زمن محبط للجيش الأمريكي بعد خسائر الحروب الخارجية
 تاريخ النشر : الجمعة ١٠ فبراير ٢٠١٢
واشنطون - من: أورينت برس
لا يعرف أولئك الذين يطلب إليهم الجيش الأمريكي أن يلتحقوا بالخدمة العسكرية عما يدافعون، ولماذا. فكيف تؤثر الادارة الامريكية في المواطنين للالتحاق بالخدمة العسكرية عندما لا يكون النصر هدفاً؟ وعندما تكون اهتمامات الشعب الامريكي ابعد ما تكون عن منجزات الحروب غير المبررة، بقدر اهتمامه بشؤون الاقتصاد والتدهور المالي اللذين يقضان مضاجعه؟
في الواقع، تحاول القيادة الامريكية، سواء العسكرية او المدنية، جذب اكبر قدر من الشباب للالتحاق بالخدمة العسكرية لكن جهودها لا تحقق النجاح المطلوب بسبب عدم انغماس المواطنين الامريكيين بالشؤون والمخططات السياسية والاستراتيجية الخارجية لدولتهم. هناك مشكلات اخرى تشغل بالهم ليس اقلها تردي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية، الامر الذي دفعهم الى الشوارع ضمن حركة «احتلوا وول ستريت» احتجاجاً على السياسات المالية الخاطئة، وهيمنة الاثرياء على الاقتصاد في وقت ينشغل فيه البيت الابيض بخوض حروب لا دخل للأمريكيين بها.
«اورينت برس» اعدت التقرير التالي:
في محاولة منها لرفع عديد الجيش، قررت الادارة الامريكية ان تكسر القواعد الراسخة، وبذلك سيكون باستطاعة الجنود والجنديات المثليين في القريب العاجل أن يلتحقوا بالخدمة من دون اي عوائق. لكن أحدا من الامريكيين لا يوصي في هذه الأيام بعسكرة المتطوعين سواء كانوا سويين ام مثليين.
اسئلة متضاربة تطرح في هذا السياق. فهل الالتحاق بالجيش الامريكي والتوجه الى منطقة نزاع بعيدة، في افغانستان مثلاً، جهد لا طائل منه ام هو جهد نبيل؟ أهي وظيفة ذات فوائد مضمونة في حين يعلم الجنود تماماً انهم قد يعودون الى ذويهم في صناديق أم ربما سيقضون السنين اللاحقة في إعادة التأهيل جراء الصدمات النفسية التي سيتعرضون لها؟
هدر للثروات والارواح
بعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، حاولت واشنطون تجميل صورة الجيش والتركيز في قدرة قواتها العسكرية ونجاحاتها، لكن نشوة النصر هذه سرعان ما تلاشت، واستمرت الحرب على الإرهاب التي تكلف الامريكيين قبل غيرهم الكثير.
في الواقع، وبعد عقد من التدخل العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط بدت الفوائد التي جنتها واشنطون من سفك الدماء، بما فيها دماء جنودها، وإهدار ثروتها، أمراً محيراً في أحسن الأحوال.
وهناك حاجة ملحة اليوم لجذب الشبان الامريكيين الى صفوف الجيش لكي يدركوا ما الذي يدافعون عنه تحديداً، لكن هذا الامر يشكل معضلة حتى بالنسبة لكبار المسؤولين في الجيش. فكيف يجب على الجيش أن ينظر لنفسه في هذا العصر الذي يكون فيه النصر غير واضح وقيمة التدخل العنيف كبيرة جدا؟ لماذا يجب على أي أحد أن ينضم إلى الجيش الامريكي سواء أكان ضابطا أم جنديا فيما الاهداف المعلنة لهذه الحرب تبدو سخيفة ولا تمت إلى الامريكيين بصلة؟ وفيما توجد اهداف خفية لا تخدم الا نخبة معينة من الشعب الاميركي؟
لا شك ان هناك اسباباً مختلفة قد تدفع ببعض الشبان للالتحاق بالجيش، منهم من يفعل ذلك أجل دفع أقساط الكلية، أو الحصول على دخل ثابت في ظل ازمة البطالة الخانقة، أو حتى رغبة في الهروب من مدينة صغيرة خانقة.
