إيران.. القنبلة والربيع القادم
 تاريخ النشر : الثلاثاء ١٤ فبراير ٢٠١٢
بقلم: الان فراشون
هذا هو السؤال الثلاثي الأبعاد في منطقة الشرق الأوسط: هل ستقدم إسرائل على مهاجمة إيران؟
لقد ظل القادة الإسرائيليون يقولون على مدى الأسابيع القليلة الماضية ان الوقت المتاح أمامهم بات محدودا وانهم أصبحوا في سباق ضد الزمن. ففي غضون الأشهر التسعة أو العشرة القادمة ستكون الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد نجحت في دفن منشآتها النووية لتكون في مأمن من أي ضربة عسكرية إسرائيلية محتملة.
لابد إذاً من التحرك بسرعة. أما الجمهورية الإسلامية الإيرانية فقد ظلت ترد بلغة التحدي وتقول: «تعالوا. نحن لا نخافكم لأن الرد الإيراني على الغرب سيكون بعشرة أضعاف». ذلك ما قاله تحديدا المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي يعتبر الحاكم الفعلي في الدولة الإيرانية.
في هذه الأثناء يدعو الأمريكيون والأوروبيون إلى التريث وضبط النفس والتحلي بالصبر، فهم يشاطرون الإسرائيليين اقتناعهم بأن إيران تريد امتلاك القدرة التكنولوجية على صنع سلاح نووي.
لقد اتخذ الأمريكيون والأوروبيون سلسلة من العقوبات الجديدة التي تعتبر غير مسبوقة من أجل تضييق الخناق على نظام طهران. يعمل الأوروبيون الآن على اتخاذ الإجراءات اللازمة لفرض حظر كامل على استيراد النفط الإيراني، الذي يعتبر العمود الفقري والمصدر الأساسي للعملات الصعبة الذي تتوكأ عليه الجمهورية الإسلامية. تريد الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية الحليفة لها إعطاء الوقت اللازم لمثل هذه العقوبات المشددة حتى تعطي أكلها ويظهر أثرها على أرض الواقع في المجتمع والدولة في إيران.
في كلية العلوم السياسية في باريس قال وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه: «يتعين تفادي العمل العسكري في المواجهة ضد إيران على خلفية برنامجها النووي، ذلك أن مثل هذه الخطوة قد تفضي إلى عواقب وخيمة لا يمكن التكهن بمداها».
إن الأجندة الزمنية الإسرائيلية تقنية بقدر ما هي سياسية أيضا، فهي تأخذ في الاعتبار اعتراض الرئيس الأمريكي باراك أوباما على توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية- في الوقت الحالي على الأقل. وإذا كانت الصحافة الإسرائيلية تتحدث عن الربيع القادم كموعد محتمل لتوجيه هذه الضربة العسكرية للمنشآت النووية الإيرانية فإن ذلك ليس من باب المصادفة.
يمكن أن تقدم إسرائيل على تنفيذ تلك الضربة العسكرية قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر القادم. أما المترشحون الجمهوريون إلى الانتخابات الرئاسية فهم يدافعون في مختلف حملاتهم الانتخابية عن مبدأ الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية.إنهم يعبرون منذ الآن عن تأييدهم الكامل لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فيما يخطط له كما أنهم ينددون بما يعتبرونه «سلبية» الرئيس الديمقراطي باراك أوباما في التعامل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ظل المترشح الجمهوري ميت رومني يقول في مختلف محطات حملته الانتخابية: «إذا كنتم تريدون أن تمتلك إيران القنبلة النووية فصوتوا لباراك أوباما». إن هذه الحسابات السياسية الجمهورية إنما تحمل في طياتها الضوء الأخضر لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأمر الذي يشكل تحديا كبيرا أمام الرئيس أوباما، الذي لن يستطيع التعبير عن معارضته لإسرائيل لأسباب سياسية وانتخابية.
قال أحد صناع الدبلوماسية في إحدى الدول الأوروبية الكبيرة: «إن الأسابيع القليلة القادمة ستكون حاسمة»، مشددا في الوقت نفسه على ضرورة إمهال العقوبات المشددة الوقت اللازم حتى تحقق أهدافها على أرض الواقع.
منذ شهر أكتوبر الماضي، فقد الريال الإيراني نصف قيمته فيما بدأ الاقتصاد ايراني يعرف صعوبات كبيرة حتى ان المبعوث الخاص لصحيفة نيويورك تايمز إلى طهران قد كتب يقول ان «الشعب الإيراني يعيش حالة من الهلع والفزع المتزايدين جراء طوق الخناق الذي يشتد على الجمهورية الإسلامية ويحاصرها من كل الجوانب واحتمالات نشوب حرب إضافة إلى تدهور الأوضاع المعيشية بشكل لا تخطئه عين».
يعتبر برتراند تيرتريس من أفضل الخبراء الفرنسيين المختصين في القضايا النووية في مؤسسة الدراسات والبحوث الاستراتيجية وهو يؤكد أن «العقوبات بدأت بالفعل تؤثر بشكل عميق في كل مناحي الحياة في إيران حيث انها أدت إلى تباطؤ وتيرة العمل في البرنامج النووي الإيراني، ووضعت عراقيل وصعوبات كبيرة أمام استيراد المواد والمعدات التكنولوجية وقد تؤخر الخطط الإيرانية الرامية إلى إنتاج القنبلة. إن هذه العقوبات المشددة ترمي إلى إجبار قادة طهران على تغيير حساباتهم».
لا شك أن نظام طهران سيدفع ثمنا اقتصاديا وسياسيا باهظا جراء السياسة النووية التي ينتهجها، مما قد يتسبب في هشاشة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ويجعل قادتها يتساءلون في مرحلة ما عما إذا كان يجب عليهم الاختيار ما بين القنبلة من ناحية أو إنقاذ النظام الثيوقراطي الحاكم في طهران.
لقد أضحى نظام طهران في موقف دفاعي أكثر من أي وقت مضى، فقد تقلصت شعبيته في الداخل كما تفاقمت عزلته في الخارج، وفوق ذلك كله فهو يوشك أن يفقد أهم حليف له في العالم العربي: سوريا. إن الدعم الكبير الذي تواصل سلطات طهران تقديمه لنظام بشار الأسد قد جلب لها سخط وكراهية قطاعات واسعة من الشعوب العربية، وخاصة منهم الإخوان المسلمين في مصر وتونس، إضافة إلى تركيا. إن العالم السني يريد عزل إيران ومنعها من تعزيز نفوذها وتكريس هيمنتها والحيلولة دون نجاح «الخصم الفارسي القديم» في امتلاك السلاح النووي الذي سيؤثر كثيرا في المشهد الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط.
لقد تفاقمت الانقسامات في صلب الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فقد راح المرشد الأعلى علي خامنئي يطنب في استخدام خطاب الثورة ويطلق المزايدات المناهضة لإسرائيل من أجل رص الصفوف في الداخل والتغلب على العزلة المتزايدة التي يعانيها النظام في طهران، فقد قال في خطبة الجمعة يوم ٤ فبراير ٢٠١٢: «إن الكيان الصهيوني يمثل السرطان الحقيقي في المنطقة ولابد من اجتثاثه والقضاء عليه وهو ما سيحدث». يعتبر برتراند يرتريس أن «التاريخ يثبت لنا أن العقوبات المشددة على إيران قد تشكل الحل لهذه الأزمة النووية القائمة»، غير أن طائفة من الباحثين الآخرين قد أدلوا بدلوهم في هذه المسألة وعبروا عن مواقف وآراء مختلفة كل الاختلاف، فالباحث الأمريكي روبرت باب، الأكاديمي في جامعة شيكاغو، يعتبر أن سنوات العقوبات الدولية قد تمثل بديلا عن الحرب غير أنها قد تشكل تمهيدا للحرب أيضا إذا ما فشلت. وفي كثير من الأحيان يتخذ دعاة التصعيد من فشل العقوبات بديلا من أجل الدعوة إلى الحرب».
يجب على هذه العقوبات أن تأخذ في الاعتبار إمكانية إجراء المفاوضات وذلك حتى تنجح في تحقيق أهدافها، ذلك أن الغاية من فرضها تضييق الخناق على نظام طهران حتى تنحسر البدائل المتاحة أمامه. أما المسألة الأساسية المطروحة فهي تتعلق بمفهومنا لما نعتبره «نجاحا» أو «فشلا» وتحديد «الخطوط الحمراء». لا شك أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تساوم في حقها في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية وهي الأنشطة الوحيدة التي تعترف بها في الوقت الراهن. لقد ذهبت في مزاولة هذه الأنشطة إلى حد بعيد حتى إنها أصبحت تمثل مسألة حياة أو موت لنظامها السياسي برمته.
تعتبر منظمة الأمم المتحدة أن إيران تنتهك التزاماتها الدولية وهي تمنع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من تفتيش بعض مكونات برنامجها النووي. أما الوكالة الدولية للطاقة الذرية فهي تشدد على أن جزءا من هذا البرنامج لا يمكن أن يفسر إلا بسعي نظام طهران إلى إنتاج سلاح نووي غير أنها تقول انها لا تعرف إذا ما كانت سلطات طهران قد اتخذت قرارا بإنتاج هذا السلاح النووي أم لا. أما إسرائيل فهي تعتبر أن إيران قد تكون قد تجاوزت «الخط الأحمر»، هو ما يعني أن البرنامج النووي الإيراني قد حقق فعلا قفزة نوعية إلى الأمام على طريق صنع سلاح نووي. وبالمقابل فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر أن إيران ستتجاوز الخط الأحمر إذا ما بدأت فعلا تصنيع السلاح النووي وهو ما لم يتأكد حتى الآن.
إنها لعبة بوكر ثلاثية الأطراف.
.
مقالات أخرى...
- الغرب ما بين غزو العراق والتدخل في سوريا - (14 فبراير 2012)
- إيران و«اللعبة الكبرى» في العلاقات الدولية - (11 فبراير 2012)
- انقسام المواقف الدولية حول الأزمة السورية - (8 فبراير 2012)
- هل تنزلق سوريا في الحرب الأهلية؟ - (8 فبراير 2012)
- أمريكا والدرس العراقي القاسي - (5 فبراير 2012)
- أي مستقبل للقوة الأمريكية في الشرق الأوسط؟ - (5 فبراير 2012)
- قراءة في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية الجديدة - (27 يناير 2012)
- صعود الصين يزعزع المسلَّمات الأمريكية - (27 يناير 2012)
- الأقليات الدينية في سوريا - (14 يناير 2012)