المال السياسي في العراق أفسد السياسيين وأفقر الشعب
 تاريخ النشر : الأربعاء ١ فبراير ٢٠١٢
رسالة بغداد - د.حميد عبدالله:
يشكل ذوو الأصول الفقيرة والمعدمة أكثر من ٩٥ في المائة من السياسيين العراقيين الكبار منهم والصغار.. هذا ما أكدته دراسات واستطلاعات صدرت عن مراكز بحوث رصينة في بغداد.
أحد السياسيين الذين ترأس حزبا سياسيا معروفا بعد الاحتلال كان أستاذا في الجامعة، وكان يشغل غرفتين صغيرتين في بيت والده، وحتى نهاية عقد التسعينيات، أي قبل الاحتلال بأعوام عدة، كان لديه دكان صغير يعتاش منه بسبب أن راتبه الذي يتقاضاه من الكلية يكفيه بضعة أيام فقط.
هذا السياسي عرض على مستثمر عراقي كبير أن يوظف له خمسة ملايين دولار بعد ثلاث سنوات من الاحتلال فقط.
الملايين الخمسة هي جزء من ثروة ذلك السياسي الذي لم يكن يحلم ذات يوم بأن يمتلك عشرة آلاف دولار.
تفاوتت اهتمامات السياسيين باستثمار الأموال التي حصولوا عليها، فبعضهم اختار الاستثمار العقاري وآخرون ذهبوا إلى اختراق أسواق الأوراق المالية لتكون لهم أسهم في شركات تجارية عملاقة، وفريق ثالث راح يتاجر في العملة وفروقها صعودا ونزولا بينما اخترق آخرون أسواق نقل النفط فدخلوا على خط الناقلات العملاقة التي تنقل النفط عبر البحار والمحيطات.
يقول صاحب شركة عقارات في غربي بغداد إن شخصا جاء إلى مناطق غربي العاصمة، واشترى عمارتين ومنازل بمبالغ خيالية.
وأضاف طالبا عدم الكشف عن اسمه أصابنا الخوف من جرأة هذا الشخص لشراء هذه العدد من العقارات وبهذه المبالغ المخيفة واعتقدنا في البدء أنه يمارس النصب والاحتيال، لكنه لما قام بتسجيلها باسم شخص ثان بشكل أصولي، ودفع مبلغا يقرب من مليار دينار لشراء بعض العقارات (نقداً)، عرفنا أنه مكلف بشراء هذه العقارات لحساب أحد السياسيين، أو هو وكيل عن شخصية ما، لا تريد أن تظهر أمام الدلالين وأصحاب مكاتب العقارات بهويتها الحقيقية.
وتابع الرجل حديثه قائلا «انتشرت خلال الآونة الأخيرة ظاهرة شراء أكثر من عقار وبفترات متقاربة جدا لشخص واحد، لكننا كنا نعلم جيدا أن الأموال تأتي من جهات خارجية، تحاول شراء أكبر عدد من العقارات والأراضي في البلاد»، مشيرا إلى أن سوق العقارات في البلاد عانت خلال سنوات العنف من عدم الاستقرار، نتيجة عمليات التهجير وتذبذب أسعار المنازل، لكنه شهد نشاطا في الآونة الأخيرة، وحركة جيدة في البيع والشراء.
ويقول صاحب مكتب إن بعضا من أعضاء مجلس النواب الجدد قاموا بشراء منازل وعمارات بأعداد كبيرة عن طريق وكلاء لهم.
وأكد أن النواب العراقيين الجدد استثمروا أموالهم في شراء عقارات في داخل البلاد، على عكس النواب السابقين الذين توجهوا نحو دول الخليج وبريطانيا والولايات المتحدة، مستفيدين من حصولهم على جنسيات تلك البلدان، أما الجدد فأغلب العقارات التي قاموا بشرائها من مناطق سكناهم الأصلية نفسها، وهذا قد يرتبط بظروف نفسية لاستملاك أكبر عدد من العقارات في مسقط رأسهم.
وقال صاحب مكتب الدلالة نفسه: قبل أيام بعت نحو خمسة منازل لنائب في البرلمان من خلال وكيل له، وفي بعض الأحيان يتصل بي هذا النائب، ويقول لي (هيئ لي بعض العروض، سأشتري المزيد)، وهذا أمر وارد جدا، مع الأموال والسلف التي تسلمها البرلمانيون، لكن بعض الأشخاص غير معروفي الهوية يشترون أيضا بمبالغ خيالية عددا من العقارات لم نألف بيعها خلال مدة عملنا بتجارة العقارات.
بالمقابل أكدت هيئة النزاهة العراقية أنها تمتلك وثائق لا تقبل الشك عن قيام سياسيين عراقيين وقادة أحزاب بشراء أراض وعقارات في لبنان والمغرب ومصر.
وقالت الهيئة إن بعض السياسيين والبرلمانيين العراقيين يتصارعون الآن في عواصم هذه الدول إذ ساهموا في ارتفاع أسعار العقارات والأراضي بشكل جنوني وخاصة في العاصمة بيروت وفي منطقة الضاحية تحديدا. وأوضح المصدر: ان ٣ أحزاب متنفذة في العراق الآن قامت بشراء عقارات وأراضٍ على الوتيرة نفسها في مصر والمغرب بملايين الدولارات.
وفي سياق متصل وبالرغم من أن هناك دراسات تشير آلى أن أسعار العقارات في بغداد مرتفعة جدا وتضاهي مثيلاتها في دول أوروبا والولايات المتحدة، فإن الإقبال على الشراء في العراق يتزايد بنحو لافت.
مصدر في إحدى شركات العقارات في بغداد قال: إن ظاهرة شراء أكثر من عقار وبفترات متقاربة جدا ولشخص واحد انتشرت خلال الآونة الأخيرة، ونحن نعلم جيدا أن مصدر الأموال من جهات خارجية، تحاول شراء أكبر عدد من العقارات والأراضي في البلاد، لذا ندعو الجهات ذات الاختصاص إلى متابعة حركة الأموال الداخلة إلى البلاد، فربما تستخدم في تمويل الإرهاب أو أغراض أخرى لا نعلمها.
في العاصمة الأردنية عمان يتحدث العراقيون عن عمارات شاهقة في أحياء راقية من عمان يمتلكها سياسيون عراقيون، بل إن خريطة توزيع سكن العراقيين في الأردن تتوزع على ثلاث مناطق تتصدرها المناطق الأرقى في عمان وتتمثل في أحياء الصويفية وعبدون ومرج الحمام ويقطنها قادة الأحزاب والنواب والتجار الذين لهم صلة بالكتل السياسية والذين فازوا بعقود كبيرة من الدولة حصلوا بموجبها على أرباح طائلة تقاسموها مع بعض السياسيين.
أما في سوريا فقد قام رجال أعمال وسياسيون ومسئولون في الحكومة العراقية بشراء عقارات وأملاك ودور سكنية وعمارات خاصة لمقيمين عراقيين في المدن السورية بأقل من نصف قيمتها عبر وسطاء يعملون لصالحهم، مستغلين حالة الفوضى التي رافقت التظاهرات التي عمت العديد من المدن السورية.
وقال مواطنون عراقيون عادوا إلى العراق من سوريا بسبب سوء الأوضاع الأمنية هناك إن تجار عقارات يحملون أموالا كثيرة وهم في حقيقة الأمر وكلاء لسياسيين ووزراء وقادة أحزاب سياسية في العراق بدأوا بشراء عقارات العراقيين في سوريا ويراهنون على ارتفاع قيمتها أضعافاً مضاعفة، بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد وتسلم الإخوان المسلمين للحكم في سوريا، إذ يأمل هؤلاء في الانفتاح الذي سوف تشهده سوريا بعد سقوط بشار الأسد وما يرافقه من ارتفاع في أسعار العقارات كما حصل في العراق بعد الغزو الأمريكي عام .٢٠٠٣ وبحسب أولئك المواطنين، فإن عملية شراء العقارات تركزت في مدن حلب ودمشق واللاذقية وحمص وان الوسطاء يحاولون إشاعة روح الخوف والرعب بين العراقيين من أجل بيع عقاراتهم والعودة إلى العراق ويوحون لهم بأن بيع أملاكهم حاليا أفضل منه في المستقبل لكون الأسعار بدأت بالانخفاض، وان قيمة شراء العقار حاليا تصل إلى النصف أو أقل من القيمة الكلية.
