لماذا تفشل الدول؟
 تاريخ النشر : الاثنين ٢ يوليو ٢٠١٢
المؤلف:
جيمس روبنسون: بروفيسور في جامعة هارفارد الأمريكية العريقة، وهو مختص بالفكر والسياسة والثقافة في الولايات المتحدة الأمريكية بين الماضي والحاضر. من مؤلفاته: "الجذور الفكرية للديمقراطية الغربية في أمريكا وأوروبا".
المؤلف:
دارون أسيموغلو: عالم اقتصادي من أصل تركي وهو يدرس الاقتصاد في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، وهو يعتبر واحدا من أفضل عشرة علماء اقتصاد في العالم.
صدر مؤخرا كتاب جديد مثير للاهتمام بعنوان: "لماذا تفشل الأمم؟" كلما غصت أكثر في قراءة صفحات هذا الكتاب أدركت حجم الأخطاء الفادحة التي وقعنا فيها في أفغانستان، وأدركت مدى حاجتنا إلى إعادة النظر في استراتيجية سياسة المساعدة التي نقدمها لبعض دول العالم. لعل ما يسترعي الاهتمام أكثر من أي شيء آخر في هذا الكتاب هو حديث المؤلف عن مستقبل العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
كتاب "لماذا تفشل الأمم؟" من تأليف دارون أسيموغلو عالم الاقتصاد والأكاديمي في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، وجيمس روبنسون عالم السياسة والأكاديمي في جامعة هارفارد.
يعتبر المؤلفان أن ما يفرق دولة عن أخرى هو وجود "المؤسسات" وأن "المؤسسات هي التي تصنع نجاح الدول أو فشلها". إن الدول تنجح وتحقق التنمية والتقدم والرخاء عندما تكون لديها مؤسسات سياسية واقتصادية فعالة وشاملة للجميع بعيدا عن أي إقصاء.
وبالمقابل فإن هذه الدول تفشل فشلا ذريعا عندما تكون هذه المؤسسات قاصرا وتركز السلطة والفرص في أيدي قلة من دون سواها. كتب المؤلفان يقولان: "إن المؤسسات الاقتصادية الفعالة والشاملة هي التي تعزز حقوق الملكية وتكرس العدل الاجتماعي وتشجع الاستثمار في التكنولوجيا الجديدة وتنمي المهارات اللازمة لتحقيق النمو الاقتصادي على عكس المؤسسات القاصر التي تنشأ فقط من أجل نزع الموارد من أيدي الأغلبية ووضعها في أيدي الأقلية".
يعتبر المؤلفان أيضا أن هذه المؤسسات الاقتصادية الفعالة والشاملة تدعم وتلقى الدعم من المؤسسات السياسية الفعالة والشاملة التي تتولى توزيع السلطة السياسية بطريقة تكرس التعددية الواسعة مع احتفاظها بقدرتها على ممارسة السلطة المركزية التي تمكنها من الحفاظ على النظام العام والقانون اللذين يعتبران شرطين ضروريين لا غنى عنهما من أجل حماية الحريات وحقوق الملكية واقتصاد السوق والديمقراطية نفسها، فلا حرية أو تقدم أو نماء أو ديمقراطية من دون قانون أو استتباب النظام العام.
يعتبر دارون أسيموغلو أن المفهوم الأساسي الذي يطرحه الكتاب في ثناياه هو أن الدول تنمو وتتقدم وتزدهر وتحقق الرخاء عندما تنجح في بناء مؤسسات سياسية واقتصادية تعطي الفرصة للفرد وتوفر له الحماية اللازمة كي يفجر طاقاته ويجدد ويبتكر ويستثمر ويبدع ويتطور ويسهم بذلك في تطوير بلاده.
لنتأمل فقط فيما حققته دول أوروبا الشرقية منذ سقوط جدار برلين وانهيار الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفيتي على غرار جورجيا وأوزبكستان. يمكن أن نقارن أيضا بين ما حققته إسرائيل من ناحية والدول العربية أو نقارن ما بين الوضع في كردستان وبقية مناطق العراق الأخرى. إن كلمة السر تكمن أساسا في طبيعة المؤسسات الموجودة هناك.
خلاصة الأمر يعتبر المؤلفان أنه لا يمكن لأي دولة أن تنجح في بناء اقتصادها ما لم تنجح في بناء مؤسساتها السياسية، لذلك فهما لا يقبلان بذلك الرأي السائد الذي يقول دعاته ان الصين قد وجدت الوصفة السحرية التي تمكنها من تكريس السيطرة السياسية مع تحقيق النمو والرخاء الاقتصاديين.
يقول دارون أسيموغلو:
"إن الصين تحقق النمو الاقتصادي في ظل مؤسسات شمولية استبدادية فيما يحكم الحزب الشيوعي على كل مفاصل الدولة والحياة السياسية. لقد استطاع هذا الحزب الماوي أن يحتكر لنفسه السلطة والموارد غير أن التنمية التي تتحتق في الصين ليست بالضرورة من النوع المستدام. فالتنمية المستدامة تتطلب تنمية الفرد وإطلاق طاقاته الابداعية.. إن التنمية المستدامة تتطلب التجدد والابتكار وهو ما يؤدي بالضرورة إلى التدمير الابداعي، فكل تجديد يؤدي إلى استبدال نظم أخرى جديدة بالنظم القديمة.. ما لم تنجح الصين في تحقيق هذه النقلة الابداعية فإن ما تحققه الآن من معدلات نمو عالية لن يتواصل".
يقول المؤلفان إن المشكلة الأساسية التي يعانيها العالم العربي تتمثل في غياب الديمقراطية، غير أنهما يعتبران أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أخطأ عندما اعتقد انه يمكنه تصدير الديمقراطية "معلبة" إلى العالم من دون أن يأخذ في الاعتبار الواقع الداخلي في كل دولة من الدول العربية. يشدد المؤلفان على الديمقراطية الحقيقية المستدامة يجب أن تنبع من داخل الدول العربية نفسها، غير أنهما يستدركان يقولا انه يمكن للدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أن تلعب دورا مساندا.
يمكن للغرب على سبيل المثال أن ينتقل من مرحلة المساعدات العسكرية للأنظمة الحاكمة كما هو الحال في مصر وأفغانستان وباكستان إلى مرحلة جديدة يتم التركيز فيها في تمكين المزيد من القطاعات في المجتمعات مثل المجال السياسي والصناعي والتعليمي والتجاري والصحي والمؤسساتي.
يعتبر المؤلف دارون أسيموغلو أنه يمكن تحويل المساعدات العسكرية السنوية التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية بقيمة مليار وثلاثمائة مليون دولار للاستفادة منها في قطاعات أخرى مثل المدارس والمستشفيات وبقية المجالات الأخرى التي لها صلة وثيقة بحياة الناس والمجتمع، فالبناء المؤسساتي وتكريس مبادئ الشفافية والحوكمة يعتبران من أهم التحديات في البلدان النامية. يمكن للدول المانحة أن تلعب دورا مهما على هذه الأصعدة وتشجع على بناء مؤسسات تضم مختلف أطراف الطيفين الاجتماعي والسياسي في هذه البلدان.
يشخص المؤلفان داء عضالا بدأ يستفحل في المجتمع الأمريكي وهما يوجهان انتقاداتهما في هذا الكتاب المهم إلى مواطن الخلل في مجتمع الولايات المتحدة الأمريكية، فهما يعتبران أن استمرار اتساع الفجوة ما بين الأغنياء والفقراء وتآكل الطبقة الوسطى جراء تراكم عدة عوامل من الأمور الحساسة التي يمكن أن تهدد طبيعة وتمثيلية المؤسسات في الولايات المتحدة الأمريكية.
يقول المؤلف دارون أسيموغلو: "هناك معضلة حقيقية تعيشها الولايات المتحدة الأمريكية اليوم وقد تتفاقم أكثر مستقبلا. تتمثل المشكلة الحقيقية في تحول انعدام التكافؤ الاقتصادي بين فئات المجتمع إلى الميدان السياسي فتصبح المؤسسة غير ممثلة تمثيلا حقيقيا لفئات المجتمع المختلفة، فعندما يكتب أحد الأثرياء شيكا يسيل اللعاب من أجل تمويل حملة انتخابية بأسرها فكيف سيكون أداء المسئول المنتخب؟ وهل سيكون ممثلا حقيقيا للإرادة الشعبية؟ وهل سيستمع بعد ذلك إلى كل الأصوات؟
.
مقالات أخرى...
- سمات الدولة الفاشلة - (2 يوليو 2012)
- بعد فوز مرسي برئاسة الجمهورية الثانيةإخوان مصر.. كيف سيتعاملون مع خصومهم السياسيين بعد الرئاسة؟ - (2 يوليو 2012)
- ما وراء الكشف عن لائحة مفصلة بأسماء علماء نوويين في إيران - (2 يوليو 2012)
- الحرب الأهلية تطل برأسها من عكار في لبنان - (19 يونيو 2012)
- نتنياهو كبل يد المعارضة الداخلية استعدادا لمواجهة أوباما - (15 يونيو 2012)
- زلزال الانتخابات الرئاسية يتصاعد في مصر ائتلاف المسلمين الجدد يحذر من التزوير في جولة الإعادة - (15 يونيو 2012)
- ماذا بعد نتائج الجولة الأولى لـ«الانتخابات الرئاسية»؟ - (13 يونيو 2012)
- «القاعدة» تؤجج الساحة اليمنية وأمريكا ترفض التدخل العسكري - (13 يونيو 2012)
- هل تقلب مجزرة «الحولة» الطاولة على رأس الأسد؟ - (8 يونيو 2012)