أوباما يسعى إلى استمالة معارضي وول ستريت
 تاريخ النشر : الأربعاء ١٥ فبراير ٢٠١٢
واشنطون ـ من: أورينت برس
في الوقت الذي سارع فيه المحافظون إلى اتهام الرئيس الامريكي باراك أوباما باعتناق فكرة الصراع الطبقي بعد الخطاب الذي أدلى به في ولاية أركنساس خلال الأسابيع الماضية، عبر الديمقراطيون الليبراليون من جهتهم عن تأييدهم للإشارات الشعبية الواضحة التي حملها خطاب أوباما والتي تعيد إلى الأذهان حملته الانتخابية لعام .٢٠٠٨
لكن ردود الفعل المتضاربة تلك تشير إلى أن خطاب أوباما نجح في أحد أهدافه الأساسية المتمثل في صياغة انتخابات ٢٠١٢، باعتبارها خياراً واضحاً بين فلسفتين وسباقاً يمكن كسبه بدل تصوير الانتخابات على أنها استفتاء حول أدائه الاقتصادي الذي لن يرضي الكثيرين في ظل الاوضاع المتردية للاقتصاد الامريكي وما يتخبط به من مشكلات، ناهيك عن ارتفاع نسبة البطالة والفقر في صفوف الموطنين.
في السياق عينه، يبذل اوباما محاولات خطابية عدة من اجل استمالة الافراد والمعارضين في حركة احتلوا وول ستريت لأنه بذلك سيضمن قاعدة انتخابية لا بأس بها وقابلة للاتساع، وبالتالي بعدما كانت الشرطة الامريكية تتعامل مع الحركة على انها تهديد للأمن العام والمصلحة القومية الامريكية، يبدو ان «احتلوا وول ستريت» قد تصبح هي الصوت المرجح في الانتخابات الرئاسية القادمة اذا ما استمرت بالوهج نفسه.
«اورينت برس» اعدت التقرير التالي:
هناك قاعدة امريكية معروفة بأن الانتخابات كما يدرك أوباما جيداً لا يحسمها أحد الفريقين الديمقراطي أو الجمهوري مهما بلغت القاعدة الانتخابية للحزبين، بل لابد من المستقلين، وهو ما جربه أوباما نفسه في انتخابات عام ٢٠٠٨ عندما استطاع إقناع الناخبين المستقلين وتعبئتهم لصالحه بخطابه حول عهد ما بعد التحزب الذي أصبح متقادماً اليوم. اراد اوباما ان يقول انه رئيس لكل المواطنين الامريكيين بلا تمييز بين ولاءاتهم وانتماءاتهم الحزبية، وقد تمكن بالفعل من اقناع المستقلين بالتصويت له في الانتخابات السابقة فهل سيتمكن من فعل ذلك اليوم مجددا؟ الامر يتوقف بالدرجة الاولى على مدى صرامته في اتخاذ المواقف، وقدرته على التعبير عنها للملأ. وكان اوباما قد اثبت انه خطيب مفوه الى حد كبير على امل الا يكون قد فقد هذه الموهبة بعد السنوات الاخيرة التي امضاها في البيت الابيض.
استمالة المستقلين
ليس من الواضح بعد كيف سيستطيع أوباما من خلال حملته الحالية وبخطابه الجديد عن التفاوت الاقتصادي والفوارق الطبقية، استمالة المستقلين بنجاحه واقتداره أنفسهما في عام ٢٠٠٨، فقد واجه مشكلتين أساسيتين وهو يهيئ لحملته الانتخابية القادمة، الأولى بالطبع هي الحالة المتردية للاقتصاد الأمريكي، الأمر الذي لا يستطيع التعامل معه في المدى القريب ولا حله في الأفق المنظور، لكن المشكلة المرتبطة بغموض رؤيته وعدم وضوحها تبقى قابلة للحل لو أراد ذلك، فبعد عام من الصدام مع قادة الجمهوريين في الكونجرس والمحاولات المتكررة للوصول معهم إلى منتصف الطريق، لا يستطيع حتى مؤيدوه من الديمقراطيين أن يحددوا ما يريده أوباما بالضبط، أو تعريف رؤيته السياسية على وجه الدقة لأنه متقلب الى حد كبير، ويسعى الى عدم التصادم مع الآخرين في احيان كثيرة.
وفي الخطاب المستخدم من قبل صناع الصورة السياسية، نسي أوباما على ما يبدو تقديم رواية متكاملة يفسر بها كيف وصلت الأمور الاقتصادية والمعيشية في الولايات المتحدة إلى هذا السوء وكيف يعتزم الخروج منه، فجاء خطابه بولاية أركنساس لملء هذا الفراغ ومعاودة التواصل مع الناخبين المستائين. ومع أن الرسالة التي حرص أوباما على ترديدها في خطابه الأخير، ومفادها أن شارع وول ستريت بكل ما يرمز له سطا على الشارع الأمريكي العام وأن المستقبل سيكون أسوأ ما لم نرفع الضرائب على الأثرياء ونستثمر في التعليم، ليست هذه رسالة جديدة في السياسة الأمريكية، إلا أن أوباما هذه المرة صاغ الخطاب بطريقة أقوى وفي إطار أخلاقي أكثر مما فعل في أي وقت مضى خلال السنوات الثلاث الماضية.
احتلوا وول ستريت
ويبدو أن الاستراتيجية السياسية التي لجأ إليها أوباما من خلال هذه الرسالة واضحة، حيث سعى من ورائها إلى تطمين قاعدته الديمقراطية من جهة ثم توسيعها بالانفتاح على حركة وول ستريت الاحتجاجية من جهة أخرى، ولاسيما في ظل استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن الأمريكيين يعتقدون بالفعل أن الثروة لا توزع بطريقة عادلة في بلادهم، وأن هؤلاء يشملون فئة عريضة من المستقلين والديمقراطيين على حد سواء، وهو السبب الذي دفع أوباما في خطابه إلى وصف موقف الجمهوريين بأنه يحابي ١ في المائة على حساب ٩٩ في المائة من الامريكيين، حيث قال «إن فلسفتهم واضحة: نحن أفضل حالا عندما يترك الآخرون لتدبر أمرهم واللعب وفقاً لقواعدهم الخاصة»، علما ان ما قاله اوباما يتماهى تماما مع شعارات حركة احتلوا وول ستريت كما وردت على صفحتها على الفيس بوك، حيث ترفض ان يمسك واحد في المائة من الشعب الامريكي بثروات البلاد ومقدراتها فيما البقية تعاني الفقر والحرمان وضيق الحال.
اذاً يبدو ان هدف اوباما الاول هو استمالة حركة المعارضة في وول ستريت لصالحه مما سيؤمن له اصواتا انتخابية كثيرة بالنظر الى تنامي شعبية الحركة وصولا الى كبار المشاهير والفنانين الذين باتوا يروجون لها ويرتدون قمصانا عليها شعارات «احتلوا وول ستريت».
سلبيات في الافق
لكن هذه الاستراتيجية القائمة على الاستقطاب والرامية إلى استمالة المستقلين بالإضافة إلى قاعدة الحزب الديمقراطي قد تنطوي على بعض السلبيات، ومن بينها ما عبر عنه ويليام جالسون، الذي عمل في الحملة الانتخابية للرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون قائلا: «أعتقد أن أوباما ومساعديه يقرأون ما ترمز إليه حركة وول ستريت حرفيا، في حين أن الطبقة الوسطى الأمريكية منشغلة بهمومها الخاصة أكثر من ثروة الطبقة الغنية، فالسبب الذي يقلق الناس ليس ١ في المائة الذين حصلوا على الثروة، بل كيف تراجعت الطبقة الوسطى خلال السنوات الماضية، وليس من الواضح كيف يمكن للهجوم على الأغنياء أن يحل مشاكلهم». ومع أن الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون نفسه أشار في حملته الانتخابية آنذاك إلى «قوى الجشع»، فإنه عرف كيف يربط بين الشعبية واستراتيجية واضحة لتعزيز النمو الاقتصادي وتعهده بالتخفيف من حضور الحكومة ورفع كفاءتها، وهو أمر لم يتطرق إليه أوباما إذ اكتفى بالإشارة إلى الفوارق الطبقية من دون أن يضع خريطة طريق واضحة لسد فجواتها. وبالتالي فإن الغموض الذي يلف سياسته ومواقفه، وتخبطه في اتخاذ مواقف صارمة وخطوات «جريئة» قد تبعد عنه الناخبين.
وحتى نكون منصفين، فإن الرئيس أوباما لم يأل جهداً في طرح بعض المبادرات لتعزيز النمو الاقتصادي على المدى البعيد، كان آخرها مشروع قانون الوظائف الذي كشف عنه في سبتمبر الماضي. لكن المبادرات جميعاً أحبطت من قبل المعارضة الجمهورية، كما أنه في خطابه الأخير دعا إلى رفع الإنفاق الحكومي على التعليم والعلوم والنقل، من دون الخوض في التفاصيل مرة جديدة. وفي كل مرة يقف له الجمهوريون بالمرصاد. لذا قد لا يجد المستقلون خارج القاعدة الديمقراطية المؤيدة تلقائيا لأوباما ما يجذبهم إلى خطابه في ظل غياب خطة واضحة، وإن كان لاتزال أمامه سنة كاملة لبلورة خطة متكاملة، وهو ما يؤكده مساعدو الرئيس في البيت الأبيض. ويبقى التحدي الأهم بالنسبة للرئيس هو ترجمة الشكاوى والمظالم التي تطرق إليها في خطابه الاخير إلى ما فشلت فيه حركة وول ستريت وهو برنامج واضح لمعالجتها يحظى بموافقة أغلبية الشعب الأمريكي.
.
مقالات أخرى...
- زمن محبط للجيش الأمريكي بعد خسائر الحروب الخارجية - (10 فبراير 2012)
- حكومة نتنياهو واحتمال الانتخابات المبكرة في إسرائيل - (9 فبراير 2012)
- استعدادات على الأرض لهجوم وشيك على إيران - (8 فبراير 2012)
- بعد الانسحاب الأمريكي.. نوري المالكي يحكم قبضته على الجيش العراقي - (4 فبراير 2012)
- تصريحات لمفتي القدس تثير غضبا عارما في إسرائيل - (3 فبراير 2012)
- المال السياسي في العراق أفسد السياسيين وأفقر الشعب - (1 فبراير 2012)
- إخفاقات المعارضة السورية تضعف مصداقيتها ووحدة قوامها - (28 يناير 2012)
- عام ٢٠١١ .. الأكثر دموية في تاريخ الصحفيين - (28 يناير 2012)
- محاولات تاريخية فاشلة لإغلاق مضيق هرمز - (23 يناير 2012)