الغرب ما بين غزو العراق والتدخل في سوريا
 تاريخ النشر : الثلاثاء ١٤ فبراير ٢٠١٢
بقلم: جونثان فريدلاند
إننا على حق دائما عندما نشن حملة من الانتقادات اللاذعة ضد الجنرالات الذين يخوضون آخر حرب دامية غير أنني أتساءل اليوم عما إذا كانت حركات السلام متهمة بارتكاب الجريمة نفسها. لقد وجدت نفسي أكتب هذا المقال بعد أن ألقيت نظرة عارضة على رسالة وردتني عبر البريد الإلكتروني وهي صادرة عن حركة «أوقفوا حرب التحالف الآن».
لقد رأيت كلمات «تجمع»، و«سوريا» و«السفارة» وذهب في اعتقادي أن الأمر يتعلق بتنظيم مظاهر خارج السفارة السورية احتجاجا على المذابح الدامية التي يرتكبها نظام بشار الأسد ضد شعبه. في الحقيقة فإن هذه الحركة المؤيدة للسلام لا تحصر نفسها في التعبير عن معارضتها أي عمل عسكري تشارك فيه القوات البريطانية، فقد نظمت هذه المنظمة عينها مؤخرا وقفة احتجاجية خارج السفارة الاسرائيلية في ذكرى حرب الرصاص المسكوب التي شنتها الدولة العبرية على قطاع غزة ما بين سنتي ٢٠٠٨ و.٢٠٠٩ لقد ذهب في اعتقادي أن هذه الحركة المؤيدة للسلام في العالم جديرة بكل إشادة وثناء لأنها تتخذ موقفا من الدكتاتور السوري الذي لا يقل بشاعة عن والده. هكذا خيل لي.
لقد كانت هذه الحركة تدعو إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام السفارة الأمريكية وذلك لمطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بعدم التدخل في سوريا وإيران المجاورة لها. لم تكن شعارات هذه الحركة موجهة ضد جزار دمشق بقدر ما كانت موجهة ضد المخططين الاستراتيجيين وصناع القرارات السياسية في واشنطون.
هناك تفسير واحد للسبب الذي يجعل النشطاء المناهضين للحرب يجدون أنفسهم في كثير من الأحيان يعارضون التدخل الخارجي الرامي إلى وقف المجازر عوض التنديد بهذه المذابح الدامية ومرتكبيها. هذا السبب اسمه العراق. لقد تسبب الغزو العسكري الذي قادته إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش في العراق سنة ٢٠٠٣ في تشوش مفهوم «التدخل الأجنبي من أجل تحرير الشعوب من ربقة الحكام المستبدين» وهي الحالة التي قد تظل تطبع جيلا بأسره.
بعد كارثة التدخل في العراق أصبحت كل دعوة جديدة للتدخل تقابل بكثير من الفتور واللامبالاة في الغرب، فكل من يدعو إلى مثل هذا التدخل بات يوصم بالكذب على غرار ما فعلت إدارة جورج بوش عندما ساقت أسبابا واهية من أجل تبرير غزو العراق، أي المبالغة في تصوير تهديد غير موجود من أجل الوجه الآخر القاتم: السيطرة على منابع النفط، علما أن مثل هذا العمل من شأنه أن يزيد الأمور سوءا. هكذا سارت الأمور في العراق وهو المنطق الذي تتوكأ عليه المنظمات المناهضة للحرب من أجل الاعتراض على أي تدخل في سوريا. هذا المنطق سينطبق أيضا على سوريا وإيران وأي صراع قد ينشب مستقبلا. وهكذا أيضا تجد حركة السلام نفسها تخوض آخر حروبها وخاصة الحرب العراقية.
أنا أتفق ما القائلين إن التدخل العسكري في كل الحالات (وهو ما يطالب به بعض صقور اليمين في الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية) غير ذي معنى. كذلك من غير المعقول الاعتراض على اللجوء إلى التدخل العسكري من أجل إنقاذ الأرواح وحقن الدماء. يجب أن نتذكر تلك الحقيقة التي فهمنها قبل مدة طويلة من غزو العراق سنة ٢٠٠٣ ما مع نجم عنه من عواقب وخيمة: إن كل حالة مختلفة كل الاختلاف.
لنأخذ سوريا على سبيل المثال لا الحصر. أنا لست مع أولئك الذين يطالبون بالتدخل العسكري الفوري، بعد أن هالهم صمت المجتمع الدولي وهم يرون الأطفال وعائلاتهم يقتلون ويصابون بجروح خطرة على أيدي القوات العسكرية الموالية لنظام بشار الأسد. لا يوجد في مثل هذه الحالات خيار ما بين عدم القيام بأي شيء من ناحية والحرب من ناحية أخرى. يمكن للدول الغربية أن تتخذ عدة خطوات أخرى ممكنة وغير عنيفة قبل التسرع في اللجوء إلى الخيار الحربي. تتضمن هذه البدائل عملية التخريب والتشويش الإلكترونيين على أجهزة اتصالات القوات العسكرية الموالية لبشار الأسد مع تقديم حوافز كبير لكبار المسؤولين المنشقين عن نظام دمشق مع الكشف على الملأ عن الوحدات العسكرية المتورطة مباشرة في ارتكاب الفظائع وفي مقدمتها الضباط العسكريون الذين يصدرون لها الأوامر. هكذا سيدرك جنرالات بشار الأسد أنهم ؟ مها كانت النهاية التي ستؤول إليها الأزمة السورية الطاحنة ؟ لن يتسكعوا بعد ذلك أبدا وأنهم سيكونون دائما عرضة للاعتقال والمحاكمة على ما ارتكبوه من فظائع في حق الشعب السوري. وفوق ذلك كله يمكن للغرب أن يكثف من دعمه لقوى المعارضة المناهضة لنظام بشار الأسد، على أن نتذكر أن هذه المعارضة السورية لا تمثل جيشا منافسا، ذلك أنها بدأت كحركة سلمية غير عنيفة يقودها مواطنون عاديون قبل أن يتدخل نظام بشار الأسد ويشن عليها حملة اعتقال وتقتيل دامية.
كان كارن روس من كبار المسؤولين الذين كانوا ضمن الوفد البريطاني الذي شارك في مناقشة المسألة العرقية في منظمة الأمم المتحدة وقد تولى اقتراح كل هذه الخطوات قبل أن يستقيل من منصبه لأنه اعتبر أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا قد تسرعتا في اللجوء إلى الخيار العسكري وغزتا العراق سنة ٢٠٠٣ من دون أن تستنفدا مختلف البدائل الأخرى المتاحة. يعتبر كارن روس أنه يمكن بل يجب على الغرب أن يعول على مثل هذه البدائل والخطوات أولا قبل اللجوء إلى أي خطوات عسكرية في سوريا.
يقول كارن روس: «إذا فشلت هذه الخطوات والبدائل في وقف المذابح وإذا ما ظل المدنيون الأبرياء يقتلون بأعداد كبيرة فلابد من اللجوء إلى الخيار العسكري». لذلك فإن كارثة الغزو العسكري في العراق لا توفر غطاء أخلاقيا لعدم التدخل في سوريا. لقد اعترض الكثيرون ؟ وخاصة من اليمين ؟ على أي تدخل في البوسنة في التسعينيات، لكن لو كان الغرب قد بكر في التحرك لكان قد أنقذ حياة الآلاف من المسلمين البوسنيين.
.
مقالات أخرى...
- إيران.. القنبلة والربيع القادم - (14 فبراير 2012)
- إيران و«اللعبة الكبرى» في العلاقات الدولية - (11 فبراير 2012)
- انقسام المواقف الدولية حول الأزمة السورية - (8 فبراير 2012)
- هل تنزلق سوريا في الحرب الأهلية؟ - (8 فبراير 2012)
- أمريكا والدرس العراقي القاسي - (5 فبراير 2012)
- أي مستقبل للقوة الأمريكية في الشرق الأوسط؟ - (5 فبراير 2012)
- قراءة في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية الجديدة - (27 يناير 2012)
- صعود الصين يزعزع المسلَّمات الأمريكية - (27 يناير 2012)
- الأقليات الدينية في سوريا - (14 يناير 2012)