الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٤٧ - الخميس ١٢ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ١٨ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية


الإخوان المسلمون و«نبوءة» نجيب محفوظ





هذا تصريح لا يمكن ان ينسى للأديب الكبير الراحل نجيب محفوظ.

قبل رحيله بفترة، وفي احد لقاءاته التي كان يعقدها مع المقربين منه، قال: «الظاهر ان مصر عايزة تجرب حكم الاخوان المسلمين».

لا أنسى هذا الذي قاله نجيب محفوظ لأنني اذكر عندما قرأته توقفت عنده طويلا بكثير من التأمل. كانت هذه مقولة ملفتة جدا في ذلك الوقت، ليس فقط لأن محفوظ يعرف الاخوان معرفة وثيقة منذ نشأة الجماعة في ١٩٢٨ وله معهم حكايات كثيرة، ولكن قبل هذا لأنه كان قريبا جدا وعلى امتداد عقود من الحس الشعبي المصري، ومن تحولات الوعي الشعبي حقبة بعد حقبة، وسجل هذا في رواياته البديعة كما هو معروف.

علاقة نجيب محفوظ بالاخوان انطوت على مفارقات مذهلة.

كان سيد قطب من أوائل نقاد الأدب الذين لفتوا الأنظار إلى موهبة نجيب محفوظ وقدمه للقراء في بداياته، وفي وقت لم يكن قد نال الشهرة. بالطب ، حدث هذا حين كان سيد قطب مهتما بعالم الأدب والنقد الأدبي وله اسهاماته في هذا المجال.

لكن الذي حدث بعد ذلك كما هو معروف ان سيد قطب أصبح احد المنظرين الكبار والقيادات في جماعة الاخوان، ومن عباءة فكره خرجت الجماعات الاسلامية العنيفة والمتطرفة التي تكفر المجتمع وتلجأ إلى العنف.

وفي كتاب رجاء النقاش عن مذكرات نجيب محفوظ عندما يتحدث محفوظ عن سيد قطب وتحولاته يذكر انه لم يزره إلا مرة واحدة ويقول: ذهبت إليه رغم معرفتي بخطورة هذه الزيارة وبما يمكن ان تسببه لي من متاعب أمنية، في تلك الزيارة تحدثنا عن الأدب ومشاكله ثم تطرق الحديث إلى الدين والمرأة والحياة، كانت المرة الأولى التي ألمس فيها بعمق مدى التغيير الكبير الذي طرأ على شخصية سيد قطب وأفكاره.. لقد رأيت أمامي إنسانا آخر حاد الفكر متطرف الرأي، ويرى ان المجتمع عاد إلى الجاهلية الأولى وانه مجتمع كافر لا بد من تقويمه بتطبيق شرع الله انطلاقا من فكرة «الحاكمية» وسمعت منه آراءه بدون الدخول معه في جدل أو نقاش حولها، فماذا يفيد الجدل مع رجل وصل الى تلك المرحلة من الاعتقاد المتعصب».

ويقول محفوظ أيضا انه ظل يعتبر قطب حتى اليوم الأخير من عمره «صديقا وناقدا أدبيا كبيرا كان له فضل السبق في الكتابة عني ولفت الأنظار إليّ في وقت تجاهلني فيه النقاد الآخرون ولتأثري بشخصية سيد قطب وضعتها ضمن الشخصيات المحورية التى تدور حولها رواية «المرايا» مع إجراء بعض التعديلات البسيطة.

والشخصية التي يقصدها محفوظ في المرايا هي «عبدالوهاب اسماعيل» المفكر والشاعر الذي يصبح متطرفا عنيفا في أفكاره إلى حد تكفير المجتمع ورفض معطيات العصر من علم وقوانين ودساتير.

الذي حدث بعد ذلك كما هو معروف ان شابا ينتمي إلى احد الجماعات الإسلامية التي خرجت من عباءة فكر سيد قطب بالذات هو الذي حاول اغتيال نجيب محفوظ.

واتضح بعد ذلك ان هذا الشاب لم يسبق له ان قرأ كلمة واحدة مما كتب محفوظ. وحين سأل الكاتب المعروف محمد سلماوي هذا الشاب: هل قرات أي من روايات أو أعمال نجيب محفوظ ، أجاب: أعوذ الله.

إذن، سيد قطب الذي كان له فضل لفت الأنظار إلى نجيب محفوظ وموهبته، شاءت الأقدار ان يكون من بين تلامذته وان يخرج من عباءة فكره هو بالذات هذا الشاب الذي حاول اغتيال محفوظ. هذه بلا شك مفارقة درامية مذهلة ومأساوية.

وللأستاذ مصطفى بيومي كتاب مهم عنوانه «نجيب محفوظ والاخوان المسلمون» يرصد فيه تطور رأي ورؤى محفوظ للاخوان المسلمين، ويحلل أيضا كيف سجل شخصيات اخوانية في رواياته.

ومع كل هذا، الاخوان المسلمون هم الذين قال نجيب محفوظ قبل رحيله ان مصر تريد ان تجرب حكمهم.

الأمر المؤكد كما ذكرت انه استند في ذلك إلى حسه الشعبي والى معرفته بتحولات التفكير والوعي الشعبي المصري العام عبر عقود طويلة كما رصدها في رواياته.

وجاءت الانتخابات البرلمانية المصرية الحالية لتؤكد ما توقعه محفوظ.. من ان «مصر تريد ان تجرب حكم الاخوان المسلمين».

هل خرج الاخوان والاسلاميون الآخرون الذين فازوا في الانتخابات عن عباءة فكر سيد قطب؟

نرجو ذلك،

هل الاخوان المسلمون والجماعات الإسلامية في مصر ربوا جيلا جديدا من كوادرهم يختلف جذريا عن ذلك الشاب الذي حاول اغتيال نجيب محفوظ من دون ان يقرأ كلمة واحدة مما كتب؟

نرجو هذا،

وعموما، أظهرت الانتخابات ان مصر «تريد ان تجرب حكم الاخوان».

أيا كانت الاسباب والتفسيرات لهذا الذي تريد مصر ان تجربه

.. خليها تجرب

والستر من الله أولا وأخيرا



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة