الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٤٩ - الأربعاء ١ أغسطس ٢٠١٢ م، الموافق ١٣ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

مأساةُ الشعبِ السوري بين القوميات





قام السياسيون في سوريا خلال عقود بغرس تيار القومية العربية، ولم يشكلوها من خلال قراءة البنى الاجتماعية وتحليلها، بل كشعارٍ للفئات الوسطى الصغيرة غير القادرة على إنتاج نظام ديمقراطي تحديثي.

وعموماً كانت هذه الفئات تبحث عن القوة، كجزءٍ من تاريخ العرب البدوي، حيث تغدو القوةُ للقبائل هي الوسيلةُ للغزو وتأسيس الدول.

ولهذا فإنه على مدى عقود ومع استمرار البُنية الاجتماعية في طبيعتها التقليدية، صعدَ الجيشُ كأساسٍ للحركة السياسية الاجتماعية، ولم تكن الدعوة القومية العربية سوى ضباب فكري سياسي، لا يقعُ على أرضٍ موضوعية خصبة لإنتاج قومية موحّدة.

رأسماليةُ الدولة الطائفية كانت تعني قطع العلاقات مع تطور الأمة العربية التاريخي المتصاعد، حيث كانت الدعوة القومية بحاجة لتطورات موضوعية وفكرية في شعوب الأمة العربية من أجل أن تتلاقى وتنمو علاقاتها الاقتصادية والسياسية.

البعثيون والقوميون الذين أطلقوا حركةَ القومية العربية لم يقوموا بدرسها موضوعياً، وعبر أدواتِ المادية التاريخية، وتشكيل قواعد من خلالِ التنامي التجاري وبتعاون الفئات الوسطى والعمالية العربية، وقراءة التشكيلة الرأسمالية العالمية وطرق تطورها ومشكلاتها وتناقضاتها، واختيار حيزٍ تاريخي لنمو الشعوب العربية داخلها بشكلٍ مستقل وصناعي متطور وتحديثي ديمقراطي.

كان هذا يتطلبُ أفقاً تاريخياً واسعاً، وخلفيةً فكرية عميقة، وفي ظلِ الحماس والقفز نحو مغانم السلطات، وتكوين العصابات السياسية، فإن عفوية التنظيمات السياسية شكلت القَدر السياسي حسب هيمنة طائفة خاصة من طوائف الأقليات، التي قفزتْ للشعارات التحديثية القومية والشمولية قبل غيرها، مزايدةً نظراً لخصائص التعليم والحياة الاجتماعية.

ولهذا فإن الدعوةَ القومية العربية أُجهضتْ، وكان حكمُ العسكر يعني المغامرات السياسية والعنف، فيما كانت رأسماليةُ الدولة الطائفية تتعرضُ للتآكل التاريخي، تحيطُ بها طبقاتُ العاملين المفلسة في الأرياف والمدن الصغيرة وتعودُ بها للمذهبية السياسية المضادة.

وبدلاً من فضاء القومية العربية الواسع غدت المذهبياتُ وتفتتُ الأوطان العربية، ووجدت سوريا نفسها في الأزمةِ الأخيرة العاصفةِ الدمويةِ بلا قوميتها العربية المساندة، بل وجدت أقطاراً تعيش في سلبياتها وصراعاتها المذهبية السياسية وفي مراجلها التاريخية الخاصة.

القوميتان الكردية والتركية تتصارعان وتؤيدان الثورة السورية من خلال موقفين مختلفين متباعدين، فتركيا أردوغان التي ملأتْ العالمَ صراخاً عن إنقاذ سوريا ودعمها، وجدتْ هواجسَها القوميةَ المسيطرة أقوى من أن تمدَ يدها لمساعدة الشعب المذبوح السوري فهي مرعوبة من الأكراد أكثر من دعمها للعرب السوريين!

فيما يشعرُ الأكرادُ بأن الفضاء التاريخي فُتح لهم، وأن دولتهم القومية بدأت تتشكلُ معالمُ خريطتها على حساب الدول والقوميات الأخرى.

أن أرضها تنزاحُ عنها عساكرُ القوميات المغايرة والبر الكردي تلاقى دون أسلاكٍ شائكة.

ولهذا فإن الحكومة التركية نسيتْ تماماً الشعبَ السوري الذي يُحاصر في مدنه ويُقتل وانطلقت تهدد الأكراد.

تركيا الرأسماليةُ تريدُ أن تهيمن على العاملين التُرك وكذلك تستغل أمةً أخرى تعيشُ بشكلٍ رثٍ في أريافها وتعيشً ممزقة محكومة بهيمناتِ أمم ودول شمولية أخرى.

تناقضُ الحكومة في تركيا بين أن تؤيد ثورة عربية وأن تُجهضَ شعباً كردياً عن الحرية، جعلها تطرحُ نفسها كشرطي أكثر من أن تطرحَ نفسها كصديق للشعوب.

عداؤها للأكراد منع مساعدتها للعرب، وضاعتْ كلُ تلك التهديدات والصرخات بضرب سفاح سوريا، فيما هو مشغول بواجبه القومي في ذبح الأطفال والنساء، وفيما الجيش العربي السوري يقوم بدوره التحرري ويقصفُ الأحياءَ الشعبية ويدكها على رؤوس السوريين، فيما تصرخ تركيا الحكومية صرخات رهيبة في الهواء.

الدعوة العربية القومية كان يمكن لو أنها أثمرت وأنشأت دولاً متعاونة وشعوباً مترابطة ما كان من الممكن رؤية هذه المناظر المروعة بذبح شعب والعالم كله يتطلع بهدوء ويتجادل فيما هي مذبحة أم أعمال روتينية للجيش!















.

نسخة للطباعة

شـــكرا للمحامي.. تمخضوا فولدوا فأرا!

في خطاب أرسلته السيدة أنديرا غاندي في عام 1957 إلى دوروثي نورمن ـــ وهي صحفية وكاتبة ومصورة أمري... [المزيد]

الأعداد السابقة