التطوع ليس سهلا
لا شك ان التطوع للقتال في صفوف الجيش الامريكي ليس أمراً سهلاً أبداً، فالتضحية تكون أكثر احتمالاً عندما يكون هدف الجيش واضحاً، لكن في حالة الامريكيين تبقى اهداف الادارة غامضة وملتوية. والشفافية هي امر لم يكن موجوداً سنين عدة. باختصار، أخفقت التدخلات العسكرية الأمريكية في مختلف مناطق النزاع، وكان لافتاً ما قاله وزير الدفاع السابق روبرت جيتس الذي انتهت خدمته «إن أي وزير دفاع ينصح الرئيس في المستقبل بإرسال جيش بري كبير إلى آسيا أو الشرق الأوسط أو إفريقيا عليه أن يفحص عقله».
لكن الازدواجية موجودة، فمقابل صراحة جيتس هناك من لايزال يبرر المخططات الامريكية، ومنهم الجنرال ديفيد بترايوس الذي تحول لرئاسة السي.اي.ايه، بحيث يؤكد جدارة المكاسب التي تجنى من أفغانستان، بيد أن آخرين يحذرون من أن المكاسب ستتبخر عند مغادرة القوات الامريكية لأفغانستان مما يعني ان كل ما خسرته واشنطون على الاراضي الافغانية ذهب هدرا.
الى ذلك، تورطت الولايات المتحدة في قصف ليبيا حيث كان ظاهر الأمر حماية المدنيين، ولكن كان من الواضح أيضاً أنها ارادت معاونة المتمردين الذين يبدون عاجزين عن الإطاحة بمعمر القذافي وحدهم من اجل مصالح خاصة ابرزها يتعلق بالطاقة. وقطعاً فإن هدف الجيش ليس من الوضوح بمكان بحيث يمكن تفسيره من جهة الدفاع الوطني، فكيف يفسر المسؤولون الامريكيون لجنودهم سبب التدخل في ليبيا، وما الذي يدافعون عنه هناك؟
الحرب على الارهاب
حاولت إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش أن تعرف فن التنظيم الحربي في عبارة اطلقتها وهي «الحرب الدولية على الإرهاب»، فحوادث الحرب الدولية على الإرهاب تصنف بأنها الحوادث التي تلي الصراعات الأخرى التي خاضتها الولايات المتحدة في العالم مثل فيتنام وكوريا. ولكن عبارة الحرب الدولية على الإرهاب قد تقاعدت الآن، إذاً من هو وما هو العدو؟
تعكس الاستطلاعات باطراد أن الأمريكيين يشعرون بأنه لا هدف للحروب التي تشنها ادارتهم، ففي أفغانستان، تعبر الميليشيات المسلحة التابعة لطالبان والقاعدة الحدود إلى باكستان كما في السابق، كما أن المنظرين والخبراء يتجادلون حول إذا ما كان بناء الدولة الافغانية يعتبر عملاً مشروعاً بالنسبة للجيش الأمريكي. اما بالنسبة للوهم القائل إن الافغانيين يدعمون الامريكيين ويرون فيهم المحرر المنتظر، فهذه الاقوال لا صحة لها، اذ من المعروف ان بعض القادة الافغان المحليين يصطفون لتسلم الاموال من الامريكيين لدعمهم، وهم لن يبدوا الولاء للأمريكيين في اليوم الذي تتوقف فيه الاموال، فالحرب هي رشا بوسائل مختلفة كما قال المنظر البروسي الشهير كارل فون كلاوزفيتز.
زمن محبط
برأي عدد من المحللين العسكريين الامريكيين فإنه زمن محبط يمر على الجيش الامريكي. حتى ان هناك بعض الاصوات المنادية بإلغاء الجيش كونه «لم يجر سوى المصائب على رؤوس الامريكيين»، لكن الرافضين لهذه الفكرة يدركون انها غير منطقية في ظل عالمٍ مليء بالمتربصين بالولايات المتحدة.
علما ان الجيش الأمريكي لا يمتلك قاعدة متماسكة. للمثال، كانت الحرب بالنسبة لقدامى الإغريق حدثاً ينخرط فيه كل المواطنين الذكور ولاء منهم للدولة. فما هو الجيش بالنسبة للأمريكيين اليوم؟
من الواضح أن بداية الفشل الامريكي تتمثل في تبرير الالتحاق بالخدمة بما معناه أن الجيش هو المؤسسة الامثل والافضل، وأن المنتمين للجيش هم أفضل حالاً من ناحية معنوية من المدنيين الذين يدافعون عنهم، لذلك فهم يوضعون في مستوى أعلى منهم. والجيش يقول للملتحقين به أنتم أفضل الناس لأنكم أكثر ولاء وأكثر تضحية بالنفس وأشد مراساً. ولكن إذا كان هذا صحيحا فلماذا يضع الجندي الامريكي حياته على خط الدفاع ليحمي المدنيين الرافضين للحروب وللتدخلات العسكرية في الخارج، واي جميل له في ذلك؟
يظهر النموذج الامريكي اليوم أن الساسة المدنيين يمكن أن يسيئوا استخدام الجيش ليظهروا بمظهر القوي والباطش، او ليحققوا رؤية ورثوها عن الادارات السابقة ويريدوا الامعان في تحقيقها. وربما سيكون التاريخ قاسياً على الحملات العسكرية التي يصفونها بـ«المهمة» و«النبيلة» التي تكلف جنوداً كثيرين حياتهم وأشلاءهم من دون ان تكون هناك حاجة فعلية لها. في الواقع، لطالما تطرقت التحليلات والتقارير الى الخسائر التي الحقتها التدخلات العسكرية الامريكية بالدول المستهدفة، لكن لا شك ان التاريخ الامريكي سيحكم حكما سلبيا على القادة الامريكيين الذين ارسلوا الكثير من الشبان الى مناطق ساخنة بلا مبرر حيث لاقوا حتفهم او تعرضوا لصدمات وامراض نفسية خطرة.
وفيما ينتفض الامريكيون اليوم من اجل الاقتصاد والفقر والبطالة، علما ان التوقعات كانت تشير الى ان الامريكيين لن ينزلوا الى الشوارع للمطالبة بحقوقهم، ليس من المستغرب انهم سينتفضون في وجه اي مهمة مستقبلية للجيش في دولة بعيدة من شأنها ان تكلف ابناءهم الكثير.
.
مقالات أخرى...
- حكومة نتنياهو واحتمال الانتخابات المبكرة في إسرائيل - (9 فبراير 2012)
- استعدادات على الأرض لهجوم وشيك على إيران - (8 فبراير 2012)
- بعد الانسحاب الأمريكي.. نوري المالكي يحكم قبضته على الجيش العراقي - (4 فبراير 2012)
- تصريحات لمفتي القدس تثير غضبا عارما في إسرائيل - (3 فبراير 2012)
- المال السياسي في العراق أفسد السياسيين وأفقر الشعب - (1 فبراير 2012)
- إخفاقات المعارضة السورية تضعف مصداقيتها ووحدة قوامها - (28 يناير 2012)
- عام ٢٠١١ .. الأكثر دموية في تاريخ الصحفيين - (28 يناير 2012)
- محاولات تاريخية فاشلة لإغلاق مضيق هرمز - (23 يناير 2012)
- وصفتها أقلام الغرب بـ«الدجاجة التي تبيض ذهبا»سيناء مفتاح الأمن والنهضة لمصر بعد ثورة ٢٥ يناير - (14 يناير 2012)