يقابل الثراء الفاحش للسياسيين فقر مدقع تفشى في جميع مدن العراق بلا استثناء بسبب البطالة، وارتفاع الأسعار، وغياب الخدمات ومن بينها الكهرباء التي تثقل كاهل العائلة العراقية بمبالغ كبيرة يعزز ذلك غياب الحصة التموينية المدعومة من الدولة التي تشكل المادة الرئيسة التي تعتاش عليها مئات الآلاف من العائلات التي لا دخل لها.
يؤكد اقتصاديون عراقيون أن رواتب الرئاسات الثلاث ومعها رواتب ومخصصات أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم ٣٢٥ نائبا تكفي لتوفير عيش كريم لمحافظة كاملة من محافظات العراق مدة عام كامل.
أما ممثل العراق في الأمم المتحدة فقد أعلن أن نسبة الفقر في العراق تجاوزت ٣٢ في المائة من مجمل عدد السكان البالغ ٣٠ مليون نسمة.
انتهت البحوث الاقتصادية التي صدرت عن كليات الإدارة والاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة بغداد إلى أن الفقر في العراق ليس سببه اقتصاديا فقط بل في الأساس هو السبب السياسي، بمعنى أن القوى الحالية ليست قادرة على حل الوضع السياسي وإرجاع المجتمع إلى الحالة الطبيعية وبالتالي مهما شكلوا من لجان فإن ذلك لن يحل أبسط مشكلة اجتماعية ناهيك عن الفقر أو البطالة أو الفساد أو غيرها من ظواهر سلبية.
إن بعض أوجه الفساد في العراق تحولت إلى نكات سوداء يتداولها العراقيون البسطاء ومن بينها مثلا أن الوزير يمنح عن كل يوم من أيام الايفاد ٦٠٠ دولار، فيما يتقاضى وكيل الوزير مبلغا أقل نوعا ما، أما نصيب المدير العام فهو ٤٠٠ دولار يوميا.
لم يكتف المسئولون بما يتمتعون به هم من امتيازات فراحوا يصطحبون معهم مديري مكاتبهم والسكرتيرات والحاشية المقربة، بل ان منظمات تعنى بشئون طبقات مسحوقة في العراق دخلت على خط الايفادات باسم الفقراء المدقعين الذين لم يجنوا شيئا من أنشطة تلك المنظمات.
لقد تم إيفاد جيش من الموظفين الحكوميين والبرلمانيين إلى عدد من الدول الأوروبية لحضور معرض للصور كلف ميزانية الدولة ثلاثة ملايين دولار، ويتساءل المواطن المسكين: من هم هؤلاء؟ هل أعضاء مؤسسة الشهداء يحتاجون إلى إيفاد إلى برلين وبروكسل ولاهاي واستكهولم وكوبنهاجن وأوسلو وباريس، لمشاهدة معرض للصور؟
إنه ضحك كالبكاء، كما يقول الشعراء، وشر البلية ما يضحك.
.
مقالات أخرى...
- إخفاقات المعارضة السورية تضعف مصداقيتها ووحدة قوامها - (28 يناير 2012)
- عام ٢٠١١ .. الأكثر دموية في تاريخ الصحفيين - (28 يناير 2012)
- محاولات تاريخية فاشلة لإغلاق مضيق هرمز - (23 يناير 2012)
- وصفتها أقلام الغرب بـ«الدجاجة التي تبيض ذهبا»سيناء مفتاح الأمن والنهضة لمصر بعد ثورة ٢٥ يناير - (14 يناير 2012)
- مخاوف متصاعدة حول إغلاق مضيق هرمز - (14 يناير 2012)
- لعبة شد الحبال مستمرة بين أوباما ونتنياهو - (13 يناير 2012)
- الرصاصة الأخيرة في جعبة النظام السوري - (12 يناير 2012)
- تحذيرات عالمية من أزمة غذائية تلوح في الأفق - (7 يناير 2012)
- «الوحدة العربية».. هل تتحقق بربيع الثورات؟ - (4 يناير 2012)