الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٥٠ - الأحد ١٥ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٢١ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


لصالحنا وصالحهم





«جاء في دراسة نشرت في بريطانيا أمس أن الفوائد المالية التي تدرها أعمال القرصنة قبالة السواحل الصومالية عززت جهود التنمية في بعض الأجزاء من البلاد، وهو ما يجعل اتخاذ إجراء سياسي حاسم للقضاء على هذه المشكلة (أمرا غير محتمل). وتقول أنجا شورتلاند التي أعدت التقرير إن المبالغ التي حصل عليها القراصنة في شكل أموال فدية بلغت نحو ٧٠ مليون دولار عام .٢٠٠٩ وطبقا لدراسة أعدتها الأمم المتحدة فإن نحو ٣٠ في المائة من أموال الفدية تذهب إلى القراصنة و١٠ في المائة إلى معاونيهم الذين يقيمون على السواحل و١٠ في المائة يتم إنفاقها على الهدايا والرشاوى و٥٠ في المائة للممولين والرعاة وهم عادة يقيمون في الخارج. وخلص التقرير إلى أن قدرا كبيرا من أموال الفدية ينفق في المراكز الإقليمية، حيث يجري تقاسم العائدات المالية بين عدد كبير من الناس بسبب هياكل العشائر القائمة. وقال التقرير إنه بالتالي من غير المحتمل (توقع) تحرك حاسم ضد القرصنة من جانب النخب السياسية في الأقاليم الصومالية. وأضافت شورتلاند: من ناحية أخرى، سيؤدي القيام بحملة عسكرية ضد القراصنة إلى حرمان واحدة من أفقر الدول في العالم من مصدر مهم للدخل وإلى تفاقم الفقر» انتهى. هذا الخبر نشرته الصحف يوم أمس وهو يقدم صورة واضحة عن الطريقة التي ينظر بها الغرب إلى الأزمة الصومالية وهي نظرة لا تحيد عن (الفرجة) و(الطماشة) من دون أي تحرك فعلي لإخراج تلك البلاد المنكوبة وشعبها المسكين من الأزمة الطاحنة التي يعيشها منذ سقوط نظام الرئيس محمد سياد بري في أوائل التسعينيات من القرن الميلادي الماضي، أي منذ أكثر من عشرين عاما، وذلك بسبب النزاعات الدامية التي غرقت فيها البلاد منذ ذلك الحين بين العديد من الجماعات المسلحة مانعة قيام دولة بالمفهوم الحضاري للكلمة، وكلما سيطرت جماعة على مساحات من البلاد وأعلنت نفسها ممثلة شرعية للشعب الصومالي تعرضت لهجمات مسلحة دامية من بقية الجماعات إلى أن تسقطها وتستولي على الأراضي الواقعة تحت سيطرتها، وكل ذلك يتم وسط ظروف اقتصادية طاحنة يمر بها الشعب الصومالي المسالم الذي يجد نفسه محاصرا بين أطراف الحرب الأهلية التي لا يبدو في الأفق أنها ستنتهي في المدى المنظور، وبين الفقر المدقع والجفاف القاتل الذي يقضي على مظاهر الحياة في تلك الدولة الفقيرة ويحوّل شعبها إلى مجموعات من الجياع تزحف إلى حدود الدول المجاورة لتنضم إلى جحافل اللاجئين الذين تغص بهم المخيمات الحدودية منذ سنوات عديدة.

السؤال هنا: لماذا تكتفي الدول الخليجية ببعض المساعدات التي تجمعها الجمعيات الخيرية وبيوت الزكاة فيها لترسلها إلى الشعب الصومالي الشقيق بينما تستطيع دولنا التحرك دبلوماسيا لجمع أطراف النزاع في تلك الدولة على مائدة مفاوضات مستخدمة إمكاناتها المالية لإنعاش الثروتين الزراعية والحيوانية في ذلك البلد لتصبح منتجاته مصدرا للأمن الغذائي لدولنا الخليجية ويجد شعبها وظائف واستثمارات تعيد إليه الحياة وتنقذه من الكارثة الرهيبة التي تكاد تقضي عليه تماما؟

الأطراف المتنازعة في الصومال التي تتخذ من القرصنة موردا للحياة ستتوقف عن تلك الجرائم التي تهدد سلامة الملاحة الدولية في واحد من أهم الممرات المائية في العالم إذا وجدت من يستميلها باستخدام إغراء المال ويوفق بينها لتأسيس حكومة توافقية انتقالية تمهد لإنشاء أحزاب سياسية وإجراء انتخابات ديمقراطية واستعادة مظاهر الدولة السيادية التي فقدها الشعب منذ سنوات طويلة، ومن ثم تكون له الأولوية في الاستثمار الزراعي والحيواني والصناعي في تلك الدولة طوال عقود مديدة قادمة.

إن الاستثمار في حل الأزمة الصومالية هو عمل إنساني وواجب ديني ومصلحة قومية يجب النظر إليها بجدية تامة والتحرك سريعا لإنجازها قبل فوات الأوان.





salah_fouad@hotmail.com



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة