الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٨٢ - الخميس ١٦ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


مشكلاتُ النهضةِ الخليجية
العربية الإيرانية المشتركة





في إشكاليةِ تكون النهضة في الجزيرة العربية وإيران تكونت الجذور لما نعانيه الآن من عدم القدرة على حل التناقضات التي ننزلقُ فيها تدريجياً، وكأننا ننزلقُ في بئرٍ عميقةٍ خطرة.

القوى المسيطرة الغربية على منطقة النفط الكبرى هذه وخاصة حكومات الولايات المتحدة رفضت وصول القوى الديمقراطية والعلمانية إلى تقرير أحوال المنطقة وبث فكرها خلال القرن العشرين، منذ أن أزاحت مصدق حتى قررتْ تصعيدَ الدينيين ورفضتْ الخيارات الوطنيةَ التوحيدية في العراق.

الجانبان العربي والإيراني مضيا في الطريق الطائفي والتنمية الرأسمالية الحكومية البيروقراطية وكانا محافظين متقاربين لا يطرحان الايديولوجيات الطائفية المُسيّسة للإسلام، ثم تنامى الصراع بينهما تدريجياً بأشكالٍ عفوية وانفعالية عقب سيطرة الشموليين الدينيين على السلطة في إيران.

الجانبُ العربي حافظَ على تقاليد البداوة والمدينة الرأسمالية التي تهيمنُ على الوزارات لا على التجارة الحرة الحقيقية، كشكلٍ مرتبطٍ بضخِ المواد الأولية وتحويل البلدان للبضائع الغربية واليابانية عبر الانسياق لقوانين السوق الغربية وحركتها، من دون وجود خطط برامجية بعيدة المدى لإنشاء الصناعات الوطنية الخليجية العربية الكبرى.

الجزيرة العربية كانت ولاتزال شديدة التنوع: دول عديدة متنوعة لعبت فيها التجارةُ دوراً بارزاً، بحيث غدت المركزيات المهيمنة الكلية صعبة، فُخلقَ عالمٌ من التنوع، وحتى مجلس التعاون لم يستطع أن يتحول إلى قوة مركزية تمنع التعددية والتنوع، وهذا ما أدى إلى نمو المذاهب الإسلامية المتعددة بدرجاتٍ من الفهم والتفسير والأقسام السكانية المذهبية والدينية في جغرافية العصر الوسيط، وإذا تكونت المدنُ وتنامتْ فهي ليست قوى صهر مدنية كبرى بقدر ما هي أقسامٌ وأحياء منفصلة اجتماعية مذهبية متعددة، ثم أقسام لقوى العمال الأجانب المتداخلين.

الجانبُ الإيراني اندفعَ في تنميةٍ رأسمالية حكومية كبيرة تمت بشكلٍ مركزي شديدِ المركزية وتصاعدَ نحو قوى عسكرية قادمة من الأرياف ذات الرؤى المحافظة.

الأريافُ المحافظةُ هي التي سيطرتْ على المدن الإيرانية، ولم يكن للأرياف تنوع ثقافي أو تعدديات فكرية وسياسية ومذهبية، بل تنامتْ سيطرةُ مذهبٍ واحد، عبر عقدين، ثم برزَ تفسيرٌ آحادي لذاتِ المذهب وسادَ هذا التفسيرُ الآحادي وتحول لصيغةٍ سياسية حادة مقاربة لنمو المركزية في المجتمع.

اتجه التطوران المختلفان بين الجانب الشرقي للخليج والجانب الغربي إلى التناقض الشديد الذي لم يكن معروفاً في تلك البدايات، بسبب تباين التطور الاجتماعي السياسي، فجانبٌ تصاعدتْ فيه قوةٌ مركزيةٌ واحدةٌ ذاتُ فكرة واحدة غير قابلة لتحليل الحياة والتطور بصور جدلية موضوعية، عبر أفكار مسطحة مثل كون الرسالة الدينية هي الحقيقة المطلقة، وما عداها تضليل أو خيانة للإسلام، وأن الطريق الغربي الليبرالي الديمقراطي مرفوض كلياً، فتصاعدت أفكارٌ مطلقةٌ على مستوى الإسلام بتصعيدِ التناقض المطلق بين السنة والشيعة، وبعدم رؤية التاريخ المشترك. وتحويل المذهب لقوة ايديولوجية شمولية يؤدي بالضرورة إلى سلطةٍ واحدة، ومذهبية آحادية ذات تفسير واحد. ودائماً السلطة السياسية المطلقة تنتجُ فكرةً واحدة شمولية.

كذلك فإن هذه الفكرة صعدت التناقض بين الفرس والعرب، وبين المسلمين والمسيحيين من جهة واليهود من جهةٍ أخرى. وبين الشرقيين ككل والغرب (الشيطاني).

هي جملةٌ من التناقضات المطلقة بين الأفكار والبشر تتشكل وفقاً للموقف السياسي الشمولي الحاكم. وتركزُ في تصعيد الخلاف والتوتر، وهي كلها أجسامٌ تعبيرية تقود إلى الفتن والحروب.

على الجانب الغربي العربي للخليج لم يفرزْ التنوعُ الكبيرُ وحدةً تنموية، ولا تجارب ديمقراطية تتجاوز البدايات، وبقي بعضُ الاختلالات الاجتماعية الاقتصادية الكبيرة بين الأغلبية البسيطة والفئات الغنية، فلم تؤدِ الثرواتُ النفطيةُ الكبيرة إلى تغيير الأحياء والقرى الفقيرة، وتوجهتْ التحولاتُ نحو تصعيد الرأسماليات الحكومية والأقسام الاجتماعية المرتبطة بها وكذلك الرأسماليات الخاصة التي اشتغلتْ على جلب القوى العاملة الأجنبية ذات الأجور المنخفضة، فتشكلت نهضةٌ رأسماليةٌ متنوعةٌ من دون خططٍ تحويلية وطنية عربية بعيدة المدى، تغرزُ التنميات الوطنيةَ الانتاجية بديلاً عن هدر الفوائض الاقتصادية على العمالة الأجنبية وعلى المحافظ النقدية الغربية، وعلى البذخ وغير ذلك من مشكلات كبيرة لم تجد حلولاً برامجية بل حتى قراءات فكرية اقتصادية اجتماعية عميقة.

ضفتا الخليج وجدتا أنفسهما في شكلين متغايرين: شكلٌ إيراني مركزي شمولي، وشكلٌ عربي غير مركزي، تعددي، لم يستطع أن يبلور تجربة تحولية اقتصادية عميقة عبر الاستفادة من الفوائض، وأن يصهر المجموعات السكانية المتفاوتة في عيشها في كيانات وطنية عميقة، ذات مقاربة معيشية.

هذا التباين تحول إلى تضادٍ سياسي، باستغلال الجانب الأول تباينات الجانب الثاني في مشكلاته غير المحلولة، نظراً لطابعه المركزي العنيف وعدم قدرته على الانفتاح على شعبه وتمدده السياسي.

الحياة القادمة سوف تحل المشكلات في كل جانب عبر تجاوز تناقضاته كلٌ بطريقته.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة