الديمقراطية والامتيازات
 تاريخ النشر : الأربعاء ٢٥ يناير ٢٠١٢
عبدالله خليفة
الديمقراطية هي تكوينُ سوق من دون عوائق اجتماعية، لكن تطورها يصطدمُ بالامتيازات الاجتماعية، في مختلفِ المستويات وعند كل الفئات والطبقات.
رغم أن الأسواقَ تشكلُ هي نفسها انقساماتٍ حادة وتباينات بين مختلف السكان.
لقد أوضحت الثوراتُ العربية ضخامةَ الرساميل المُهدرة والمغيّبة عن الأسواق الوطنية والمُهربة، بشكل غير قانوني فهي مُنتزعة من الرساميل الحكومية، وتحتاج هذه الدول إلى سنوات عدة من أجل استرجاعها إذا استطاعت.
تشكلت هذه الرساميلُ الجانبية الضخمة من خلال قنواتٍ اعتمدت على امتيازات اجتماعية وسياسية، وتغيير طبيعة المشروعات الوطنية واستغلالها والقيام بمشروعات غير ذات قيمة كبيرة للبناء الاقتصادي الاجتماعي لكن أصحاب الامتيازات يستفيدون منها، أو التركيز في جوانب من التطور أصبحت غير مفيدة لكل البناء الاقتصادي لكنها تعكس مصالح لرجال الأعمال والسياسة.
فهناك امتيازات أعطيت لقوى سياسية أدت إلى نقص في الرأسمال الوطني العام، كما كان يفعل النبلاء من احتكار الأراضي الزراعية أو الأرض بشكل عام كرأسمال وطني يتصرفون به بشكل مخالف للتنمية العامة.
إزاحة النبالة الكاملة أو نصف النبالة كما في العالم الثالث، حيث الحكم والأرض في تداخلات معينة، توجهُ السوقَ لحرية رأس المال، وحتى الآن لم تستطع أغلبية دول العالم الثالث تحقيق ذلك حيث تغيب عملية تداول السلطة.
أن عملية تداول السلطة تتيح عدم قدرة المسئولين على البقاء مالكين ويتحولون فقط لإداريين مسئولين مددا محددة، ويتم جرد هذه الأملاك العامة أثناء وجودهم وبعده ورؤية حسابها ومدى دخوله السوق الوطنية.
البقاء للوزراء ومديري الشركات العامة يجعلهم مثل ملاك الشركات الخاصة.
دوران رأس المال العام هذا يجعل العملية الديمقراطية تبدأ، وتتوجه لدراسة السوق ورؤية مشكلاته وكيفية النهوض بقواه المنتجة، وكيف تتوزعُ أنصبة رأس المال العام هذا، من دون تسييس لصالح الوزارات والموظفين، وتحدث هنا توجهاتٌ اقتصادية سياسية تعكس توجهات الرساميل والقوى الاجتماعية المؤيدة لها.
مشاركة القوى الاجتماعية في العملية السياسية ودخولها البرلمان أو عدم دخوله، الهدف منها تخطيط وتحريك رأس المال العام في القطاعات المطلوبة شعبيا، وهي القادرة على توفير وظائف واسعة وجديدة، فنجد أن الشركات العامة المتوجهة للمواد الخام واستخدام العمالة الأجنبية بكثافة تتناقض مع الخطة المفترضة في تشغيل قطاعات واسعة من المواطنين.
على مستوى التمثيل البرلماني تتحقق أهداف التطور المصاحبة، فالقوى المالكة أو الدينية أو التي لا تمتلك خبرة في فهم الاقتصاد والبناء الاجتماعي والسياسة، لا تستطيع أن تفعل شيئاً واسعاً لناخبيها، فتهتم بسطوح الظاهرات والأسئلة والانتقادات الهامشية، لا أن تعالج رأس المال الوطني العام من كل جوانبه وتتغلغل في تفاصيله وتوجهه فهذا هو عمل الحكومات والبرلمانات في النظام الديمقراطي.
أصبحت التيارات الجديدة في البلدان الثائرة تركز في هذه العملية، وتريدُ كنسَ الأرض السياسية الاجتماعية من الامتيازات، والتحكم في توزيع رأس المال حسب قدرته على إتاحة الوظائف المنتجة، لكل من الرجال والنساء، وأن تتوسع الشبيبة داخل هذه المؤسسات، وأن تكون على مستوى أقاليم البلد بحيث لا تتكون جهات وفئات مستأثرة بالتنمية.
نحن في بدايات العملية السياسية الاقتصادية الحرة في بعض البلدان، وقوى المال والرساميل غير الانتاجية لها النصيب الأكبر، وسوف توجه الخطط التنموية لصالحها مع غياب ممثلي القوى العمالية والرأسمالية الصناعية خاصة.
يتضح الآن في النتائج الانتخابية الأولى بروز جناحي الرأسماليتين حيث الرأسمالية غير الانتاجية والفئات السياسية الايديولوجية مع نتائج أقل للرأسمالية الصناعية، مما يدل على غلبة استمرار البناء الاقتصادي(الطفيلي) السابق نفسه.
الجناحان الفائزان يعبران مع ذلك عن التوجه لرفض الامتيازات الاقتصادية العامة للقوى السياسية الحكومية، وهذا شيء طبيعي في وعي ديني محافظ ركز في الاختلاف مع الدول، وليس في تغيير البناء الاجتماعي الذكوري المسيطر وكرس امتيازات الذكور.
الجناح الديني بمستوييه الاخواني والسلفي بتركيزهما الصراع ضد الدول ومع امتيازات الذكور، والجناح الليبرالي الذي يرفض امتيازات الدول والذكور معاً، يعكسان مستويات الرأسمالية الخاصة في الدول العربية الثائرة ، وجناحيها المالي والصناعي، حيث لا يهتم الجناح الأول بشكل أساسي بإدخال النساء والشباب في الصناعة باعتبارها قضية التحول الرئيسية، فيما تهتم الرساميل الصناعية بذلك من أجل توسع الأسواق وانخفاض الأجور وكان لابد من الشريك الثالث وهو اليسار الغائب من أجل إكمال العملية النضالية المشتركة لتغيير هذه البلدان وعالم العرب عامة.
إن تحويل قضايا التحول لمسائل دستورية دينية وايديولوجية سوف يعكس الوقوف عند المستوى الراهن من التطور حتى يعي الجمهور أهمية استمرار التغيير.
إن هذه التوجهات البرجوازية الدينية المنتصرة برلمانيا هي نتاجُ هذه الرساميل وقوى السكان التي كونت العلاقات معها واستفادت منها، والعملياتُ البرلمانية الحرة سوف تحول هذه الرساميل نحو تطوير حياة كل السكان وتوعيهم وتطرح أمامهم خيارات مستقبلية جديدة للمزيد من تحويل مجتمعاتهم باتجاه الازدهار المعيشي كما يُفترض.
.
مقالات أخرى...
- من أعمالِ عمرَ بن عبدِالعزيز - (24 يناير 2012)
- أرض سياسية زلقة - (23 يناير 2012)
- النفطُ خط أحمر - (22 يناير 2012)
- الفِرقة والحزبُ - (21 يناير 2012)
- المشرقُ والتوحيدُ - (20 يناير 2012)
- الصراعُ الاجتماعي مجدداً - (19 يناير 2012)
- النظر إلى جهةٍ واحدة - (18 يناير 2012)
- ثقافةٌ تحبو على الرمال المتوهجة - (17 يناير 2012)
- الثورة السورية.. تفاقمُ الصراعِ وغيابُ الحلِ - (16 يناير 2012)