الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٦١ - الخميس ٢٦ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٣ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية


أين نوابنا من ملف «السلوك الماكر»؟!





أمس، نشرت وكالة الصحافة الفرنسية تقريرا مهما عن حالة من الغضب في روسيا، وفي اوساط نواب البرلمان الروسي بالذات.

هذا الغضب سببه ان السفير الأمريكي الجديد في موسكو مايكل ماكفول قام في بداية ممارسة عمله بعقد اجتماعات مع مسئولين من المعارضة الروسية من بينهم اعضاء في البرلمان لم يعرف الروس تفاصيل ما جرى فيها.

هذه اللقاءات فجرت غضب النواب الروس الذين نددوا بما اسموه «السلوك الماكر للولايات المتحدة». احد النواب قال: «ان ممثلي الولايات المتحدة يتصرفون بشكل ماكر».

بعض النواب طالبوا بفتح تحقيق حول ما فعله السفير.

ونواب طالبوا بمساءلة المعارضين الذين اجتمعوا مع السفير ومحاسبتهم. احد النوب سأل نواب المعارضة الذين اجتمعوا مع السفير: لماذا التقيتم السفير على حدة؟ وماذا تخبئون عن الناخبين الروس؟

نائب آخر تساءل: لماذا يتوجه نواب الواحد تلو الآخر الى سفارة اجنبية؟.. سفارة بلد يعد لحرب ضدنا؟

إذن، موقف نواب البرلمان الروسي على هذا النحو مما فعله السفير الأمريكي ينطوي كما هو واضح على جوانب اساسية ثلاثة:

١ - الاعتقاد الجازم بأن اجتماع السفير الأمريكي مع معارضين بهذا الشكل هو مبدئيا امر مرفوض، وهو يثير حتما الشبهات حول اهدافه والمقصود منه.

٢ - الاعتقاد الجازم ايضا بأن موقف هؤلاء المعارضين انفسهم وقبولهم اللقاء مع السفير بهذا الشكل هو مدان من حيث المبدأ ولا بد انه مريب بالضرورة، وان هؤلاء مدينون بتقديم تفسير لما فعلوه الى الناخب والرأي العام الروسي.

٣ - اليقين بأن القضية برمتها بحاجة الى فتح تحقيق حولها لمعرفة ابعادها المختلفة.

هذا ما حدث في روسيا والموقف الذي اتخذه النواب الروس.

هذا اخذا في الاعتبار ان روسيا دولة عظمى ولا تواجه اضطرابات وقلاقل داخلية تدعو الى الفزع. لكن القضية بالنسبة إلى النواب الذين اثاروا القضية على هذا النحو، هي قضية مبدئية اولا، وهم تصرفوا من منطلق ان اثارتها وفتح تحقيق فيها هو ما تحتمه المصلحة الوطنية الروسية في مواجهة تحركات امريكية مشبوهة.

الآن.. ماذا عنا نحن هنا في البحرين؟

أين نوابنا من هذا الملف الذي اطلق عليه النواب الروس السلوك الامريكي الماكر؟

علينا ان نتذكر بداية الجوانب والابعاد التالية المتعلقة بهذا الملف فيما يتعلق بالبحرين:

أولا: لقد سبق لي ان فتحت بتوسع ملف اللقاءات السرية بين السفارة الأمريكية وقادة الوفاق ومعارضين آخرين ايضا من واقع البرقيات السرية للسفارة.

ومما نشرته في هذا الملف، اتضح ان هذه العلاقات السرية الوثيقة بين السفارة وهؤلاء هي علاقات طويلة بدأت وامتدت منذ سنوات.

هذا جانب. الجانب الآخر، ان هذه العلاقات السرية انطوت على ما هو اخطر بكثير من مجرد «سلوك ماكر» بتعبير النواب الروس. انطوت على نقل لأسرار الدولة والحكم، وعلى علاقات تنسيق وتعاون منتظمة.

ثانيا: ان هذه العلاقات والروابط السرية بين السفارة والمسئولين الامريكيين وهذه القوى المعارضة مستمرة حتى يومنا هذا.

ليس هذا فحسب، بل انها اتخذت طورا خطيرا جديدا منذ انطلاق محاولة الانقلاب الطائفي حتى يومنا هذا. دخلت طور الاحتضان الامريكي الصريح والمباشر لهؤلاء ولمشروعهم الطائفي وفتح ابواب الاعلام والسياسة والمؤسسات الامريكية امامهم ليروجوا لمشروعهم. وهذا يعني مباشرة التواطؤ الامريكي مع هؤلاء في مشروعهم الذي يستهدف تقويض امن واستقرار البلاد وما هو ابعد من هذا.

ثالثا: ان هذا يحدث في وقت تمر فيه البلاد بظروف دقيقة صعبة وتواجه اخطارا وتحديات جسيمة كما نعلم جميعا. وهو ما يجعل من خطر هذا الذي تفعله امريكا خطرا مضاعفا.

معنى هذا كله ان هذا الملف.. هذه العلاقات والروابط بين الامريكيين وبين هؤلاء المعارضين هو في البحرين اخطر بمليون مرة مما حدث في روسيا واثار غضبة النواب الروس.

إذا كان الأمر في روسيا يتعلق بسلوك امريكي ماكر كما قال النواب، فإنه كما ذكرت في البحرين يتعلق بما هو ابعد بمراحل من المكر.. يتعلق بتواطؤ صريح على مقدرات الوطن للنيل منه.

إذن، السؤال مرة اخرى هو.. أين نوابنا من هذا الملف الخطير؟

لماذا لم يفتح نوابنا هذا الملف أصلا؟

لماذا لم يطالبوا بالتحقيق في هذا الملف، او يشكلوا هم لجنة للتحقيق فيه؟

لماذا لم يطالب النواب بمساءلة ومحاسبة هؤلاء الذين يتواطأون مع المسئولين الامريكيين؟

لماذا لم يطالبوا الحكومة، وفقا للاعراف والقواعد الدبلوماسية واصول العلاقات بين الدول، بأن تضع حدا لهذا التدخل الأمريكي السافر في شئوننا الداخلية؟

إننا نطلب من النواب الافاضل، في مجلسي النواب والشورى، أن يفتحوا فورا هذا الملف بكل جوانبه بما في ذلك برامج التمويل والتدريب الأمريكية لهذه الجماعات. وفتحهم لهذا الملف سوف يكون بحد ذاته اسهاما كبيرا جدا في الجهد الوطني لحماية هذا الوطن ومقدراته.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة