صحوة تشريعية
 تاريخ النشر : الأحد ٢٢ يوليو ٢٠١٢
هالة كمال الدين
نعم..لقد أصاب أستاذي الفاضل أنور عبدالرحمن، حين قال إن هناك عجزا فعليا عن تطوير التشريعات في مجتمعنا، وجعلها موائمة لإيقاع العصر ومتطلباته، وكان معه كل الحق حين وصف قوانيننا بأنها لا تغوص في أعماق متطلبات رصيدنا التشريعي، وأنها بعيدة عن كل ما يقي المجتمع شرور وآثام ما يجري على الساحة، وذلك لدى تطرقه في مقاله الأخير إلى حادث اغتصاب هذا الوحش الآسيوي لبراءة طفل صغير في الخامسة من عمره، الذي اهتزت له مشاعر المجتمع بأسره.
نعم.. علينا أن نعترف بأن هناك قصورا تشريعيا ملموسا، ليس فقط فيما يتعلق بحماية الطفولة، بل بأمور حياتية ملحة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: قضية تسييس المنابر الدينية، التي باتت تشكل ظاهرة مريبة تهدد أمن وسلامة مجتمعنا، وهي أيضا من القضايا العصرية المستحدثة، التي لم يلتفت إليها المشرع، ولا السادة النواب (بالدرجة التي توازي خطورتها).
لذلك يأتي ما كشفت عنه رئيسة جهاز متابعة تنفيذ توصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، من أن الحكومة بصدد سن تشريع يجرم التحريض على الكراهية والطائفية، بالتعاون مع جهات دولية، ليسد هذا الفراغ التشريعي الذي يتعلق بهذه القضية المهمة التي طفت على السطح في الفترة الأخيرة بصورة مفزعة.
إن وضع الجهاز ضوابط للخطب الدينية، تحترم المواطنة، والتعددية، والتعايش، والخصوصية المذهبية، إلى جانب إعداد دورات للأئمة والخطباء لتأصيل الوسطية، واحترام الآخر، ومقاومة الفكر المتطرف، تنفذ خلال عامي ٢٠١٢ و٢٠١٣، إنما يمثل صحوة بعد سبات عميق، واستجابة لمطلب شعبي (من الطائفتين)، طال انتظارها، لكنها ورغم أنها جاءت متأخرة، فانها لم تأت بعد فوات الأوان. إن دعاة التحريض، والتفرقة المذهبية، الذين يستغلون المنابر لأغراض فئوية بغيضة، وفق أجندات معلومة، إنما هم بحاجة إلى استحداث تشريعات رادعة، تؤكد أنهم ليسوا فوق القانون، وتستأصل نفوسهم المريضة، التي أصابت الجسم البحريني في مقتل.
ويبقى الأهم من إصدار التشريعات.. التطبيق الجاد والرادع لها.. فكم من القوانين تحولت في كثير من الدول إلى مجرد حبر على ورق.. جفت الأقلام مطالبة بالارتكان أو حتى الالتفات إليها.
وهذا هو حال القسم الأكبر من رصيدنا (العربي) التشريعي.
.