الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٥٨ - الاثنين ٢٣ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٩ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية


جبهة الإبداع.. جبهة الحضارة





اليوم، سوف ينطلق المبدعون المصريون في مسيرة حاشدة من أمام دار الأوبرا المصرية إلى مجلس الشعب تزامنا مع بدء المجلس الجديد لجلساته، لتسليم بيان «جبهة الابداع المصري» دفاعا عن حرية الابداع.

«جبهة الابداع» سبق لها قبل ايام ان نظمت واحدا من اهم الاحداث التي شهدتها مصر مؤخرا. نعني المؤتمر الحاشد الذي شارك فيه اكثر من ألف مبدع مصري في مسرح نقابة الصحفيين المصريين، والذي عقد تحت شعار «دفاعا عن حرية الابداع»، واصدر البيان الذي سوف يسلمه المبدعون في نهاية مسيرتهم الى مجلس الشعب اليوم.

البيان الذي ألقاه الفنان محمود ياسين في نهاية المؤتمر نص بصفة خاصة على ما يلي:

«أننا كمبدعى هذه الأمة من كتاب وأدباء وشعراء وفنانين نعلن صراحة أننا لن نقبل بنزع روح مصر ووجدانها ولن نسمح بتغيير ملامح الشخصية المصرية الراسخة منذ آلاف السنين برغم تعاقب الغزاة والمحتلين الذين حاولوا وفشلوا، ونرفض تهجير العقل المصري للخارج تماما كما نرفض قمعه في الداخل، ولن نترك يدا تمتد بالعبث على تراثنا الحضاري وإرثنا الثقافي الذي ليس أوله الآثار الخالدة وليس آخره الفنون. لن نهدأ حتى تعود مصر إلى ريادتها العلمية والفنية والإعلامية في عالمها العربي كما جئنا اليوم لنقف صفا واحدا في وجه من يريدون أن يطفئوا طاقة التنوير المصرية ولن نقبل بإرهاب العقول وكسر التفكير ونرفض أي مساس بحرية الفكر والرأي والإبداع».

هذا البيان صدر باسم مبدعي مصر.. السينمائيين والروائيين والشعراء والكتاب والممثلين والمطربين والفنانين التشكيليين.. الخ.

لكن، لماذا ينتفض مبدعو مصر على هذا النحو؟.. هل هناك مبرر لقلقهم وخوفهم على حرية الابداع والتفكير في مصر؟

بالطبع أن هذا القلق والخوف له ما يبرره.

والأمر ببساطة ان القوى الاسلامية التي فازت في الانتخابات البرلمانية لديها مواقف معلنة معروفة هي بأخف التعبيرات ليست مواقف ودية أبدا من حريات الفكر والابداع بكل صوره.

وفي الفترة الماضية، اطلق عدد من قادة هذه القوى مواقف علنية من شأنها ان تثير اشد القلق ليس فقط على حريات الابداع، بل على آثار مصر وتراثها الحضاري.

وعلى الرغم من التصريحات التي صدرت عن هذه القوى بعد فوزها في الانتخابات وتحاول فيها طمأنة المبدعين المصريين، فإنه لا احد يعلم بالضبط ما الذي يمكن ان يقدموا عليه بالفعل من سياسات حين يصلون الى الحكم وتكون مقدرات صنع القرار بيدهم.

والقضية انه لو تحققت هذه المخاوف وفرضت هذه القوى رؤيتها ومواقفها المعلنة من الابداع والفكر وتراث مصر الحضاري، فإن الأمر لن يتعلق هنا بحريات الابداع والحريات في المجتمع بصفة عامة، وإنما سيتعلق بالنيل من اكبر مصادر قوة مصر.

فالابداع في كل المجالات كان دوما عبر التاريخ هو اكبر مصادر القوة المصرية، واكبر مرتكزات دورها الحضاري، وريادتها بصفة عامة.

وثورة ٢٥ يناير لم يكن لها ان تندلع اصلا وتنجح لولا انها تستند الى ارث المبدعين المصريين في كل المجالات عبر العقود، بل القرون الطويلة الماضية.

والشعب المصري لم يقم بهذه الثورة، ويقدم كل هذه التضحيات من دماء ابنائه كي ينتهي بها المطاف الى ان يصبح الحكم بيد قوى تصادر حريات الفكر والابداع او تهدد ارث مصر الحضاري، وتهدد فنونها وآدابها وفكرها.

وإذن، فإن انتفاضة المبدعين المصريين هذه في اطار «جبهة الابداع» لها ما يبررها.

هذه الجبهة ليست فقط جبهة دفاع عن حرية الابداع.. هي جبهة الدفاع عن الحضارة المصرية بكل ارثها العظيم.

وحقيقة الامر انه رغم المخاوف الموجودة حاليا، فإن انتفاضة المبدعين المصريين تؤكد انه ليس بمقدور أي احد أيا كان ان ينال من حريات الابداع والفكر في مصر.

والأمر ببساطة ان كل من سيحاول ذلك، سيجد نفسه في مواجهة اكبر وأقوى جبهة في مصر.. جبهة الابداع.. جبهة الحضارة.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة