الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٨٢ - الخميس ١٦ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية


«معونات» أمريكية مسمومة .. فلتذهب إلى الجحيم





في مصر، انطلقت في الايام الماضية دعوة وطنية للاستغناء عن المعونة الأمريكية.

جوهر الدعوة التي بدأت تنتشر ويتبناها كثيرون وتلقى ترحيبا واسعا، هو فتح باب تبرعات المواطنين المصريين لدعم الاقتصاد الوطني، والاستغناء نهائيا عن المعونة الامريكية.

الحقيقة ان هذه الدعوة ليست جديدة. سبق ان طالب بها الكثيرون في مصر قبل سنوات من اندلاع ثورة ٢٥ يناير.

سبب هذه الدعوة منذ ذلك الوقت ان المعونة الامريكية كانت منذ البداية مشروطة سياسيا. وتحت ذريعتها، كانت الولايات المتحدة تفرض على مصر توجهات ومواقف سياسية بعينها ليست بالضرورة في صالح مصر، وكان النظام السابق يرضخ لهذه الشروط.

وغير هذا، كانت امريكا دوما هي التي تحدد مجالات واوجه انفاق هذه المعونة، وبما لا يخدم بالضرورة مصلحة الاقتصاد والتتنمية في مصر، بل يخدم سياسات وتوجهات اقتصادية تعمق الازمة.

غير ان القضية اتخذت منحى خطيرا مع تفجر مسألة التمويل الأمريكي للمنظمات الاجنبية والمصرية الاهلية على النحو الذي شرحت ابعاده في مقالات سابقة.

اتضح، ان الاموال الامريكية الطائلة التي يتم تقديمها الى هذه المنظمات، والى شخصيات من اتباع امريكا في مجالات مختلفة كالاعلام مثلا، يتم اقتطاعها من هذه المعونة.

أي ان هذه المعونة الامريكية يتم استخدامها لأغراض التخريب ونشر الفوضى والتجسس وضرب الثورة على نحو ما كشفت عنه التحقيقات والشهادات.

وحين تفجرت القضية مع الاجراءات القانونية والقضائية التي اتخذتها السلطات المصرية مع هذه المنظمات والعاملين فيها، تعالت الاصوات في امريكا، وخصوصا في الكونجرس، التي تطالب بقطع المعونة عقابا لمصر على موقفها.

هذا يعتبر بداية اهانة لمصر والمصريين. لكأن مصر لا تسطيع ان تعيش من دون هذه المعونة الامريكية، والتي تعتبر من حيث قيمتها تافهة في نهاية المطاف.

ومعنى هذا التهديد بقطع المعونة بسبب موقف السلطات المصرية، ان الامريكيين يريدون استخدامها كأداة ارهاب، ويتصورون انهم بهذا التهديد سوف يجبرون مصر على التخلي عن سيادتها والتفريط في امنها الوطني.

ولهذا السبب، اعلنت الحكومة المصرية بوضوح انها لن ترضخ لهذا التهديد الامريكي، وسوف تمضي في القضية الى نهايتها، وانطلقت الدعوة التي اشرنا اليها للاستغناء عن هذه المعونة.

اذن، لسان حال المصريين هو، اذا كان ثمن هذه المعونة الامريكية هو كرامة وسيادة مصر الوطنية، فلتذهب امريكا ومعونتها الى الجحيم. وقد استخدم نشطاء وطنيون مصريون هذا التعبير بالفعل.

والحقيقة ان المسألة ابعد من هذا. نعني ان التبجح الامريكي بـ«معونات» تقدمها للدول العربية وتريد استغلالها اسوأ استغلال، لا يقتصر على مثل هذه المعونة المالية لمصر.

الأمريكان مثلا حين دأبوا في السنوات الماضية على تمويل منظمات وجمعيات مشبوهة، وعلى نسج علاقات تواطؤ مع شخصيات تابعة لهم، يبررون ذلك بترديد شعارات مثل، تقديم الدعم والمعونة للمجتمع المدني، ودعم جهود التحول الديمقراطي، وما شابه ذلك.

ومنذ البداية، لم تكن هذه الشعارات سوى شعارات كاذبة تخفي اهدافا ومخططات اخرى خبيثة وشريرة.

اذن، هذه المعونة هي ايضا معونة مسمومة نحن في غنى عنها.

وخذ مثلا حين يتحدث المسئولون الأمريكيون ويحاولون تبرير بعض مواقفهم وادوارهم المشبوهة والمرفوضة فيما يتعلق بتطورات واحداث البحرين. يقولون اننا لا نتدخل في شئون البحرين الداخلية، وكل ما في الأمر اننا نحاول تقديم المعونة والمساعدة في حل الازمة، او لدعم الجهود الاصلاحية وتطويرها.

وحقيقة الأمر هنا ايضا ان البحرين في غنى عن هذا الدعم المزعوم.

وسواء في مصر او البحرين، او كل الدول العربية، لا احد يريد علاقات عدائية او حتى متوترة مع امريكا. بالعكس، الكل يريد علاقات طيبة تحقق المصالح المشتركة شرط ان تكون قائمة على الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية وعدم التدخل في شئون داخلية.

لكن حين يصبح الدعم او المعونة الامريكية باي من الأشكال المادية او السياسية او الاعلامية اداة مسمومة تقوض الامن والاستقرار في دولنا وتشيع الفوضى وتؤجج الطائفية وتنال من السيادة الوطنية .. فلتذهب الى الجحيم.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة