا ان يجدد تلك المواقف، بموقفه الجديد حول ضرورة مقاطعة المنتجات والسلع المصنعة في المستعمرات الاسرائيلية المقامة على الاراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧، لإدراكه ان مواصلة الاستيطان وإقامة صناعات على تلك المستوطنات وتعزيزها عبر الدعم المعنوي والمادي المقدم لها والترويج لصناعاتها في الدول المختلفة، يعني تعزيزا لسياسة الحرب والعنف وتهديد وجود الدولة الإسرائيلية، التي هي بالأساس، قامت على انقاض مصالح الشعب الفلسطيني التاريخية.

في الواقع، لا يدعو بورغ إلى مقاطعة بضائع المستوطنات لأنه يتعاطف مع الفلسطينيين، ولكن انطلاقا من حرصه على دولة إسرائيل، وبقائها وهو دعا ويدعو قادة اسرائيل إلى تغيير توجهاتهم وسياساتهم المتبعة لما لها من انعكاسات على خيار التسوية، ولاسيما ان اسرائيل لم تبقِ شيئا من الاراضي للفلسطينيين.

رأي إسرائيلي

ومما جاء في المقال الذي كتبه بورغ ان "عيون شعب إسرائيل عمياء، وآذانهم طرشاء، وقادتهم مهزوزون ضعفاء". وفي المقال تأييد لقرار بريطانيا القيام بإجراءات للتأكد من أن البضائع التي تنتجها المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لا تحمل عبارة "صنع في إسرائيل"، وذلك ليتمكن المستهلك من مقاطعتها إن شاء، وحتى لا تحصل على التسهيلات والإعفاءات التي تحصل عليها البضائع الإسرائيلية في دول الاتحاد الأوروبي.

أطروحة بورغ، الذي يرفض دخول الضفة الغربية حتى لمناسبة عائلية، هي أن هذه المقاطعة في مصلحة إسرائيل، لأنها تعيد رسم "الخط الأخضر"، أو خط ٥ حزيران/يونيو ١٩٦٧، الذي يفصل بين فلسطين ١٩٤٨ والضفة الغربية وقطاع غزة. وهو ينطلق من الدفاع عن حل الدولتين، وعن إسرائيل ديمقراطية علمانية، بينما "كل شيء خارج الخط غير ديمقراطي، وغير شرعي، وغير طبيعي"، أو كما يقول "ليس لنا". ويطالب المجتمعات المتحضرة بالتدخل، ويكشف أن المدارس في إسرائيل ممنوعة من الحديث عن هذا الخط، وأنه حذف من مناهج التعليم والخرائط الإسرائيلية. ويصل بورغ إلى حد نعت المستوطنين، وحلفائهم بمن فيهم بنيامين نتنياهو، بأنهم "الأعداء الحقيقيون لإسرائيل"، الذين يولدون باستيطانهم تعصبا وأصولية، ويتناقضون مع الديمقراطية.

تجدر الإشارة إلى ان بورغ ربما يعتبر حالة هامشية في المجتمع الإسرائيلي، أو يعبر عن أقلية الأقلية، فالنخب الصهيونية العلمانية التقليدية، حتى المتعصبة، عموما تنقرض، ليحل محلها نخب صهيونية متدينة أو طائفية وأخرى علمانية متحالفة معها لأغراض شخصية، وفي سبيل التوسع الاستيطاني. ولكن بورغ ربما يعبر عن اتجاه صهيوني يضيق ذرعاً بالسياسات الحالية في إسرائيل، ومن هؤلاء اللوبي الإسرائيلي الجديد في الولايات المتحدة "جي ستريت" الذي يرفض فكرة تأييد حكومة إسرائيل مهما كانت قراراتها، ويدعو إلى سياسة أمريكية مختلفة لفرض السلام. ولكن هذه المجموعات على قوتها، تبقى أقلية.

يذكر ان بورغ، كان رئيس الكنيست بين عامي ١٩٩٩ و٢٠٠٣، والرئيس السابق للوكالة اليهودية، والمنظمة الصهيونية العالمية، اللتين تمثلان المؤسس والقائد الحقيقي للحركة الصهيونية، وكيانها في فلسطين.

خطوة التفافية

وكخطوة التفافية، قال وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان، انه سيوعز لجهات الاختصاص في وزارة الاقتصاد والزراعة في الدولة العبرية وضع "صنع في إسرائيل" بدل "صنع في المستوطنات"، ولكن الدول التي بادرت لاتخاذ موقف شجاع بمقاطعة البضائع المنتجة في المستوطنات، اكدت انه ان تم ذلك فإنها ستقاطع كل السلع الإسرائيلية، وهي خطوة تصعيدية ضد حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة.

ويرى ناشطون أن كل ما هو إسرائيلي تجب مقاطعته. وعمليا، تبني حركات المقاومة المدنية الناشئة في أوروبا وغيرها من دول العالم أطروحتها على "محاربة الأبارتهايد" أو إجراءات الفصل العنصري التي تمارسها إسرائيل ضد العرب داخل فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨ لتبرير المقاطعة الشاملة، وإن كان الناشطون يجدون صعوبة ميدانيا في الدعوة لذلك في بعض الدول.

لكن مقاطعة البضائع الإسرائيلية في الضفة الغربية وغزة تفقد فاعليتها للأسف في الداخل الفلسطيني وهو ما يحمل مفارقة كبيرة وخصوصا ان العالم بدأ يتحرك نحو المقاطعة والدول الاوروبية التي اثبتت على مر التاريخ دعمها المتواصل لإسرائيل تتبنى هذه الحملة وتشجع مواطنيها على مقاطعة بضائع المستوطنات لأنها غير شرعية، بينما يبدو ان القيادات الفلسطينية المختلفة، والفصائل الرئيسية، تتجاهل فكرة ضرورة إنهاء عمل عشرات آلاف الفلسطينيين في المستوطنات الإسرائيلية، وتفشل مثلا في وضع خطة مدعومة عربيا أو عالميا لوقف هذه المهزلة، حيث يعمل الفلسطيني أجيرا في أرضه المصادرة، ولدى محتله، خشية التبعات المالية لمثل هذا القرار، ولعجزهم عن ايجاد بدائل توفر على الكثير من الفلسطينيين معاناتهم اليومية وهم يعملون في اراضيهم المحتلة وبإمرة اسرائيليين بينما العالم يقاطع بضائع المستوطنات وهم يسهمون في إنتاجها.











.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة