الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٤٢ - السبت ٧ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ١٣ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

أخبار البحرين

الدكتور عبدالرحمن الفاضل في خطبة الجمعة:

لأننا من أمة العزة والكرامة.. نرفض التفريط في كرامتنا





قال الدكتور عبدالرحمن الفاضل خطيب جامع نوف النصار بمدينة عيسى في خطبته ليوم الجمعة أمس يقول تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ...» وقال: «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا...» الانسان كريم على الله تعالى لا يرضى له الذل ولا الهوان؛ فكان الناس سواسية أكرمهم عنده أتقاهم. وقد جاء الإسلام، والبعض يزعم أنه من طينة أخرى غير بقية البشر، فكذب الإسلامُ هذا الزعمَ الباطل، وأمر نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ...».. وجاء خلفاؤه من بعده نتيجة بيعة تجلى فيها الاختيار الحر؛ وكان المبدأ الذي قاله الخليفة الأول ـ رضي الله عنه: إني وليت عليكم ولست بخيركم؛ إن رأيتم خيراً فأعينوني، وإن رأيتم شراً فقوّموني «بهذا تسد مزاعم المتسلطين الذين يتخذون الشعوب عبيداً، والأوطان أملاكاً وخاصة يتصرفون فيها، وبها كيف شاؤوا!؟ وليس من منكر لهذه الحالة ومزدريها؛ إلا الإسلام؛ الذي حذر من البغي والطغيان، والتجاوز والعدوان على حقوق الإنسان من أي جنس أو قبلية كان! فالحقوق محفوظة مرعية لكل أحد مهما ارتفع به قدره، أو سفلت به منزلته.

ونحن اليوم في عالم تمتهن فيه كرامة الانسان في كثير من الأوطان، وذلك نتيجة تسلط أهل الفساد من المتكبرين والمستبدين على رقاب العباد بالقوة والقهر والإرهاب؛ تمكنوا من إذلال الشعوب وامتهان كرامتها، وسرقة خيرات أوطانها وإفقارها؛ حتى إنهم لم يتركوا للشعوب من مخرج إلا الثورة على تلك الطغم الظالمة الفاسدة؛ لاستعادة الكرامة المهدرة، والعيش بأمن وسلامة.. ولعل الثوارت العربية التي جاءت متأخرة كثيراً، والتي أطاحت في سرعة مذهلة بحكام ظلمة تسلطوا على رقاب الشعوب عقوداً طويلة أذاقوا فيها شعوبهم الويلات، فكانت حتمية السقوط المزري المهين لهؤلاء الطغاة وأعوانهم مؤكدة، ونهايتهم مهما طالت كانت عاقبتها وخيمة لا محالة، ولو نظرنا إلى التاريخ سنجد نفس المشهد يتكرر للحكام المستبدين بصوره الثلاث الثابتة التي لا تتبدل ولا تتغير كأنها هي بعينها، فالمصير يكاد يتطابق، هو هو، فإنه: إما أن يهرب الظالم المستبد من وطنه وشعبه ويبقى طريداً شريداً في الأرض لا يلوي على شيء؛ سوى ترقبه وخوفه من سوء خاتمته، وإما أن يحاكم بين شعبه في ذلة وصَغار، وبفضيحة مكللة بالخزي والعار، وإما أن يقتل شر قتلة يطلب قبلها الرحمة والاعتذار؛ ممن أهانهم سنين طوال، وقتل منهم من قتل في ظلم وعدوان غاشم أهدر من قبل فيها كرامتهم وأهان إنسانيتهم وهم في أوطانهم التي يحبون ومن أجلها يضحون

والوطن بالنسبة إلينا عزة وكرامة، أمن وسلامة، عيشة هنية وسعادة، هكذا نعرف الوطن، فإذا استحالت العزة، وأهينت الكرامة، وفقد الأمن والسلامة، وتنغص العيش، وذهبت السعادة.. لم يعد بعدها الوطن وطناً!!.. فإما أن يُغيّر الحر الأبي الذي لا يرضى بالدون والمهانة الواقع الذي هو فيه، وإما أن يغادر وطنه الذي تنكر له إلى وطن يتحصل فيه على تلك الامتيازات التي لا غنى لحر عنها!!

إننا أحرار ولا نقبل قيود العبودية ولا أغلالها؛ لأننا من أمة تأبى القيود والتبعية، وتنكر الطاعة العمياء من دون فهم وروية. إننا من أمة ترضى بعيشة الكفاف وهي تتربع على ناصية الكرامة والحرية، وترفض بذخ العيش ومتعه مهما كانت، على أن تقبل الذلة والمهانة! إن من يحمل هذا المفهوم بين جنباته، ويؤمن به في قرارة نفسه؛ لا يمكن أن يستجدي أحداً، أو يركن إلى غير الله تعالى ليلبي له طلبه ويقضي حاجاته؛ ولذا نتيقن بأن أصحاب الكرامة هم من تُبنى على أكتافهم الدول، وتُشاد بأيديهم صروح الأمم.. أما من مسخت كرامتهم وتدنست معايشهم، وهانت عليهم أنفسهم؛ فتراهم يسيرون خلف كل من ينثر الفضلات، ويرمي لهم الفتات يلتقطونه وقد حنوا ظهورهم، وطأطؤوا رؤوسهم إلى الأرض لا يرفعونها أبداً؛ إلا وهم صاغرون محتقرون، إنهم امتهنوا الذلة، فركبتهم المهانة؛ حتى أمست وجوههم مسخاً لا حياء فيها، يأتون كل دنية، ويرتكبون كل خطيئة من دون أن يحمر لهم وجه، أو يطرف لهم جفن. هؤلاء هم المرتزقة الوصوليون المتسلقون المنافقون؛ الذين لا يعنيهم الوطن ولا همومه من قريب ولا من بعيد، همهم أن يجمعوا ما يستطيعون من متع زائلة؛ استعداداً لأي طارئ، قد حزموا أمرهم، وأمنوا حياتهم؛ كما يظنون! لو راجعنا بدايتهم لوجدناهم لا يمتلكون شيئا، كانوا حفاة عراة خمص البطون عجافاً من الجوع! واليوم لو فتشنا في المصارف، ولو راجعنا سجل العقارات لوجدناهم قد كنزوا من الكنوز، كل بحسب قربه أو بعده أو موقعه ومسؤولياته، ما قد يضاهي ما جمعه قارون في زمانه؛ بل ربما أكثر! فأمثال هؤلاء لا يعتمد عليهم في الإخلاص للوطن، فضلاً عن حمايته والدفاع عنه؛ لأنهم منزوعو الكرامة، فاقدو الأمانة، أصحاب الأيدي السفلى الآخذة، وليسوا بأصحاب الأيدي العليا المنفقة، وفرق شاسع، وبون واسع؛ بين اليد الباذلة واليد السائلة، فالعليا أمينة حامية، والأخرى خائنة خاذلة، فهي تأخذ مالها وما ليس من حقها من دون ورع ولا خوف. ولعل عام (٢٠١١) المنصرم كان فيه من العبر والعظات الحاضرة ما تردع من فيه بقيه باقية من عقل أو ضمير أو حياء يثوب بها إلى رشده، ويتخلى عن خداعه ولؤمه، فإنه إذا ما وقعت الواقعة فلن يكون هناك لأحد من عذر يلتمسه!

ولأننا من أمة العزة والكرامة فإننا نطالب الدولة ألا تفرط في كرامتنا؛ لأننا لن نقبل إطلاقاً، ولن يقبل أحرار الوطن وشرفاؤه المخلصون هذا التعدي والاستخفاف بكرامة الوطن من قبل فئة علم هدفها الذي تسعى إليه! فلا يمكن أن يترك لها الحبل على الغارب تفعل بالوطن ما تشاء، قد قلنا هذا مراراً وتكراراً.. ونأمل، بل نطلب بإلحاح شديد أن تتخذ الدولة الإجراءات الحازمة والناجعة التي تحفظ للدولة هيبتها ومكانتها.. إننا نقول بكل صراحة إن الشعب البحريني الشريف؛ لا يستنكر تطبيق القانون وإحقاق الحق لمن يستحق! لكن ننكر، ومن حقنا أن ننكر ونعترض على الدولة إذا ما تقاضت وتسامحت مع من منحتهم الفرصة تلو الفرصة ليعودوا إلى رشدهم؛ إلا إنهم أصروا واستكبروا، واستغشوا ثيابهم، ووضعوا أصابعهم في آذانهم، لا يسمعون الحق ليعودوا إليه مذعنين! نقول: لو أن الجرائم التي ارتكبت في حق البحرين وشعبها كانت في الخفاء من دون أن يطلع عليها أحد، ومن دون أن يكون هناك من شاهد عليها لهان الأمر علينا في إطالة التحقيق والتثبت منها! ولكن؛ تلك الجرائم البشعة من القتل والتخريب والعمالة لأعداء الوطن، والاستقواء بالخارج كلها وقعت على مرآى ومسمع شعب البحرين بأكمله، شاهد الإجرام بأم عينه، وسمع بأذنه مباشرة، فالأحداث من بدايتها وقعت أمامه، ومعظمها وثقت بالصوت والصورة وشهدها العالم كله، وسفارات الدول الكبرى حاضرة تشهد بأن المخربين لم يكونوا يوماً ما سلميين، من بعد أن اعتدوا على الوطن والمواطنين والمقيمين في مطالب أريد بها الباطل! وها هي الأحداث مستمرة في باطلها ترهب الناس وتشيع الدمار وتعرض حياة الناس للخطر، والبلاد إلى الكساد والفساد في العلاقات والاقتصاد! فماذا تنتظر الدولة حيال هذه الحالة التي ضقنا بها ذرعاً شحنت النفوس غيضاً وحنقاً! أليست هناك أدلة وبراهين قاطعة لدى الدولة تؤكد للعالم، وتسكت المنظمات وتخرس الهيئات الحقوقية المزعومة المشبوهة، أن هؤلاء إرهابيين مخربين وليسوا طلاب إصلاح مسالمين! ألا تقرأ الدولة ما يكتب وما يقال في وسائل الإعلام المختلفة التي تعبر عن نبض الشعب الشريف الذي حمى الوطن وقيادته من السقوط؟! إننا ناصحون بألا يستفز الشعب من قبل الدولة وذلك بإرجاع المفصولين ممن ثبتت عداوتهم وخيانتهم وطائفيتهم وحقدهم في سب رموز ديننا من الصحابة والتابعين والعلماء المصلحين؟!! إننا ملتزمون بضبط النفس لا نريد الفوضى ولا نسعى إلى الاحتراب حفاظاً على الوطن وسلامته! ولكن إلى متى يمكن أن يضبط الناس أنفسهم وهم يرون تلك الشرذمة تمعن في التدمير والتخريب بل والشروع في القتل. وهاهي الأحداث اليومية لا تبشر بأن هؤلاء يريدون خيراً للوطن! متى ستنهي الدولة هذه الفوضى حفظاً لكرامة الوطن، وكرامة شعبه الحر الأبي؛ الذي قد يتنازل عن رغيد العيش؛ لكنه لا يمكن أن يتنازل او يتغاضى عمّن يتقصد إهانته، أو النيل من كرامته! نقول: كفى ثم كفى ثم كفى أن يستهان أو يقلل من شأن هذا الشعب الكريم، أو الالتفاف عليه، حذار ثم حذار!! «إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ»



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة