الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٤٢ - الأربعاء ٢٥ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٦ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

مجحف من يتنكر لإنجازات ٢٣ يوليو





خاطب المجلس العسكري للقوات المسلحة المصرية المطالبين بإلغاء الاحتفالات بذكرى ثورة ٢٣ يوليو عام ١٩٥٢ قائلا: «إلى كل من سولت له نفسه المطالبة بإلغاء احتفالات ثورة يوليو وذكراها أن ينظر حوله ليرى الماء والكهرباء والتعليم وغيرها، ومن أراد أن يقيمها فليقيمها في زمانها»، جاء هذا الموقف الوطني من الثورة المصرية بعد ما صدر من أصوات تطالب بعدم الاحتفال بذكرى يوليو بينها تعليق صدر عن المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين عندما قال: «إن هذا ليس وقت احتفالات، وعلينا أن نحمي ثورة ٢٥ يناير أولا ممن يريد إجهاضها»، فهذا الموقف الذي صدر عن جماعة الإخوان ليس سوى «حق يراد به باطل».

تاريخيا كان للقوات المسلحة المصرية الدور الحاسم في التحولات السياسية الكبيرة التي حدثت في مصر، فالجميع يعرف أن ثورة ٢٣ يوليو، أو كما يذهب البعض إلى تسمية الحدث بـ«انقلاب عسكري» أطاحت من خلاله مجموعة من ضباط الجيش بسلطة الملك فاروق، لكن المهم ليس في التسمية وإنما في النتائج التي ترتبت على ذلك الحدث، فالضباط الأحرار والزعيم الراحل جمال عبدالناصر (أي الجيش) قادوا تحولات كبيرة وعميقة تركت أثرا لا يمحى من حياة الشعب المصري، فتدفقت الجماهير وراء هؤلاء القادة ووفرت لهم الغطاء والاحتضان.

فثورة الـ ٢٣ من يوليو عام ١٩٥٢ جاءت من الجيش وحظيت باحتضان الشعب المصري لها، أما ثورة الـ ٢٥ من يناير من العام الماضي، فهي ثورة جماهيرية شاركت فيها مختلف قطاعات الشعب المصري وحظيت بحماية واحتضان القوات المسلحة المصرية التي رفضت قيادتها إطلاق رصاصة واحدة على الجماهير الثائرة، الأمر الذي أسهم في انتصار الثورة بأقل الخسائر البشرية، فهذا الموقف الوطني يسجل للجيش المصري الذي أثبت أمانته وإيمانه بأهمية وحتمية حماية التاريخ الوطني المصري وعدم تركه سلعة رخيصة تتداولها قوى لها مصالحها وأهدافها العَقَدية، في سوق النخاسة السياسية.

موقف جماعة الاخوان المسلمين من ثورة ٢٣ يوليو يتسم بالعداء التاريخي، فهذه الجماعة لم تقف يوما منذ انتصار ثورة يوليو، موقفا يعترف بالإنجازات الكبيرة والكثيرة التي تحققت لصالح مختلف فئات الشعب المصري، وخاصة الفئات الفقيرة من العمال والفلاحين، ناهيك عن تلك الانجازات التي طالت مختلف قطاعات الخدمات العامة والحقول التعليمية والطبية بحيث أصبحت خدماتها متاحة ومتوافرة لجميع المواطنين المصريين بغض النظر عن قدراتهم المادية وانتماءاتهم العائلية والطبقية، هذه الانجازات العميقة ليست محل اعتراف من قبل جماعة الاخوان المسلمين التي ناصبت الثورة المصرية عداء مستمرا لم يغادر عقلية كوادرها حتى هذه اللحظة.

من منطلق هذا العداء التاريخي لثورة ٢٣ يوليو عام ٥٢ ومبادئها وقائدها أيضا، جاء موقف جماعة الاخوان المسلمين الأخير فيما يتعلق باحتفالات إحياء ذكرى الثورة الذي صادف أمس الأول، وكان موقف الجماعة هذه المرة متلحفا بغطاء ثورة الـ ٢٥ من يناير، فتحت حجة حماية الثورة رفضت الجماعة الاحتفال بذكرى يوليو، لكن المجلس العسكري المصري الذي أبى إلا أن يكون أمينا ليس لثورة يوليو، وإن كانت مناسبة موقفه الأخير، هو الـ٢٣ من يوليو، وإنما أصر على أن يحافظ على أمانته لتاريخ مصر الناصع الذي تمثل ثورة الـ ٢٣ من يوليو أبهى صوره.

تعودنا وعلى مدى تاريخ الحركات الإسلامية، ومنها جماعة الاخوان المسلمين، المزايدات السياسية والتذرع بحجج سطحية تخفي وراءها أهدافا أقل ما تكون في غير صالح الجماهير الواسعة، وإن كانت هذه الجماهير عنوانا لمثل هذه المواقف، فالقول بالحاجة إلى حماية ثورة الـ ٢٥ من يناير لا يعني إلغاء حقبة من الحقب الناصعة في التاريخ الوطني المصري، بل ان ثورة يناير هي امتداد واستكمال لمشاريع ثورة يوليو وللأهداف التي حملها قائدها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر على عاتقه طوال السنوات التي قاد فيها مصر وحولها إلى بؤرة من بؤر الإشعاعات الثورية العربية.

الذين انقضوا على مكتسبات ثورة ٢٣ يوليو وعملوا جاهدين لطمس إنجازاتها وسلب الجماهير الحقوق المشروعة التي أعادتها الثورة إليهم، هم أنفسهم الذين يمكن أن يشكلوا خطرا على ثورة ٢٥ يناير، لا من يريد الحفاظ على تاريخها، فلا يمكن أن تكون مع العدالة وتتنكر لمبادئ هذه الثورة، وتطعن وتعمل على طمس الحقائق التاريخية الناصعة التي جسدتها ثورة يوليو التي تحولت إلى جزء من التاريخ الوطني المصري الذي لا يحق لأي كان أن يلغيه أو يتعدى عليه مهما كانت حججه وذرائعه.

يكفي أننا الآن طوينا العقد الرابع على رحيل الزعيم جمال عبدالناصر، ومع ذلك فإشعاعاته لاتزال تنير طريق الباحثين عن العدالة والخلاص من الظلم.

















.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة